في مسيرتها نحو ضمان إيجاد مستقبل أفضل مستدام، وتحقيق مستهدفات مئويتها 2070، تطبّق الإمارات منظومة متكاملة من المبادرات والبرامج لتطوير الكفاءات الشبابيّة وتمكينها في الوظائف القياديّة لتكون ركيزة ومحرّكاً رئيسياً للمستقبل، وتحظى المرأة الإماراتيّة ضمن هذه المنظومة باهتمام بالغ يستهدف تعزيز مشاركتها وتوسيعها في صناعة القرار ورسم المستقبل.
وفي القطاع المالي يتمّ إعداد قيادات نسائيّة شبابيّة؛ ليصبحن رائدات في هذا المجال، فما هي أساليب تطوير هذه القيادات التي ستسهم بريادة المستقبل في البلاد؟
سلّطنا في «كل الأسرة» الضوء على تجارب قياديات إماراتيات، خضن برنامج إعداد قيادات الصف الثاني، الذي تصفه موظّفات إماراتيات أنه «تحوّلي» ويدعو إلى «التطوّر» و«التغيير» و«التحفيز» و«التمكين» ويدعو إلى «الثقة» ليشكّل نقطة «تحوّل» «نوعيّة»..
وكانت وزارة المالية قد أطلقت البرنامج في يناير من العام الماضي، بالتعاون مع جامعة أريزونا (مركز إيلر لبرامج التعليم التنفيذي)، بهدف تأهيل 10 فتيات من الكفاءات لديها؛ للاستفادة من هذه الفرصة القيّمة؛ تمهيداً لأن يصبحن جزءاً من القيادات الواعدة لقيادة مستقبل القطاع المالي الحكومي، من خلال اكتشاف طموحاتهن القياديّة، وتحقيق تطلعاتهنّ المهنيّة، وكيفية انعكاس البرنامج التدريبي عليهنّ مهنيّاً وشخصيّاً.
القيادة تأثير وإرشاد
تتحدّث أسماء محمد الزرعوني عن مفهومها للقيادة فتقول: «القيادة في جوهرها تأثير وإرشاد أكثر منها استعراض قوّة، فقد كنت سابقاً أقيس نجاحي حسب ارتقائي في السلّم الوظيفي، لكنّني اليوم أقيسه من خلال مدى تأثيري على الآخرين، وكوني مديرة إدارة الضرائب الدوليّة بالإنابة، فقد تعلّمت توظيف القوّة الناعمة كأداة قويّة..
وأصبحت الآن أقدر على فهم نفسي والآخرين باستخدام الذكاء العاطفي، الأمر الذي رفع من مستويات الثّقة والتعاون والتفاعل مع الآخرين، ليس فقط ضمن فريقي ولكن مع جميع الأطراف ذات الصلة في الوزارة وخارجها، وتفكيك تعقيد أيّ قضيّة من خلال الركائز الخمس للتفكير الاستراتيجي، وهو ما ساعد على إعادة هيكلة تفكيري، وعزّز قدرتي على امتلاك رؤية شاملة لأيّ قضيّة دون إهمال أيّ تفصيل».
الخروج عن المألوف
من جانبها، ترى حمدة علي النقبي، رئيسة قسم إدارة التدفّقات النقديّة بالإنابة في إدارة الخزانة، أن تطبيق أساليب غير تقليديّة يعزّز تفاصيل القيادة «في أحد أيام التدريب تعاملنا مع الخيل، وعايشنا تجربة عملية تظهر لنا كيف أن التأثير في الخيل يعلّمنا كيف نؤثّر في الآخرين، وتعلّمنا مواجهة مخاوفنا..
وتعلّمنا كيف أن التعامل مع الأحصنة يشبه أي قضيّة تُسند إلينا أو أيّ تحدّيات جديدة، نشعر في بدايتها بالخوف، ثم بعد ذلك نستوعب الأمر ونطوّر قدرة جيدة على التواصل بين أعضاء الفريق، من ثمّ إنجاز أيّ مهمّة بالطريقة المثلى من خلال العمل كفريق والاستماع لمختلف التجارب، لنكون معاً على قلب واحد».
تحويل التحدّيات لفرص
بفضل التدريب الذي خاضته، أدركت إيمان محمد الحمّادي أن كلّ فرد يحمل قصّة تستحق الاهتمام والتعاطف، الأمر الذي يدفعنا لفهم ظروفه بعمق، هذا الفهم العميق يمهّد الطريق نحو بيئة عمل إيجابيّة ومنتجة..
«أتولى منصب رئيس قسم الابتكار في إدارة الاستراتيجية والمستقبل، تجربتي في البرنامج كانت محطّة مهمّة في رحلة تطوير قدراتي الذاتية والعمليّة، فقد تبنيّت مؤخراً نهج التعاون بدلاً من التوجيه..
هذا التغيير يعكس أهميّة التدريب المكثَّف وقدرته على تغيير الأفكار والسلوكيات، فالقيمة الحقيقيّة لهذا البرنامج تكمن في أساليب التعليم وطريقة التدريب، التي تركّز على التطبيق العملي والمحاكاة، من خلال تهيئة بيئة افتراضيّة تحاكي بيئة العمل بحيث يمكن للموظفين تجاوز التحدّيات وتحويلها إلى فرص».
استخدام الذكاء العاطفي
وتقول شيخة محمد الحمّادي: إن التدريب ساهم في تمكينها من مهارات الحوار الفعّال وحلّ المشكلات، والذي يُعدّ عنصراً أساسياً لنجاحها كرئيس لقسم الرقابة على الإيرادات الحكوميّة بالإنابة في إدارة الإيرادات العامّة..
حيث تقول: «أصبحتُ أكثر انفتاحاً على تقبّل مختلف الشخصيات وفهم التغييرات الحاصلة حولي واحترام قدرات كل شخص، مع الحرص في الوقت ذاته على توافق الآراء لإيجاد حلول مبتكرة لأي تحدٍ، والتعامل معه بحيث لا ينظر إليه كشيء سلبيّ وإنما إيجابيّ والعمل على تحويله لنقطة قوّة..
ومن أبرز مهارات القيادة، أستطيع فهم مختلف نماذج الأشخاص باستخدام الذكاء العاطفي، والاستماع بشكل أفضل لزملائي والأخذ باقتراحاتهم، الأمر الذي يسهم في زيادة إنتاجيّة الفريق لتحقيق التميّز المالي الذي تهدف إليه وزارة الماليّة».
ممارسة القيادة كأسلوب عمل في الحياة
كما تعتقد آمنة حسن الشامسي، مدير إدارة السياسات الماليّة والمعايير المحاسبيّة الحكوميّة بالإنابة في قطاع الإدارة الماليّة الحكوميّة، أنه من المهمّ تمكين كوادر وزارة الماليّة لتكون قادرة على مواكبة المتغيرات العالميّة المتسارعة..
فتقول: «ساهم البرنامج التدريبي في بنائي لقاعدة تشاركيّة تفاعليّة مع مختلف الأشخاص وممارسة القيادة كأسلوب عمل في الحياة وحتى في مهام الوزارة اليوميّة، من خلال تحفيز زملائي والثقة بقدراتهم على التعامل مع كافة المشروعات والحرص على أن تكون بيئة العمل إيجابيّة ومنتجة».
اتخاذ قرارات قيّمة
أما بثينة ضاحي مرخان، رئيسة قسم الخدمات والعمليّات في إدارة الاستراتيجيّة والمستقبل، فيمكنها أن تلاحظ التغيّر الواضح الذي عاشته خلال ما تسميه رحلة التدريب، التي انعكست عليها على الصعيدين المهنيّ والشخصيّ..
بعد ما ركّزت بشكل أكبر على تعزيز العمل الجماعيّ، وتطوير أساليب التواصل داخل فريق العمل «الأمر الذي اكتسبته وأنا عازمة على الاحتفاظ به، هو الاستفادة الكاملة من قوّة وفعاليّة الاستجابة والردود (التغذيّة الراجعة)، والتي أنظر إليها كبطاقة ذهبيّة رابحة تسهم في تطوير المهارات الشخصيّة والمهنيّة..
بالإضافة لتنمية التفكير النقدي، والتزوّد بالأدوات التي تساعد على اتخاذ قرارات قيّمة تعود بالفائدة على العمل والقدرة على التعامل مع الأهداف المعقّدة».