هل سبق أن آلمك أو خانك أو حطَّ من شأنك شخص لئيم؟ قد يكون ربّ عملك أو أحد أصدقائك أو أقاربك أو حتى زوجك...، في كلّ الحالات، هو -أو هي- شخص لئيم يعيش على الإساءة إلى تقديرك لذاتك وعلى قلقك النفسي وتعاستك، لكن باستطاعتك أن تضع حدّاً لحلقة الإساءة واللؤم من دون أن تلجأ أيضاً إلى الوسائل الدنيئة ذاتها.
في كتابه «كيف تحمي نفسك من اللئام»، يشير د. جاي كارتر إلى أن اللئيم قد يظنّ أنه الشخص المهم الوحيد، لكنه يشعر في الحقيقة أنه أقل من سواه، حيث يستخدم نفخ الذات في محاولة لتعويض شعوره بالدونيّة، وهكذا فإنّ من يبدو شخصاً قويّاً، واثقاً، لا يرحم، هو في الواقع طفل صغير خائف في داخله.
وأكثر ما يجعل اللئيم مستجيباً هو التقارب معه، إذا كنت معجباً به، قد يسمح لك بأن تبيّن له خطأه بين الفينة والأخرى، لكن ليس أمام الجميع، هذا ما ينجح مع أيّ كان بالطبع، فإذا ما أظهرت لأيّ كان محبتك وإعجابك به..
يمكنك أن تقول له أيّ شيء، قد تسهل مهمتك إذا تمكنت من إيجاد سبب حقيقي للإعجاب برئيسك مثلاً، عادة يكون اللئام مشغولين بأنفسهم، هذا لأن تقديرهم لذواتهم متدنٍ فعلياً، هم يخبئون الأمر بإظهار «أنا» شديدة الانتفاخ.
ليس ثمة وصفة سحرية، أو وصفات سحرية، للتعامل مع اللئام والمسيئين، ما من كتاب يستطيع أن يغطي كل الوضعيات الممكنة في الحياة، ولن تكون ماهراً ومحترفاً في مواجهة اللئام عند قراءة أي إرشادات بهذا الخصوص..
إذ إن لاعب الكرة لا يتقن اللعبة بقراءة قواعدها بل بممارستها، ومع هذا، ثمة إرشادات عامة وسلوكيات ومقاربات، يبدو أنها تحقّق نجاحاً في كثير من الأحيان، سنتطرق إليها الآن، لكن تذكروا أن عليكم أن تطبقوها على طريقتكم.
المواجهة مع اللئيم
المواجهة مقاربة عظيمة! أنت تنظر إلى من أساء إليك بطريقة تبيّن له أنك قد فهمت تماماً ما هو فاعل، صمت طويل أو ابتسامة خفيفة، أو الانحناء قليلاً إلى الأمام يعلّمه أنه من الأفضل له ألا يلعب معك.
إليكم مثالاً على الأمر: والد الزوجة أمضى السهرة يستجوب صهره حول عمله؛ باحثاً عن أسباب لإزعاجه واستفزازه، في النهاية يحمرُّ وجه الوالد وتقدح عيناه شراراً ويصرخ، قائلاً: «أهذا عمل يليق برجل؟!»، لم يقل الصهر شيئاً..
لكنه واصل النظر إلى عمِّه بهدوء، فرفع هذا الأخير صوته وازداد احمراراً وفتح عينيه على وسعهما وهو يصرخ ويلوم، أما الصهر فظل ينظر إليه بهدوء. وأخيراً أشاح الوالد ببصره وصرخ غاضباً بالأشخاص الآخرين حول المائدة ثم نهض مغادراً إياها.
لم يدخل الصهر معه في «اللعبة»، ولم يخَفْ منه، كما أنه لم يوافقه الرأي، ولم يستسلم له، واظب على النظر إليه حتى شعر والد الزوجة بعدم الارتياح إلى درجة اضطر معها أن يترك المائدة، ولن يعاود الكرة على الأرجح مرة أخرى.
كرِّر ما قلته من فضلك
حين تطلب من الشخص أن يكرّر ما قاله من كلام مسيء، قد تجعله يرغب في التراجع عنه، لا سيما إن كان ما قاله من نوع الدس أو التلميح بخصوصك، أما إذا كان شجاعاً بما فيه الكفاية ليكرّر أقواله بإمكانك أن تجيبه بالقول: «آه، نعم، هذا ما ظننت أنك قلته»، وعادة ما يمتنع الجبان عن تكرار ما قاله بالطريقة ذاتها كما في المرة الأولى.
قلْ الحقيقة كاملة
الكثير من الكلام المسيء هو من نوع الكلام المزدوج، الذي يحمل تلميحات ونبرات صوتية وعلامات أخرى ترافق الكلام المسموع، كل ما تحتاج إليه هو أن تقوم بإعطاء الحجم الحقيقي للأمور، وأن تنطق بحقيقتها ببساطة.
إليكم مثالاً على هذا: حضرت سيدة اجتماع عمل مع فريق من زملائها مؤلّف أساساً من رجال، قال فرانك لها: «سوزان، دوِّني محضر الاجتماع من فضلك عزيزتي»..
لم تكن سوزان تتوقع الطلب فقالت: «لست مستعدة لتدوين المحضر»، فأجاب فرانك بلؤم: «هيّا يا سوزان! أنت جئت إلى هذا الاجتماع بدون تحضير؟!»
أجابت سوزان: «فرانك، أنت تتحدث كما لو أن تدوين محضر هذا الاجتماع هو جزء من مهامي، أقترح عليك أن تطلب من واحد منّا تدوين المحضر قبل بداية الاجتماع، بدل أن تنتظر حتى اللحظة الأخيرة للقيام بهذه الترتيبات بعد بداية الاجتماع».
لم تكن سوزان هجومية ولم تتهم فرانك أنه طلب منها تدوين المحضر لمجرد أنها امرأة ولم تتح له الفرصة حتى يستفزها، لقد عبّرت عن الأمور بحسب الوقائع القائمة، جعلت بالتالي، موقف فرانك يبدو واضحاً للجميع.
إليكم مثالاً آخر: يقدّم آل اقتراحاً يعمل عليه في مجال عمله، بيل جالس في الاجتماع وتبدو عليه علامات الغضب المتزايد، وجه بيل أحمر، يتنفس بصوت عالٍ ويتنهد، لا أحد يفهم ما يقوله آل؛ لأنهم يتساءلون عمّا يزعج بيل، في النهاية، يتوجه آل إلى بيل قائلاً: «بيل، هل تريد أن تقول شيئاً؟».
وقف بيل وشرايينه تنبض على صدغيه ليقول: «بالطبع أريد أن أقول شيئاً!، أنت لا تعرف ما الذي تتحدث عنه، أنا لم أرَ...» لكن آل رفع صوته أكثر منه قائلاً: «بيل، أنت أتيت إلى هنا وتصرفت بغضب حتى قبل أن أبدأ كلامي، لا أرى كيف يمكنك أن تطلق أحكاماً على أساس ما قلته حتى الآن، أريد منك أن تعاملني باحترام؛ حتى تدعني أكمل عرضي».
فصرخ بيل: «نعم؟! حسنٌ لكنّ هذا العرض هو إضاعة لوقتي»، فرد آل بقوله الحقيقة: «حسناً بيل، أنت تحرجني أمام كل هؤلاء الناس، أنا أودّ أن يكوِّنوا رأيهم بأنفسهم حول ما سأقوله، أنت لست مضطراً للبقاء في الاجتماع وبإمكاني أن أتحدّث معك بعده إن شئت».
وهكذا، خرج بيل من الاجتماع قائلاً: «أنا لست مهتماً بما تريد قوله»، وقال آل للمجموعة: «لماذا لا نأخذ خمس دقائق من الراحة»، فترة الراحة سمحت للجميع بالتحدث عن المشهد بدل التفكير فيه طيلة عرض آل.
وبإمكانك دائماً أن تقول الحقيقة عند النظر إلى مشاعرك: «أنا محرج»، «أنا غاضب لما قلته بهذه الطريقة»... لا أحد يمكنه أن يناقشك بمشاعرك لأنها سواء أكانت خاطئة أم على حقّ فهي مشاعر تخصك.
تكلم مع اللئيم لوحدك
الشخص الذي يحرجك أمام مجموعة يستخدم المجموعة لتعزيز سلطته. إذا ما رأيته على حدة، قد تجد أنه سيتململ في مقعده ويقدم الاعتذارات. وسيتعلم أن يحترمك لأنه يعلم أنك ستواجهه بدل أن تختبئ خلف المجموعة.
كلمه بمنطق في البداية، وإذا ما أحرجك مجدداً هدده بالقيام بالتصرف المماثل تجاهه، بقولك «هل تحب أن أحرجك أمام الجميع؟ افعل هذا معي مجدداً وسأدهشك».
والمفاجأة هي أنك ستقول الحقيقة ببساطة: «جاين، أنت إذاً تحاولين إحراجي مرة ثانية أمام الجميع. ألا يمكنك أن تفكري بطريقة أكثر مهنية في التعامل؟»
أعكس سلوك اللئيم
حين يتهمكم أحدهم بشيء لم تفعلوه، تأكدوا إن كان هو الذي فعله. حين يهددكم أحدهم بشيء ما، هددوه في المقابل بالشيء ذاته.
فمن الأرجح أنه يهددكم بما هو أكثر ما يخشاه. إذا اتهمكم بأنكم لا تحبونه أو أنكم تحكمون عليه بأحكام مسبقة ومسيئة، فالأرجح أنه هو الذي لا يحبكم. والأرجح أنه هو الذي يحكم عليكم بأحكام مسيئة.
حين يقول لكم أن عليكم أن تختاروا بين «ألف» أو «باء»، قولوا له أنكم لن تختاروا وبوسعه هو أن يختار كيف سيكون تصرفه حيال الأمر. إليكم مثالاً، قال ديف: «اسمعي، عليك أن تختاري بيني وبين أهلك» لتجيبه ماري: «أنا أرفض أن أختار».
إليكم مثالاً آخر، قال فريد: «أظن أنك لا تحبينني». فترد قائلة: «هل تحبني أنت يا فريد؟»
إليكم مثالاً ثالثاً، قالت مارثا: أظن أنك تأخذ مالاً من الصندوق لنفسك.«فترد قائلاً: «هل أخذتِ أنتِ مالاً من الصندوق لم تقُلي لي عنه؟»