10 سبتمبر 2024

هل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للواجبات المدرسية يصيب الدماغ بالكسل؟

أستاذة وباحثة جامعية

أستاذة وباحثة جامعية

هل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للواجبات المدرسية يصيب الدماغ بالكسل؟

مزيد من التلاميذ والطلاب يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي للمراجعة أو لتسليم مشروع أو للقيام بفروضهم، فهل يؤثر هذا الأمر في دماغهم وفي معارفهم؟

قام فريق من الباحثين الباكستانيين مؤخراً، بتحليل الأسباب التي تحمل الطلاب على الاستعانة بـ«تشات جي. بي. تي» في سياق دراساتهم، والتعرُّف إلى تبعات هذه الاستعانة في ما يختص بأدائهم الأكاديمي ووظائفهم المعرفية.

استخدم الباحثون استمارة ملأها 494 مشاركًا معدل أعمارهم 23 سنة، ليتبين أن الطلاب الذين يلجؤون أكثر من سواهم إلى تطبيق الذكاء الاصطناعي هم من قالوا:

  1. إنهم يرزحون تحت كمية العمل وضغط تسليمه في الوقت المحدد.
  2. إنهم من النوع الذي يؤجل عمل اليوم إلى الغد.

من ناحية النتائج والتبعات، ارتبط استخدام التطبيق الذكي بشكاوى ذات طبيعة معرفية، متصلة بحالات فقدان الذاكرة وبنتائج أقل جودة في الامتحانات..

وهكذا تشير قراءة أولى للدراسة إلى أن التلاميذ الأقل تنظيمًا أو الأكثر بعدًا عن تطلعات أساتذتهم، أشد ميلاً إلى اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي، بيد أن هذا «العكاز» التكنولوجي لا يساعدهم على مستوى الذاكرة بالأخص.

لكن للأسف، لم تسمح المنهجية المعتمدة في الدراسة بالذهاب إلى ما بعد الملاحظة البسيطة لهذا الارتباط، ولم تُقِمْ علاقة سببية حقيقية بين مختلف جوانب المسألة:

  • فهل يكون التلميذ مثلاً أقل إنجازاً في الامتحانات لأنه يستخدم التطبيق الذكي، أم أنه يستخدم التطبيق لأنه تلميذ أدنى مستوى من سواه ويجد صعوبة في القيام بفروضه؟
  • وهل يؤجل التلميذ واجباته المدرسية لأنه يعلم أنه يستطيع الحصول على مساعدة الآلة حتى ينتهي بسرعة أو أن الآلة هي خشبة إنقاذ للتلاميذ الذين يميلون عمومًا إلى القيام بكل ما يجب عليهم القيام به في اللحظة الأخيرة؟

مثل هذه الأسئلة تعني أن هذه الدراسة لا تستطيع وحدها أن تقدّم الإجابات المطلوبة، لكنها تؤكد لنا أن استخدام الذكاء الاصطناعي يجب ألا يكون مفتوحاً وحراً أمام التلاميذ.

بيد أن ما ينبغي الالتفات إليه في هذه الدراسة هو العلاقة مع فقدان الذاكرة، هذا لأن هؤلاء الطلاب هم في سن تمثل أقصى القدرات المعرفية في حياة الإنسان، مع قشرة دماغية ما قبل جبهية في حالة نضج كامل وفعالية تامة لإنجاز مهام الذاكرة.

فلماذا يعاني المدمنون على الذكاء الاصطناعي من مصاعب على هذا المستوى؟ وهل من الممكن أن يكون التطبيق الذكي مؤذياً حقاً لذاكرتهم؟

لا تكفي الدراسة الباكستانية من أجل أن نصل إلى نتيجة حتمية، لأن نوعية التخزين الذهني والاسترجاع من الذاكرة رهن بعوامل متعددة، كالقدرة على التركيز أو نوعية النوم وكميته، وهكذا قد يكون نمط الحياة غير السليم، مثلاً، والذي لا يتضمن كمية كافية من النوم، قد أثر في الذاكرة وفي استخدام الذكاء الاصطناعي..

ذلك أن التلميذ الذي يعاني من التعب وقلة الوقت سيلجأ إليه للقيام بأعماله المدرسية، وتكون النتيجة علاقة ظاهرة بين استخدام التطبيق الذكي وبين تدني الذاكرة، في حين أن نمط الحياة غير الصحي يكون هو السبب.

تأثير التطبيقات الذكية على الوظائف المعرفية للطالب

ومع هذا، ثمة معلومات ثابتة في مجال العلوم العصبية تجعلنا نتوقع تأثيراً ممكناً لهذا النوع من التطبيقات في الوظائف المعرفية، وإليكم الأسباب:

  • حين يحل الذكاء الاصطناعي محل آلية تفكير من أجل إنتاج نص للإجابة عن سؤال، يحول دون قيام التلميذ باستخدام ما يسمى بـ«الخريطة المعرفية»، وهذه الخريطة هي نسيج من علاقات السببية والتجاور الدلالي بين حالات معينة ومفاهيم معينة.
  • حين يُطلب منكم شرح مبدأ التجارة المثلثة بين أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، يتعين عليكم البحث في ذاكرتكم عن مجموعة من المفاهيم المتصلة الواحد منها بالآخر، كتجارة الرقيق والمستعمرات.. إلخ، وكذلك عن علاقات سببية، كالقول إن الرقيق المستقدم من أفريقيا سمح بزراعة الأراضي الشاسعة في أمريكا.
  • هذا الاستكشاف الذهني للخريطة المعرفية الخاصة بهذا المجال التعلُّمي المحدد يقوي الصلات بين العصبونات المرتبطة بهذه المفاهيم وهذه العلاقات، و«تخزن» الخريطة المعرفية أساساً في الجزء السفلي من الفص الجبهي وفي الفص الصدغي، وهذه الصلات بين العصبونات هي أساس الروابط المنطقية التي تميز هذا المجال المعرفي، فالقطن مثلاً لا يُزرع في أوروبا، يجب بالتالي زراعته في مكان آخر: أين؟ كيف؟ ممن؟ وماذا يستتبع هذا الأمر؟
  • وهكذا، تهدف غالبية الفروض المدرسية والجامعية إلى حمل التلميذ والطالب على استخدام هذه الخرائط بطريقة تعمل على توطيدها في ذاكرتهم، من أجل أن ترتبط جميع المفاهيم التي تم تعلمها في مجال معين الواحد بالآخر ضمن هذه الخرائط بدل أن تكون مخزونة ببساطة كقائمة معارف معزولة تم تعلمها عن ظهر قلب بدون هدف، وهذا ما يمكِّن هؤلاء الطلاب في ما بعد من تنمية فكر حسن البنيان ومنطقي.

هل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للواجبات المدرسية يصيب الدماغ بالكسل؟

قد يضعف الذكاء الاصطناعي «خرائطنا المعرفية»

لكن هذه التراكيب المترابطة بين المفاهيم، كالقطن الذي يعاد بيعه في أوروبا وسواه، تفرض نمطاً من البنية الخاصة بالنصوص المكتوبة بخصوص المجال المعني والمتوافر على الإنترنت، أي أنها تشكل القاعدة بعينها التي ينهل منها الذكاء الاصطناعي حتى يتعلم..

ما يعني أن تحليلاً لغوياً وإحصائياً بحتاً لهذه المدونة من النصوص، كجملة «القطن يعاد بيعه في أفريقيا»، لن تظهر أبدًا، وهذا ما سيمكن أداة مثل «تشات جي. بي. تي.» من توليد إجابات تحترم هذه التراكيب والتي تظهر بشكل عام متطابقة مع ما هو معروف عن المجال المعني، من دون أن يقوم الطالب الذي يستخدمها باستخدام هذه التراكيب أو باستخدام خريطته المعرفية.

لذا يمكن أن نتصور أن مقدرة استخدام خريطة معرفية بحد ذاتها من أجل التعاطي مع المفاهيم وإقامة الروابط بينها ستتراجع ومعها المقدرة على تذكر تلك المفاهيم..

فالقول الشهير الذي يردده العلماء حول مقدراتنا المعرفية هو: «استخدمها لئلا تفقدها»، والتلميذ الذي يبذل بانتظام جهدَ البحث والتعامل مع المعلومات بهدف الإجابة عن أسئلة، يقيم حواراً بين القشرة ما قبل الجبهية وبين الفص الصدغي الذي يشكل أساس تعزيز الذاكرة.

بهذا المعنى، يكون القول: إن الذكاء الاصطناعي يضر بمقدرتنا على الحفظ وبمقدرتنا على التفكير هو قول صحيح إذا ما استخدم هذا الذكاء من أجل إنتاج سريع لإجابات عن أسئلة تُعطى في الفروض المدرسية والجامعية.

 

مقالات ذات صلة