يحدث للكثير منا بالطبع أن ننسى وجه أحدهم أو رقم هاتف أو أياً من تفاصيل حياتنا اليومية، ولكن مع كثرتها وتقدمنا في العمر ربما نشك في كوننا نعاني الخرف الذي بتنا نسمع عنه الكثير هذه الأيام.. فكيف يمكن أن نميز بين النسيان العادي أو علامات هذا المرض؟
يمكن أن تكون زلات الذاكرة وخلط الكلمات والصعوبة في التركيز جزءاً طبيعياً من الشيخوخة، ولكنها أيضاً قد تكون علامة على الخرف، حالة استنزاف الذاكرة التي يعانيها مئات الملايين في العالم، ففي بريطانيا وحدها هناك ما يقارب المليون حالة، وفي أمريكا يعاني 7 ملايين أمريكي الخرف. فبالإضافة إلى فقدان الذاكرة، يمكن أن يؤثر الخرف في الطريقة التي يتحدث بها الشخص ويفكر ويشعر ويتصرف.
يحدد الخبراء عدداً من العلامات التي يمكننا من خلالها معرفة أعراض الحالة التي نعانيها بصرف النظر عن علامات الشيخوخة العادية:
الذاكرة
تعد سقطات الذاكرة مصدر إزعاج للكثيرين في مرحلة ما من عمرهم. ولكن يشير الخبراء إلى أن توترها وشدتها علامة رئيسية على إمكانية أن تكون من أعراض الخرف. فمن العلامات الشائعة للشيخوخة نسيان أي شيء قد قيل لك قبل فترة قصيرة، أو وضع أشياء في غير مكانها، مثل هاتفك المحمول، أو أن الشخص يستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذ مهام جديدة لا تتطلب كل هذا الوقت. ومن العلامات المحتملة للخرف أيضاً التيه في المنزل أو الخروج إلى أماكن غير مألوفة والضياع مرة أخرى. وعادة ما تكون مثل هذه السلوكيات غريبة على طباع الشخص، ومختلفة ومميزة للغاية.
يمكن أن تكون مشاكل الذاكرة أو التفكير علامة على الخرف المبكر، ولكن مع ازدياد مشاغل الحياة ربما تكون أيضاً علامة على التوتر والتقدم الطبيعي في السن. بالنسبة للأشخاص المصابين بالخرف، يبدأ الشخص في نسيان الكثير من التفاصيل التي قيلت له قبل قليل، بينما الشخص العادي ينسى الأشياء التي قيلت له منذ فترة أطول. وقد يسأل المصاب بالخرف السؤال نفسه مراراً وتكراراً، والمهام المألوفة لديه التي يقوم بها طوال حياته، مثل ارتداء الملابس وتصفح قنوات التلفاز والعثور على الصابون المفضل له، تصبح أكثر صعوبة، علاوة على فقدان القدرة على تنفيذ المهام بالترتيب الصحيح، مثل خطوات طهي وجبة ما.
عادة ما يلاحظ الأشخاص القريبين من الشخص المصاب بالخرف هذه التغييرات على مدار أشهر عدة قبل أن يقرروا استشارة الطبيب، ولا يبدو أنها تختفي بل تزداد سوءاً.
اللغة
من المألوف أحياناً أن تجد صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة لقولها أو تواجه مشكلة في مواكبة الحديث. فقد تكون هناك أوقات يتشتت فيها انتباهك فيحمر وجهك، ولكنها ليست بالضرورة علامة على أن هناك خطباً ما. ولكن إذا ما واصلت نسيان أسماء الأشياء الشائعة، وكثيراً ما تواجه صعوبة في العثور على الكلمات الصحيحة أو تفقد مسار ما يقوله لك الشخص بسرعة، فلربما هذه علامات على الخرف. ويبين الخبراء أن صعوبة العثور على الكلمات سمة قوية للغاية لدى بعض المصابين بالخرف، حيث تجدهم يصفون موقفاً أو شيئاً أو حيواناً أو أي شيء من هذا القبيل بكلمة مختلفة عما يجب أن تكون.
المزاج والسلوك
لا أحد يتوقع منك أن تكون إيجابياً طوال الوقت. ولكن إذا ما بدا الشخص سريع الانفعال أو يعاني ارتفاعاً وانخفاضاً شديداً في مزاجه، فقد تكون علامة على الخرف. إذ يمكن أن تؤدي أعراض الخرف إلى انسحاب الشخص أكثر فأكثر من العمل أو الأصدقاء أو العائلة. فالخرف يجعل التفاعل الاجتماعي مع الآخرين أكثر صعوبة وإرهاقاً، ويمكن أن يؤثر في ثقة الشخص بنفسه. ونظراً لكون المصاب بالخرف يعاني صعوبة في متابعة المحادثات، خاصة في بيئة صاخبة، تراه يفضل البقاء في المنزل.
علاوة على ذلك، يحدث أن نشاهد سلوكيات أخرى غير معتادة من الأشخاص المصابين بالخرف تكون خارج السياق المعتاد منهم، على سبيل المثال أولئك الخجولين يتخلون عن هذا الخجل، أو يغادرون المنزل في وقت متأخر في ليلة باردة دون ارتداء معطفهم أو حتى أحذيتهم.. وجميعها ومثيلاتها علامة على الخرف. لذلك تراهم يشعرون بإحباط شديد تجاه أنفسهم لأنهم غير قادرين على الوصول إلى العالم من حولهم، فيغضبون ويضطربون بسبب عدم القدرة على القيام بما اعتادوا عليه.
غير أن حدوث تغيرات في المزاج تكون أحياناً ناجمة عن أسباب أخرى لا علاقة لها بالخرف، لذلك من الأفضل الخضوع لتقييم طبيب مختص.
الرؤية
أظهرت الدراسات الحديثة أن المشاكل الصحية في العين يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف. فمن الطبيعي ألا يكون بصرك حاداً مثلما كان عندما كنت أصغر في السن، فقد تحتاج إلى الضوء لقراءة الأشياء بشكل صحيح أو الاعتماد على نظارة للقراءة، ولكن يمكن أن يواجه المصابون بالخرف صعوبة في معالجة الألوان المختلفة وتمييزها، مما يتسبب في إساءة تفسير الأنماط والانعكاسات. ويعود السبب إلى أن العين ترسل رسائل إلى الدماغ كي يساعدها على فهم ما تراه، لكن الخرف قد يتسبب في تشويه هذه الرسائل المنطلقة من العين إلى الدماغ.
غالباً ما يعاني المصابون بالخرف صعوبات في رؤية الأشياء اللامعة مثل الأرضيات، حيث هناك القليل من الوهج، وهناك القليل من الصور العاكسة التي يمكن أن تبدو مثلاً مثل الماء. وفي كثير من الأحيان، عندما يجلسون على الطاولة لتناول وجبة قد لا يرون كل شيء ولكن فقط لما يصل إلى نصف الطبق. كما يمكن أن تسبب أنواع من الخرف أحياناً الهلوسة أو رؤية أو سماع أو شم أشياء غير موجودة.
التركيز واتخاذ القرار
نحن جميعاً عرضة أحياناً لضياع الوقت، خاصة عندما نكون مشغولين أو متوترين. وفي بعض الأحيان، يعد اتخاذ القرارات دون التفكير الكامل فيها أو صعوبة القيام بمهام عدة في وقت واحد، علامة شائعة على الشيخوخة. لكن أن تجد نفسك في مكان غير مألوف أو غريب أو تفقد القدرة على العثور على طريقك إلى المنزل، فهي علامات تشير إلى احتمالية الخرف. فإذا ما انتبه الشخص إلى أنه يتخذ الكثير من القرارات دون التفكير فيها، إما لأنه غير قادر على معالجة المعلومات كما اعتاد أو لأن شخصيته يبدو أنها قد تغيرت كثيراً وبسرعة، فقد يكون الأمر على علاقة بالخرف، علامة على أنه بحاجة لزيارة طبيب مختص، لأن هذه العلامات لها عواقب وخيمة على الشخص ومن حوله، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمال أو السلامة الشخصية.
