كم من زلة لسان بين أزواج وزوجات دمرت ثقة وهدمت بيوتاً وضيعت حباً وعشرة وعلاقات زوجية عمرها سنوات.. فأحياناً يجرح أحد الأزواج شريكه بزلة لسان أو هفوة كلام عن قصد أو بغير عمد لكنها تقع على الطرف الآخر كالصاعقة التي تصيب مشاعره وقلبه وربما كرامته في مقتل وبعدها لا تعود الأمور والأشياء بينهما إلى ما كانت عليه أبداً.
طرحت «كل الأسرة» العديد من التساؤلات حول زلات اللسان وكيف تؤثر في العلاقة بين الزوجين، وسألت خبراء العلاقات الزوجية والأسرية: كيف يتجنب الزوجان زلات اللسان؟ وكيف يتجاوز الطرفان التأثيرات السلبية التي تخلفها مثل هذه الهفوات الكلامية على العلاقة بينهما؟
أسباب زلات اللسان
في البداية، يحذر الدكتور عمرو شليل، أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة المنصورة، من الاستهانة بأي كلمة أو عبارة بسيطة تخرج على لسان قائلها دون قصد ولكنها قد تؤدي أحياناً إلى عواقب غير محمودة في علاقتنا بشريك الحياة ولا يجد صاحبها أمامه سوى الاعتذار أو التبرير الذي قد يفيد وقد لا يفيد حسب حجم وخطورة زلة اللسان.
ويقول «إن الكلمات الحادة والعبارات العنيفة لها صدى يتردد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف، علاوة على الصدمات والجروح العاطفية التي تتراكم في النفوس. وللأسف الألفاظ الجارحة التي يستخدمها أحد الزوجين أو كلاهما خلال أوقات الخلاف والغضب لا تنسى أبداً، وقد ينسى الزوجان أسباب الخلاف لكن التجريح والإهانة يظل عالقاً في ذهن كلا الطرفين ينغص عليه حياته وما إن يدب خلاف بينهما من جديد يتذكر كل الإهانات السابقة لشريك حياته وتزداد الأمور بينهما سوءاً».
الألفاظ الجارحة خلال أوقات الخلاف والغضب لا تنسى أبداً
ويلفت الدكتور عمرو شليل إلى أن المرأة بطبيعتها عاطفية جداً وهذا الأمر يجعلها سريعة الغضب في كثير من الأحيان ولا تستطيع التحكم في نوع العبارات التي تستخدمها ضد الزوج في أوقات الخلاف ولحظات الغضب، لذلك كثيراً ما نرى أن الزوجة هي المسؤول الأول عن نجاح العلاقة الزوجية باعتبارها ملكة البيت ولديها من الذكاء العاطفي ما يجعلها تتعرف بسرعة إلى طباع الزوج وبعدها يكون الحل في يدها، فهي من تستطيع تجنب الخطوط الحمراء التي تفاقم الخلافات الزوجية من خلال عدم استفزازها للرجل.
وينبه الاستشاري الأسري إلى حقيقة مهمة يجب أن يدركها الأزواج والزوجات أيضاً وهي أن البيت يبدأ في الانهيار ببطء عندما تجد المقارنات طريقها إليهما، فلا تقبل الزوجة أبداً أن يقارنها زوجها بامرأة أخرى، حتى وإن كانت شقيقتها أو والدتها، كما لا تحب أن يتهمها زوجها بأنهما ليسا سعيدين كغيرهما لأن كل أسرة لها طبيعتها الخاصة، فإذا كانت هناك مشكلات بينكما لابد من حلها وفقاً لطبيعة علاقتكما وليس بالضرورة أن يتم ذلك على طريقة هذا الثنائي أو ذاك.
ويضيف «دائماً ما أحذر الأزواج والزوجات الجدد من عقد المقارنات خاصة في تلك الأمور الزوجية المحرجة، وأقول لهم إن المقارنات بكل صورها وأشكالها تحولك دائماً لكائن تعيس غير راض عن حياته وعلاقته الزوجية، مثل مقارنة الحالة الاجتماعية والمظهر والأولاد، المقارنة بدافع الغيرة والضيق، أو حتى المقارنة بدافع السخرية والتنمر، سواء كانت من الزوج أو الزوجة».
الأزواج العقلاء لا ينقدون بعضهم البعض ولا يسخرون أبداً من بعض
عبارات تتطاير كالقذائف
وتتفق معه الدكتورة عزة حامد، استشاري العلاقات الزوجية، في أنه عندما يحتدم الخلاف بين الزوجين يجب الحذر من تطاير العبارات والاتهامات بينهما كالقذائف والتي يغيب معها صوت العقل، وتبين «يجب أن يعي الزوجان أن زلات اللسان والتفوه بالألفاظ الجارحة أثناء الخلافات الزوجية يقتل كثيراً من المعاني والأمور الجميلة التي تربط بين الزوجين، وبخاصة وأنها لن تنسى أبداً مهما حدث، ولذا يجب أن يسيطر الطرفان على لسانه في الخلافات الزوجية».
وتحذر د. عزة حامد الأزواج من التفوه بألفاظ وعبارات مسيئة أثناء الشجار خاصة أنها قد تكون سبباً مباشراً في عمل فجوة بينهم وهو ما لا نريد حدوثه أبداً طوال مسيرة الحياة الزوجية، لذلك لا يمكن أن يقع الأزواج السعداء في هذا الخطأ مهما حدث.
وتواصل «الأزواج العقلاء لا ينقدون بعضهم البعض ولا يسخرون أبداً من بعض، ولا يحدث منهم ما يجرحهم أو يقلل من شأنهم أو يشعرهم بالانتقاص أو قلة التقدير، لذلك يعد تجنب النقد والسخرية من الأمور المهمة التي يجب أن يقوم بها الأزواج إذا أرادوا أن يعيشوا سعداء».
وتطالب الدكتورة عزة ريان الأسر بأن تعلم أولادها وبناتها المقبلين على الزواج ضرورة أن يحترم الرجل زوجته وأن تبادله هي الأخرى الاحترام باحترام أشد خاصة أمام الأبناء ليكون هذا درساً عملياً لهم في معنى الحياة الزوجية واحترام رأي الآخر، لأن اختفاء علاقة الاحترام بين الزوجين سببه أننا لم نترب على الحوار منذ الصغر، والزوجة حتى وإن اختلفت مع الزوج وكرهته يجب عليها أن تذكره أمام أولادها بالكلمة الطيبة وتحاوره بأسلوب مهذب وبحرص شديد.
وتشدد الاستشارية الأسرية على أن الحب وحده لا يكفي لاستمرار حياة زوجية متجددة بل إن الحب يضيع فوراً بمجرد أن يجرح الطرفان في بعضهما البعض، والاستقرار لا يكون داخل أسرة يهين فيها أحد الطرفين شريك حياته، لذلك يجب على الزوجين أن يضعا منذ البداية أسساً للتعامل منها الانسحاب وقت الغضب وعدم مناقشة الأمور التي تؤدي لإهانة أحدهما الآخر، كما يجب عليهما التدرب منذ فترة الخطوبة على كظم الغيظ وعدم تصعيد المشكلات لتصل إلى هذه المرحلة وألا يتعودان على اتهامات التقصير المتبادلة وإلقاء مسؤوليات كل مشكلة يتعرضان لها على بعضهما البعض، كما أن تصيد الأخطاء يعمل على زيادة الشعور بالفتور العاطفي.
قوة شخصية المرأة تكون في احترامها لزوجها وإجبارها له على مبادلتها هذا الاحترام
أهمية الاحترام المتبادل
من جانبه يحذر الدكتور عادل خضر، أستاذ الطب النفسي بجامعة بنها، الفتيات المقبلات على الزواج من استسهال إهانة الزوج «هذا الخطأ ليس من الأخطاء التي يمكن أن يغفرها الزوج لزوجته حتى وإن اعتذرت له ألف مرة ومرة وأبدت ندمها، سيظل الزوج متذكراً لها هذا الأمر وسيؤثر في جدار الاحترام داخل البيت وقد تنهار الثقة بينهما نتيجة لتكرار الإهانة بينهما وتنتهي المأساة بورقة طلاق يدفع ثمنها الأبناء».
ويشرح «قوة شخصية المرأة ليس كما تفهمها بعض السيدات بسلاطة اللسان والتجريح والشتائم كوسيلة للرد على إهانات الزوج لها، قوة شخصية المرأة تكون في احترامها لزوجها وإجبارها له على مبادلتها هذا الاحترام. ولكن للأسف الألفاظ الجارحة التي يستخدمها أحد الزوجين أو كلاهما خلال أوقات الخلاف والغضب لا تنسى أبداً وقد ينسى الزوجان أسباب الخلاف لكن التجريح والإهانة يظلان عالقان في ذهن كلا الطرفين».
وفي المقابل يطالب الدكتور عادل خضر الأزواج بتجنب زلات اللسان التي يمارسها البعض ضد الزوجة دون إدراك أن ذلك يؤدي لإفساد مشاعرها تجاه شريك حياتها، ومن ذلك كثرة توجيه عبارات تقلل من شأنها ومن قيمتها وقيمة أهلها.. وعلى الزوج ألا يحمّلها جميلة على كل شيء تطلبه منه من مأكل ومشرب وعلاج ولباس أو في تأمين حاجات العائلة، وأن يبتعد عن لومها «لأنك وحدك من تقوم بتأمين المأكل والمشرب فهو بالطبع واجبك ودورك الذي يجب أن تقوم به قدر المستطاع».
النقد البناء بين الزوجين أمر ضروري ومطلوب
طريق الزواج الفاشل
الدكتورة وفاء شلبي، المعالجة النفسية المتخصصة في المشاكل الأسرية والزوجية، ترى أن بعض الأزواج يرون أن زلات اللسان ما هي إلا نقد واجب بين حين وآخر حتى يغير الطرف الآخر من طباعه أو يتعايش مع شريكه بالشكل المناسب، ولكن في الحقيقة هذا خطأ فادح لأن النقد البناء يكون بلا تجريح أو إهانة، وزلات اللسان لا تعتبر نقداً مطلوباً ولكنها إهانات جارحة لا تصلح الأمور أبداً حتى وإن تغاضى عنها الطرف الآخر ولم يعاتب أو يغضب.
وتقول «الخلط بين الأمرين مرفوض تماماً، فالنقد البناء بين الزوجين أمر ضروري ومطلوب، ولكن عندما يصبح الانتقاد مستمراً وبشكل يغطي على المجاملات وعبارات الحب والألفة بين الزوجين فهذا معناه أن الزواج في طريقه إلى الفشل».
وتضيف «فالانتقاد وكثرته سبب في شعور كل طرف في العلاقة بأنه لا يحصل على التقدير الكافي ولا يمكن للطرف الآخر تفهمه أو احترامه مما يؤدي إلى ظهور مشاعر سلبية تعمل على فقدان قدرة الزوجين على إظهار التسامح بينهما، وينتج عنه فقدان الترابط في العلاقة وفشل الزواج، لذا لابد من الانتباه لكل كلمة انتقاد تصدر من الشريك لشريكه».