عاشت مدينة تورنتو في شهر سبتمبر المنصرم زخماً كبيراً من العروض والحفلات الساهرة لمناسبة مهرجان تورنتو السينمائي، مع نسبة كبيرة من النجوم والمشاهير تفوق تلك التي شاركت دورة العام الماضي، تلك تميّزت بضعف شمل نوعية الأفلام وحجم الحضور من بين نجوم ومخرجي الأفلام، ما لم يتغير هو حجم المشاهدين الذين ما زالوا يتابعون دورات هذا المهرجان منذ 49 سنة.
والجمهور كان هناك هذا العام أيضاً، مئات منه في صفوف طويلة في كل مرّة تم عرض فيلم من بطولة أنجلينا جولي وآمي أدامز أو (المغني) بروس سبرنيستين أو سيلينا غومز وكايت بلانشت.
بعض ما عُرض هنا لا ريب سيدخل مسابقات الأوسكار المقبل، وإن لم يفعل فلأن المنافسة ستكون على أشدها هذا العام بوجود عدد غفير من الأفلام التي تسعى لدخول تلك المسابقات، إن لم يكن سباق أفضل فيلم أو أفضل مخرج ففي عداد مسابقات التمثيل والكتابة والتأليف والتصوير والموسيقى، وهي جميعاً أساسية في هذا الركب.
على سبيل المثال، هناك فيلم المخرج البريطاني مايك لي الجديد «حقائق صعبة» (Hard Truths) الذي إن لم يدخل ترشيحات الأوسكار كأفضل فيلم، فإنه على نحو شبه مؤكد سيدفع ببطلته ماريان جين بابتيست إلى فئة الممثلات الرئيسيات.
فيلم «الوحشي» (The Brutalist) لبرادي كوربت يرفع ثلاثة أعلام، فهو إنتاج مجري- بريطاني- أمريكي ناطق بالإنكليزية، وهو يدور حول مهاجر مجري نقل خبرته في تصميم المباني إلى الولايات المتحدة وعانى من التعصب حيناً والانتقاد حيناً ثم انتهى وقد حاز على تقدير عال وإن لم يخل من جروح نفسية عميقة.
بطل هذا الفيلم هو الأمريكي أدريان برودي الذي قد يصل إلى ترشيحات الممثلين الرئيسيين لكن من غير المحتمل -حتى الآن- خروجه بجائزة.
في سياق سباق هذا العام نذكر دخول فيلمين بلباس فني شامل هما «أشياء مسكينة» لليوناني يورغوس لانتيموس و«تشريح سقوط» للفرنسية جوستين ترييه وخروجهما من دون أوسكار أفضل فيلم.
«الوحشي» الذي شوهد في مهرجان فينيسيا، وانتقل إلى تورنتو دعماً لدخوله معركة الأوسكار، يبدو أكثر أهلاً لتحقيق الفوز من الفيلمين المذكورين، لكن تأكيد ذلك سابق لأوانه من دون معاينة باقي الأفلام التي سيعلن عن دخولها رسمياً في مطلع الشهر الثاني من العام المقبل.
أيضاً من بين الأفلام التي تتجهز لاختراق المسافة الفاصلة بيننا اليوم وبين موعد الترشيحات فيلم الأسباني بدرو ألمادوفار «الغرفة التالية» (The Room Next Door) وهو أول فيلم طويل للمخرج المعروف ناطق بالإنكليزية، لا يمكن توقع سباقاً حافلاً من دونه.
والمخرج الإيطالي لوكا غوادانينو يَسن أسنانه طمعاً في دخول السباق الرئيسي.
فيلم روسي- مظاهرات أوكرانية
غوادانينو كان دخل ترشيحات الأوسكار سنة 2018 بـ«نادني باسمك» (Call me by Your Name) ولم ينجز ما ترقّبه، والغالب أنه إذا ما تسنى له دخول ترشيحات السنة المقبلة فإنه سيخرج كذلك من دون فوز باستثناء احتمال فوز الممثل دانيال كريغ في سباق أفضل تمثيل.
ما يبدو واضحاً بأن الرغبة في دخول الأوسكار من أعلى أبوابه، وهو أوسكار أفضل فيلم، حدا هذه المرّة بمخرجين أوروبيين عديدين تحقيق أفلامهم باللغة الإنكليزية ومن بينهم الثلاثة المذكورين هنا، كوربت وألمادوفار وغوادانينو.
علاوة على ما سبق، فإن بوادر السباق الخاص بالأفلام التسجيلية بدأ باكراً بدوره، لجانب الفيلم الذي حققه إيرول موريس تحت عنوان «منفصل» (Seperated)، هناك فيلم تسجيلي أثار ضجة كبيرة في تورنتو هو «روس في الحرب» (Russians At War) كونه يتحدث عن الحرب الأوكرانية من زاوية روسية..
عارضت مخرجته أناستاسيا تروفيموفا أن تكون إنحازت للجانب الروسي وحققت فيلماً دعائياً لطرف دون آخر، لكن ذلك لم يسعفها كثيراً إذ انطلقت مظاهرة من الأوكرانيين الذين يعيشون في كندا تطالب بمنع الفيلم، وقامت نائب رئيس الوزراء كريستيا فريلاند بشجبه (الفيلم) رغم إنه من غير المؤكد أنها شاهدته.
في البداية واجه مهرجان تورنتو الحملة على الفيلم الذي اختارته (بعدما كان مرّ بسلام في فينيسيا)، بالتأكيد على أنه سيقوم بعرض الفيلم في الأيام الثلاث الأخيرة من المهرجان كما هو مبرمج، لكنه لاحقاً ما أذعن للضغوط وحذفه من العروض على أساس «تهديدات» تلقاها قد تعرض المشاهدين للخطر.
إذا ما وصل «روس في الحرب» إلى مرحلة الأوسكار فسينقل معه هذا الخضم وربما على نحو أكبر حجماً كون الولايات المتحدة مندفعة حالياً في مواجهة تضم الإعلام والنشاطات المختلفة ضد كل ما هو روسي سواء نفت المخرجة ذلك أو لم تنفه.