03 أكتوبر 2024

"ديواني".. مبنى فريد من نوعه يتألق بجماليات الخط العربي

محررة في مجلة كل الأسرة

في قلب إمارة الشارقة، يتجلى مبنى «ديواني» كرمز فريد للإبداع والابتكار، معبراً عن فلسفة تمزج بين الأصالة والتجديد، متخطياً حدود العمارة التقليدية ليصبح أيقونة ثقافية تعكس الهوية الإماراتية برؤية معاصرة وآفاق جديدة من التصميم والتعبير الفني.

عُرف هشام المظلوم، مؤسس «ديواني»، بشغفه الدائم بالفن والثقافة وحبه للعمارة، التي جسَّدها من خلال منزله الذي تمكن من تحويله إلى تحفة فنية أظهر من خلاله قدرته على دمج الحروف العربية مع اتجاهات العمارة الحديثة، ليضيف بعداً آخرَ لمسيرته الفنية الثقافية الطويلة..

ويتألق هذا المنزل من خلال أعمال فنية لروائع الخط العربي مستوحاة من تياراته المختلفة، منها، خط النسخ، الرقعة، الديواني، الثلث، الكوفي، والمغربي من القديم، السنبلي، والحر الجمالي من الخطوط المعاصرة، اختارها بعناية مستنداً إلى ثلاثة معايير، تنوع الخطوط، وتمثيل الدول، وأهمية الأسماء المشاركة، ليكون أول مبنى في العالم يجمع ما بين العمارة المعاصرة والخط العربي الأصيل.

200 عمل فني وواجهة «المشربية» المميزة

يحتضن «ديواني» ما يقارب 200 عمل فني فريد يمزج بين الأصالة والتجديد، لأكثر من 85 فناناً من رواد الخط العربي القدماء والمعاصرين الذين يمثلون مدارس مختلفة منها العثمانية، العراقية، السورية، والإيرانية، على مختلف الأزمان، بدءاً من الواجهة المعروفة بـ«المشربية» في فن العمارة الإسلامية القديمة، المقتبسة من نص قرآني كريم..

وهي مكونة من 80 قطعة من الحجر بمقاس ارتفاع 3 أمتار وعرض 25 متراً طولياً بالخط الكوفي المربع التي منحته طابعاً مميزاً، إلى الستائر المنقوشة بالحروف العربية والمصممة بعناية فائقة، وخشب الأثاث المشغول والزجاج الذي زُيِّن بزخارف وخطوط تعكس توازناً بين الجمال الوظيفي والفني، إلى المنحوتات والأعمال الخطية واللوحات التي جعلت منه قطعة فنية متكاملة لا يمكن فصل مكوناتها عن بعضها بعضاً..

منها البسملة التي خُطَّت على الباب الرئيسي للمبنى من تصميم الفنان أحمد القرة حصاري، والمقبض الذي صُمم على غرار مقبض باب الكعبة، بالإضافة إلى بعض الأعمال الخطية القديمة والمعاصرة، منها عمل فني مصغر لكسوة الكعبة، ولوحة تحمل آيات من سورة هود تعود للقرن الثالث الهجري، مكتوبة على الجلد تمثل أصالة التاريخ الإسلامي، استخدم الخطاط في تنفيذها تقنيات قديمة بدقة عالية..

إضافة إلى عمل مميز للفنان السعودي محمد العجلان من القماش أشاد فيه بدور إمارة الشارقة كعاصمة للثقافة والفن في العالم العربي.

جداريات وفنانون في «ديواني»

«ديواني» ليس مجرد مبنى يعرض أعمالاً فنية، بل هو تجسيد حي للتوازن بين التراث والحداثة، حيث يمكن للفن أن يكون جزءاً من الحياة اليومية، يعكس تاريخ المجتمع وثقافته بأسلوب معاصر وجميل..

فقد ابتكر المظلوم فكرة الجداريات بتقنية الفسيفساء التي شكلت الجزء الأساسي من هوية المبنى وعكست إبداع الخط العربي بشكل جديد ومعاصر، مثل جدارية الفنان ضياء العزاوي التي زينت أحد الجدران، وجدارية للخطاط نجا المهداوي..

وأعمال لنخبة كبيرة من الفنانين المعاصرين، منها جدارية خالد الساعي عن فكرة بستان هشام بن عبد الملك، داود بكتاش، محمد أوزجاي، فاروق الحداد، غلام حسين، أمير خاني، كرم علي الشيرازي، أنس الشامي، وسام شوكت، الدكتور محمد بديع البوسوني، صلاح الدين شيرزاد، عصام عبد الفتاح، عبد القادر الريس..

والكثير من الأعمال الفنية الأخرى التي صُمِّمت خصيصاً بشكل يتناسب والحيز المخصص لها.

أصل تسمية «ديواني» ودلالاتها

عن اسم المبنى، يقول المظلوم: «الاسم يحمل عمقاً دلالياً وثقافياً يعطيه بعداً خاصاً، فلا يتوقف معنى كلمة «ديواني» عند الديوان أو المجلس الذي يجتمع فيه الناس، بل تعني المكان الذي يجد فيه الفرد الطمأنينة والجمال، كما أنها تعني ديوان الشعر، و«ديواني» أيضًا يمثل أحد أجمل أنواع الخط العربي، الذي يعكس فناً وتراثاً عريقاً».

إضاءات وجوائز عالمية

فكرة مزج مبنى «ديواني» ما بين فن الخط العربي وتصميم العمارة المعاصرة، جعله يحظى باعتراف دولي، ونيله ثلاث جوائز مرموقة، الجائزة الأولى، التي فاز بها بتصويت عالمي، كانت جائزة لوب للتصميم (Loop Design Awards) عن أفضل تصميم في فئة العمارة المعاصرة..

أما الجائزة الثانية، فقد كانت جائزة «رؤية أرجايز» (Vision Architizer) المرموقة في مجال التصوير المعماري بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث حصل المبنى على المركز الأول لأفضل تصوير فوتوغرافي لمبنى معاصر، والثالثة جائزة أفضل مبنى لعام 2024 من دائرة التخطيط والمساحة بحكومة الشارقة.

هشام المظلوم ورحلة الثقافة والفن

امتدت مسيرة هشام المظلوم في عالم الفن والثقافة لعقود من الزمن، حيث تميز بشغفه وإصراره على تطوير المشهد الثقافي في الإمارات، وبرز كأحد الأسماء اللامعة في مجال الفن والتصميم بالإمارات، حيث عرفته الساحة الفنية منذ أواخر السبعينيات كرائد في تصميم الملصقات..

وكان من أوائل المصممين الذين قدموا للبلاد فن الملصقات التي شكلت جزءاً أساسياً من المشهد البصري للإمارات، من خلال تصميمه لملصقات تحمل رسائل ثقافية وترويجية مختلفة، منها ما يرتبط بالفعاليات الثقافية والفنية في البلاد، وبصمته أيضاً على الطوابع البريدية..

بالإضافة إلى دوره المحوري في إطلاق العديد من المشاريع الثقافية والفنية الرائدة في الإمارة، من بينها بينالي الفنون، مهرجان الفنون الإسلامية، وملتقى الخط العربي.

* تصوير: السيد رمضان