على مدار أسبوع، من 6 حتى 12 أكتوبر الجاري، يحتفي مهرجان «الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب» في دورته الـ11 بأكثر من حدث، وأكثر من بُعد.
وكانت فعاليات النسخة الحادية عشرة من مهرجان «الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب»، الذي تنظمه مؤسسة «فن» - منصة الاكتشاف الإعلامي، قد افتتحت في أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية برعاية قرينة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، وبحضور الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، والشيخة جواهر بنت عبد الله القاسمي، مدير عام مؤسسة (فن) والمهرجان، وكوكبة من الفنانين، والمخرجين، والعاملين في القطاع السينمائي.
يتركز المهرجان على أبعاد عدة، بيد أن أهمها تجسيد البعد الثقافي العميق لإمارة الشارقة، ومشروعها الثقافي الذي أرسى دعائمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وفتح الآفاق أمام صنّاع الأفلام من مختلف أنحاء العالم لعرض إبداعاتهم السينمائية، وإثبات أن السينما هي لغة مشتركة توحّد الشعوب، وإقامة بين الثقافات، حيث يشهد المهرجان عرض 98 فيلماً، تمثل 18 دولة، تمّ اختيارها من بين 1834 فيلماً، من 73 دولة من بينها زيمبابوي.
وفي كلمتها، أكدت الشيخة جواهر بنت عبد الله القاسمي، مدير عام مؤسسة «فن» ومهرجان «الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب»، أن المهرجان يواصل مسيرته الهادفة إلى بناء جيل مبدع متمسك بهويته، وثقافته، وتراثه، وقيمه المجتمعية، ما يعكس رؤية إمارة الشارقة، وأهداف مشروعها الثقافي الكبير.
«مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب» تحوّل إلى نموذج متفرّد في المشهد الثقافي، والسينما هي نافذتنا على عوالم جديدة
وعبّرت عن اعتزازها باختيار فلسطين ضيف شرف المهرجان، وأضافت «لأول مرة تحلّ فلسطين ضيف شرف على المهرجان، تحضر بيننا بتاريخها، وبكل جماليّاتها، وروائعها، وثقافتها، وإنسانيّتها، وقضيّتها العادلة، وتطلّ علينا بهويّتها العريقة، وأصولها العربية، وأفلامها السينمائية التي كانت على الدوام شاهداً على المكان، والبشر بحكاياتهم، وتفاصيل حياتهم، لتترسخ في ذاكرتنا جميعاً، حيث نحتفي عبر المهرجان بإنجازات السينما الفلسطينية التي أثرت، على مدار عقود طويلة، ذاكرة السينما العربية والعالمية، بأعمال خالدة».
جابر نغموش مكرماً في المهرجان
أما البعد الآخر والأهّم للمهرجان، فهو الاحتفاء بفلسطين كضيف شرف، كما أكدت مدير عام «فن»، ما يجسّد التماس مع حضور القضية الفلسطينية، والتفاعل مع تنوع وعراقة وجماليات السينما الفلسطينية، وما تبرزه من صور، ومؤثرات، وحكايات حيّة.
ولطالما كانت السينما الفلسطينية شاهدة على تفاصيل الحياة اليومية للإنسان الفلسطيني، بصورها المختلفة، حيث سيتم عرض أفلام فلسطينية تروي حكايات الصمود، وتستكشف تعقيدات الحياة تحت الاحتلال، ما يتيح للجمهور نافذة استثنائية لفهم فلسطين من خلال الفن، وبالأخص أن لفلسطين حضورها اللافت في السينما العالمية، و نافست على جوائز مرموقة، بما فيها الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي.
في أجواء المهرجان، تتبدّى عناصر المشهد الفلسطيني عبر الكوفية التي يعتمرها عازف البيانو عند مدخل القاعة الكبيرة، في أكاديمية الشارقة للفنون الأدائية، وهو يقدم معزوفات موسيقية، ومقطوعات مؤثرة، وسط حضور لافت لعدد كبير من الفنانين الذين تمّ تكريمهم لإسهاماتهم في السينما العربية، ولمسيرتهم التي أثرت الذاكرة الفنية العربية، ومن بينهم الفنانة المصرية يسرا، والفنانة الكويتية هدى حسين، والفنان الإماراتي جابر نغموش.
نايا وإنانا القصاص من سفراء المهرجان
عنصر آخر طبع المشهد، وهو الزي الفلسطيني ورمزيته في التعبير عن الهوية، والتراث، والتاريخ، في ظلّ التحديات التي يواجهها الفلسطينيون لطمس هويتهم.
الشقيقتان نايا وإنانا القصاص، وهما من سفراء المهرجان، حضرتا بالزي الفلسطيني التقليدي. تبدي نايا حماستها للمشاركة «لكوني فلسطينية، فأنا أبدو أكثر حماسة في المشاركة في هذه الدورة من المهرجان. أنا سفيرة للمهرجان، وأتواصل مع الناس، وأكلّمهم عن فعاليات المهرجان، ومضامينه، وحتى أننا قصدنا المدارس لهذه الغاية، وهذا ما يشعرني بالفخر بأنني أتحدث عن جزء من هويتي».
أما شقيقتها إنانا فهي ترصد بعداً آخر للمشاركة، وهو تماسّها مع عدد من المخرجين والممثلين الفلسطينيين «فلسطين هي ضيف شرف هذه الدورة من المهرجان، والزي الذي نرتديه يتماهى مع هذا الحضور الفلسطيني، حيث نحاول الإضاءة على جزء من هويتنا الجماعية، ونقلها عبر جيلنا الحالي إلى الأجيال القادمة».
ومن بين الأفلام التي ستُعرض خلال المهرجان وتروي قصصا فلسطينية مؤثرة، نجد فيلم «الأستاذ» من إخراج فرح نابلسي، وهو فيلم يعكس تجليّات الصمود الفلسطيني من خلال سرديّات مؤثرة، وقصص تعكس روح النضال اليومي.
إضافة إلى ذلك، يعكس برنامج المهرجان التنوّع الغني للأفلام الفلسطينية، حيث سيتم عرض أفلام وثائقية وروائية تكشف عن حكايات مستمدة من واقع الشعب الفلسطيني، وهي حكايات تلامس وجدان الجمهور، وتثير لديه تأملات عميقة حول معاناة شعب يواصل النضال من أجل حقوقه المشروعة.
وفي إطار الاحتفاء بفلسطين كضيف شرف، تتيح منصة «السجادة الخضراء» للجمهور فرصة فريدة للتفاعل مع صنّاع الأفلام والمخرجين الفلسطينيين، حيث يمكن للحضور لقاء أصحاب الأفلام الفلسطينية، والتعرف عن قرب إلى تفاصيل حياتهم، ومساراتهم الفنية.
كما تستضيف «السجادة الخضراء» 4 أفلام مختلفة حصرية، وفي مقدمتها الفيلم الكويتي «عماكور»، من إخراج أحمد الخضري، وبطولة خالد أمين، سماح، حسين الشيرازي، والفيلم الإيطالي «المدربون» للمخرج أندريا جوبلين، وفيلم المغامرات «ديبلودوكس» للمخرج فويتيك واوززيك، وهو من إنتاج سلوفاكيا، والتشيك، وبولندا.
إلى جانب عروض الأفلام، يمثل سوق الأفلام في مهرجان الشارقة السينمائي مساحة تفاعلية للموهوبين الشباب، والطلاب، لعرض مشاريعهم وأفكارهم أمام خبراء الصناعة السينمائية، والتفاعل معهم من خلال سلسلة من الجلسات النقاشية التي تتناول تأثيرات السينما في الصناعة والمجتمع.
ومن أبرز هذه الجلسات التي تركز على فلسطين، جلسة «أصحاب التغيير والتأثير: مستقبل السرديّة الفلسطينية»، حيث سيناقش المخرج عمر رمال والمدونة هيفاء بسيسو مستقبل السينما الفلسطينية، وكيف يمكن لها أن تسهم في نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم، ما يسهم في تعزيز الوعي الدولي حول القضية الفلسطينية.
وتمكّن المهرجان هذا العام من استقطاب مجموعة متنوعة من الأفلام التي جاءت من سلطنة عمان، ومصر، وفرنسا، وإيران، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وفلسطين، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، وألمانيا، والتي مثلت جميعها قائمة الدول الأعلى مشاركة في نسخة المهرجان الـحادية عشرة.
وكان ضيوف المهرجان قد تابعوا خلال الحفل مشاهد الدراما الوثائقية «خبرهن عاللي صاير» التي تسلّط الضوء على منظور البيت الذي يمثل حاضنة دافئة للعائلات، من خلال الأصوات التي تتردّد في فضائه، ويطلّ من بينها صوت الطفلة «حبيبة»، ابنة غزة، التي تمثل رمزية للصمود والتمسّك بالأرض.
وفي هذا الإطار، أكّد مخرج العمل عمر وليد، في كلمته، أن توثيق ما يحدث على أرض الواقع يمثل أحد أهم أدوار الفن والسينما «عام كامل أثّر فينا جميعاً كشعوب عربية، لم تَعد الحياة كما كانت من قبل، ونحن هنا لاستخدام قوتنا الناعمة وإيصال صوتنا إلى العالم».
* تصوير: محمد الطاهر