14 يوليو 2022

إنعام كجه جي تكتب: ثورة ضد حمّام النساء!

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: ثورة ضد حمّام النساء!

كانت صديقتي تذهب إلى صالون التجميل وكأنها ذاهبة إلى عيادة نفسية. إن حلاقها هو طبيبها المعالج.

تجلس بين يدي الكوافير ممدوح وتنطلق في الكلام. تحكي عن مشكلاتها مع الشغالة، وعن شكوكها بأن لزوجها علاقات خارج البيت، وعن بنتها التي بلغت العشرين ولم يتقدم لها عريس.

تروي الزبونة لحلاقها كل ما يخطر على بالها من ثرثرات. لقد قصدته للفضفضة وليس لقص شعرها وصبغه وفرده وتمشيطه فحسب. إن جمال التسريحة مهم وأهم منه تطمين البال.

والكوافير ممدوح ليس رجلاً أخرس. إنه يبادل زبوناته الكلام ولا يتوقف عن إبداء التعاطف وتقديم النصائح. إنه يحفظ أسرارهن وأسماء شغالاتهن وأنواع عطورهن. وإذا استدعى الأمر فإن لسانه أمضى من مقصّ الحلاقة. فهو خبير في إسماع الزبونة ما تود سماعه. وبهذا فإنه أقرب إليها من الصديقات الغيورات اللواتي لا يكتمن سراً.

وصديقتي ليست فريدة من نوعها، وممدوح ليس الحلاق الثرثار الوحيد في المدينة. إن معظم كوافيرية العالم هم من هذا النمط.

يقفون طوال ساعات النهار على ساقين مرهقتين ويتسلون بالكلام. والزبونة لا تريد صنماً بل أذناً صاغية. لذلك كان من الغريب أن تظهر في أستراليا بدعة «الصالونات الصامتة»، وهي ظاهرة بدأت تتسرب إلى الولايات المتحدة وأوروبا، ولعلها تصلنا قريباً.

ما هو الصالون الصامت؟

إنه المكان الذين تسرحين فيه شعرك بدون أن يتطفل عليك الحلاق بالأسئلة. ويمكنك خلال ذلك أن تطالعي مجلة أو تنشغلي بهاتفك أو أن تغمضي عينيك وتنتهزي ساعة من الهدوء الجميل.
تدخل الزبونة إلى المكان وتلبسها العاملة الروب الذي يقي ثيابها من الأصباغ ونتف الشعر ثم تسألها «هل تودين يا سيدتي الحفاظ على الصمت؟».

تذهب كثيرات إلى مراكز التجميل والتدليك باعتبارها أماكن للاسترخاء وطرد الضغوط العصبية. ونقرأ في الطبعة الأسترالية من صحيفة «الجارديان» أن عموم الزبونات يفضلن الحلاق الذي لا يفتح فمه بكلمة زائدة. إنهن، ببساطة، لا يملن إلى الجدل ولا إلى تبادل الرأي في تقلبات الطقس أو المرشحين المتنافسين في الانتخابات. ما السبب؟

لم يعد صحيحاً أن حواء ثرثارة بطبعها. فالمرأة المعاصرة، مثلها مثل أي مواطن، تعيش وسط حصار من الأخبار والإذاعات وقنوات التلفزيون ومكبرات الصوت في الشوارع وصراخ الباعة الجائلين وضجة الأطفال في البيت. بات الضجيج هو القاعدة والهدوء هو الاستثناء. كم مرة نسمع من تقول «إن رأسي سينفجر»!

ولكيلا تنفجر جمجمتها تهرع إلى صالونات الصمت، وتترك رأسها للماء الدافئ ولتدليك الأصابع المدربة. تهرب من معمعة الزعيق إلى واحة الراحة. وتخرج بشعر مصفف ومظهر رائق بدون نشرة الهموم المتبادلة مع الكوافير ممدوح وأمثاله. هي برأيي ثورة ضد «حمّام النسوان».

 

مقالات ذات صلة