كشفت دراسة جديدة قام بها الباحثون في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالتعاون مع قسم الصحة النفسية بجامعة سوهاج، عن أن السيدات أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والتوتر من الرجال، خاصة بين المتزوجين نتيجة التعرض لعدة ضغوط وعوامل ترفع نسبة تعرض المرأة للمشاكل النفسية.
وقالت الدراسة إن الخلافات والمشاكل الزوجية تأتى على رأس العوامل التي تسبب القلق والتوتر لدى النساء، ويليها الضغوط اليومية المتراكمة فوق كاهل المرأة نتيجة رعاية الأبناء والعناية بالمنزل، ثم يلي ذلك الاضطهاد الذي قد تواجهه المرأة في مجال العمل، وكذلك التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها النساء قرابة وصولها لسن اليأس.
نتائج هذه الدراسة تتوافق كثيراً مع العديد من الأبحاث النفسية التي تشير إلى أن المرأة عادة ما تكون أكثر عرضة لحالات الانهيار العصبي والاكتئاب خاصة إذا ما كانت تعمل إلى جانب مهامها المنزلية، وهذا يرجع إلى طبيعة الاختلاف بين المرأة والرجل، فتقلبات الهرمونات هي التي تتسبب بزيادة الشعور بالاكتئاب لدى الإنسان وهذه التقلبات تحدث لدى النساء بشكل أكبر.
طرحت «كل الأسرة» نتائج هذه الدراسة على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الزوجية وسألتهم: ما هي الأسباب التي تجعل النساء أكثر عرضة للتوتر والقلق؟ وكيف يمكن للزوجة تجاوز المشكلات النفسية التي تهاجمها من جراء الضغوط الحياتية المتراكمة؟ وهل الخلافات الزوجية لها دور في التأثير على مدى إصابة الزوجة بالأمراض النفسية:
المرأة.. تركيبة نفسية فريدة
في البداية، يؤكد الدكتور أحمد البحيري، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك بالقاهرة، أن المرأة بالفعل أكثر عرضة للأمراض النفسية بسبب تركيبتها البيولوجية والضغوط الاجتماعية والنفسية التي تتعرض لها ، ما يجعلها مؤهلة أكثر من الرجل للإصابة بالاكتئاب والقلق النفسي، وهذه نتيجة طبيعية ومتوقعة نتيجة حجم الأعباء الملقاة على كاهل المرأة مثل تربية الأبناء والعمل ومسؤوليات المنزل.
ويرى د. البحيري أن مشاعر القلق والتوتر والضغط النفسي قد تظهر لدى المرأة في أشكال مختلفة من رد الفعل، مثل:
ولكن في كل الأحوال تندرج الأسباب في:
ويقول د. البحيري «هذه الضغوط اليومية والحياتية تخلف من ورائها ضغوطاً نفسية تدفع المرأة ليس فقط للإجهاد البدني والتعب الجسماني ولكن النفسي أيضا بدءاً من تقلب المزاج والأرق ووصولاً حتى الاكتئاب والتوتر الشديدين. لذلك كثيراً ما أطالب الأزواج بمراعاة الأعباء النفسية الملقاة على عاتق الزوجة خاصة في أوقات الحمل والولادة والرضاعة وكذلك عند اقترابها من سن اليأس وتغير هرموناتها لأن كل هذه الفترات تكون المرأة فيها مصابة باضطرابات هرمونية شديدة ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الزوج لا يقدر أو لا يبالي».
أسباب التوتر وأعراضه عند المرأة
وتتفق معه الدكتورة ميسون الفيومي، أستاذة العلوم السلوكية وخبيرة العلاقات الأسرية في مصر، في أن أسباب التوتر لدى النساء كثيرة خاصة عندما تكون تتعرض لضغوط شديدة ما بين البيت والعمل وتربية الأبناء، وترى أن هناك العديد من أعراض التوتر والقلق وكل امرأة تتفاعل مع التوتر بطريقة مختلفة ومنها أعراض قد تبدو أنها نفسية أو عاطفية مثل القلق والغضب والتعاسة والاكتئاب والتفكير السلبي وقلة التركيز وتقلب المزاج والإحباط.
وتوضح «قد يتطور الأمر ليصبح التوتر لدى بعض النساء ملازماً لهن وأسلوب حياة ويسبب لهن مشاكل أخرى جسدية مثل الصداع والنوم بصعوبة والتعب والألم في الظهر والرقبة وإصابتهم بأمراض نقص الطاقة واضطرابات المعدة والنسيان والقلق والمشاكل القلبية والوسواس القهري».
وتشير أستاذة العلوم السلوكية إلى أن كثرة المسؤوليات والأعباء تنفد بالصبر وتجلب التوتر والنكد، لذلك يجب على الزوج ألا يترك زوجته تواجه هذه الأعباء منفردة فمثلاً مهمة تربية الأبناء هي مسؤولية مشتركة بين الطرفين والأبناء في سن معينة بحاجة إلى وجود الأب ومتابعته والقيام بواجباته دون الاعتماد على المرأة فقط.
وتلفت إلى أن مهمات الحياة ومتطلباتها كثيرة لا تستطيع الزوجة أن تقوم بها منفردة؛ إذ إن ذلك سيكون له الكثير من الآثار النفسية السيئة فالتشاركية والتعاون مطلوب؛ بل هو واجب.
وترفض الدكتورة ميسون الفيومي سلوك بعض الأزواج الذين يتركون المرأة فريسة للهموم والمسؤوليات ويتخلون هم عن مهماتهم الأسرية ويلقون على عاتق الزوجة معظم المهمات الأسرية، «دائماً ما أدعو الأزواج إلى استشعار أهمية المسؤولية وثقلها على كاهل المرأة والحاجة إلى التعاون المشترك، وربما يكون على المرأة أيضاً توضيح المهام التي تقوم بها وما يجعلها تتوتر ويضغط على أعصابها ليفيق الزوج ويشاركها هذه المسؤوليات ويخفف العبء الشديد الواقع عليها».
تقدم العمر.. الكابوس المخيف للمرأة
أما الدكتور حاتم محمد حسن، استشاري النساء والتوليد بالقصر العيني، فيرى هو الآخر أن سن اليأس يعتبر من أكثر الفترات التي تكون فيها المرأة معرضة للاكتئاب والتوتر، وهذا الأمر يهاجمها ربما قبل هذه المرحلة بسنوات لأن هذه الفترة تحدث فيها مجموعة واسعة من التغيرات الهرمونية والتي تؤدي إلى هذا الانقطاع، وخلال هذه الفترة تكون المرأة معرضة جداً للاكتئاب.
لكنه يرى أن تأثير هذه المرحلة يختلف باختلاف الحالة النفسية للمرأة، وهل هي تعاني مشكلات في علاقتها الزوجية أو تعاني إجهاداً في العمل والمنزل أم لا، وهل سبق لها أن عانت اكتئاباً ما بعد الولادة أم لا.
وينصح الدكتور حاتم حسن السيدات في هذه المرحلة بالتخفيف من أسباب التوتر لديهن من خلال:
ويطالب الدكتور حاتم حسن الأبناء والزوج في هذا التوقيت بالتعامل مع الزوجة والأم بقدر كبير من الحب والمرونة وعدم إشعارها بالعجز أو التقدم في السن وكذلك محاولة تخفيف المسؤوليات عنها لتستريح قليلاً.
لا تستسلمي لهواجسك وتمسكي بأنوثتك
والكلام نفسه تؤيده وتطالب به الدكتورة ايمان الريس، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، التي تؤكد أن أكثر الضغوط النفسية التي تتعرض لها المرأة تكون من قبل الأسرة ممثلة في الزوج والأبناء، فهم لا يتحملون مسؤولياتها في العمل ولا يتفهمون ظروفها الصحية ويتعاملون مع كل ما تقدمه لهم على أنه حق مكتسب وواجب عليها.
وتضيف «المرأة في كل الأحوال على اختلاف طبيعتها تحتاج إلى الامتنان والتقدير وعندما لا تجده من أقرب الناس لها تصاب بالحزن والضيق وتصبح فريسة سهلة للأمراض النفسية وأهمها التوتر والاكتئاب».
وتشير الاستشارية الأسرية إلى أن مفاتيح التعامل مع المرأة سهلة وبسيطة، لكن للأسف بعض الرجال لا يتعاملون مع المرأة بالأسلوب الأمثل لمساعدتها على تجاوز الاكتئاب نظراً لاختلاف الطبيعة النفسية للمرأة عن الرجل. ويعود ذلك لأسباب بيولوجية مثل اختلاف الهرمونات والجينات بين الجنسين.
وفي المقابل تطالب د. إيمان الريس السيدات بتعلم مواجهة الأفكار السلبية التي تواجههن وكذلك اليأس؛ إذ يمكن أن تكون مشاعر بعض النساء في فترات كثيرة من الحياة هي الإحساس بعدم القيمة وكراهية الذات بسبب تصرفات المحيطين بهن وعدم حصولهن على الدعم الكافي الذي يخفف عنهن الضغط النفسي والجسدي، والأفضل للمرأة في هذه الحالة أن تطلب الدعم النفسي والمساندة من زوجها ومن أسرتها حتى تتمكن من تجاوز الأزمة بشكل صحيح.
وترى د. إيمان الريس، أنه ليس بالضرورة أن تمر أغلب النساء بمرحلة اكتئاب سن اليأس، فهناك نساء كثيرات متزنات نفسياً وحياتهن الأسرية مستقرة ولديهن قناعة ورضا بما حققنه في حياتهن الزوجية، لأن هذا السن في الحقيقة هو سن اكتمال النضج والحكمة والاتزان النفسي. لكن هذا لن يحدث إلا في ظل زوج صبور وذكي يجدد مع زوجته من آن لآخر نشاط الحياة الزوجية ويتوقف عن إهمال الطرف الآخر.