زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة
11 أكتوبر 2022

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة

فريق كل الأسرة

فريق كل الأسرة

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم» على غلاف مجلة كل الأسرة
زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم» على غلاف مجلة كل الأسرة

عاشت مناضلة في كل محطات حياتها، ولم تزل تخوض ميدان البطولة من بابها الواسع، بطولة أم دعمت ابنتيها من أصحاب الهمم ، وهي أيضاً أم لأحد عشر ابناً وابنة ، وقادتهما لتكونا بطلتين ضمن فريق الأولمبياد الخاص لمنتخب الإمارات، وبطولة أشمل رسمت ملامحها في دعم فئة أصحاب الهمم والتطوع في الأنشطة والفعاليات الرياضية الخاصة بهم على مستوى الدولة والعالم، داعية إلى عدم إنكار أبنائنا من أصحاب الهمم لأن «من حقهم أن يحيوا على هذه الأرض ويستمتعوا بلحظات حياتهم».

تطّل زعفرانة خميس في حوار مع سلام ناصرالدين لتخبرنا عن ثمار نضالها ودعمها لأصحاب الهمم:

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة
رئيس الدولة يكرم زعفرانة خميس بجائزة أبوظبي 2019 في مجال رعاية أصحاب الهمم

لم تكن طفولة زعفرانة أحمد خميس سهلة، حيث واجهت التحديات وعايشت تفاصيل الماضي بكل ظروفه وجمالياته. لم تحظ بالتعليم، ولكنها لم تقف عند هذا الحد بل التحقت بالحلقات الدينية وتعلمت أساسيات الكتابة، تحكي «عشت طفولتي في زمن كانت تتصف الحياة ببساطتها ، فلا سيارات ولا هواتف ولم تكن الكهرباء متوفرة على نطاق واسع. كنا 6 أخوات نساعد والدتنا بأعمال المنزل ونحضر الطعام من المكونات المتوافرة في البيئة حولنا ونعدّ الخبز ونحضر اللبن من حليب الأبقار والأغنام التي نربيها. يمكنني أن أصف حياتي في تلك الفترة بالسعيدة وسط ناس يحبون بعضهم وتجمعهم وحدة الحال، قلوبهم طيبة وأخلاقهم عالية ونواياهم حسنة. لم أحظَ بالتعليم إذ لم تكن المدارس والجامعات متوافرة، ولكني لم أبق مكتوفة اليدين وحاولت مواكبة العصر والتحقت بالتعليم الديني عام 2000 وتعلمت بعض الأساسيات في الكتابة».

تعدّ مؤسسة زايد لأصحاب الهمم المكان الأمثل لتغيير حياة أصحاب الهمم وتحويلها لحياة منتجة، مع مدربين متخصصين لتعليم القراءة والكتابة والأعمال اليدوية وصناعة المجوهرات

كانت الحياة «مدرستها الأوسع» كما تصفها ولقبت بـ«أم أصحاب الهمم» لكونها واكبت هذه الفئة وبدأت رحلتها معها من نادي أبوظبي لأصحاب الهمم التابع لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم على مدى أكثر من 15 عاماً، تقول «الحياة أعطتني الكثير من خبراتها، إذ نهلت منها الكثير وعلمتني مواجهة الصعاب والتحديات الكبيرة. أغبط نفسي أنني عاصرت كافة التطورات التي شهدتها دولتي الغالية، منذ التأسيس، وذلك بفضل الجهود الجبارة لحكامنا منذ عهد والدنا الشيخ زايد رحمه الله حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله».

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة

بدأت زعفرانة رحلتها للتطوع في مرحلة مبكرة حين شُخصت حالة اثنتين من بناتها على أنهما من أصحاب الهمم، تصف لنا هذه المرحلة «فتحت مؤسسة زايد لأصحاب الهمم لي باباً آخر لرحلة من العطاء تجسد الإنسانية وتروي عشقي لعمل الخير، لأكون إلى جانب أصحاب الهمم لتشجيعهم خلال البطولات والمنافسات المحلية والعالمية وحتى في حال غياب بنتيّ حمدة ومريم عن المنافسات، أحرص على التواجد معهم أثناء التدريب في النادي بشكل أسبوعي. وتعد المؤسسة المكان الأمثل لتغيير حياة أصحاب الهمم وتحويلها لحياة منتجة، مع مدربين متخصصين لتعليم القراءة والكتابة والأعمال اليدوية والخياطة وصناعة المجوهرات، يكتسبون خبرات وينتجون أعمالاً تحتاج لحرفية وصبر ودقة. لم تقتصر نشاطاتي في المؤسسة على أصحاب الهمم إذ كنت أشارك في زيارة المسنين والمرضى لنحيطهم بالحب والحنان».

تعلمت زعفرانة الكثير من حياتها مع أصحاب الهمم ، وتعرضت لمواقف إنسانية أعادت لها الثقة في المجتمع، تشرح «ثمة موقف حدث معي خلال فترة الاستعداد لبطولات الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص وجعلني أؤمن أن المجتمع لم يزل عامراً بالخير، إذ كان يتوجب علينا إجراء فحوص طبية لكافة المشاركات، لذا قصدنا المركز الطبي وتفاجأت أن إحدى الفتيات لا تمتلك بطاقة صحية وكان يتوجب تجهيز الوثائق بأقصى سرعة لإتمام التحاليل والفحوص، وما أثر في نفسي موقف الموظف الشاب الذي ساعدني وبذل ما في وسعه لتوفير البطاقة. وفعلاً، تم تجهيز كافة الوثائق بسرعة قياسية للفتاة لإجراء الفحوص اللازمة والمشاركة في البطولة».

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة

بفخر تسرد زعفرانة لنا إنجازات حمدة ومريم «أنا أمّ لسبع بنات وأربعة أولاد، استطعت التعايش مع إعاقة مريم وحمدة وحاولت المستحيل لإيجاد علاج لحالتهما ، حيث تم تشخيص حالة حمدة بإعاقة ذهنية، وولدت مريم بمتلازمة داون. لمست لديهما عشقاً لممارسة الرياضة، وحفزتهما ليكون لهما هدف يسعيان لتحقيقه، غيرت الرياضة حياتهما للأفضل، فهما تمارسان الجري والبولينغ، وبطلتان ضمن فريق الأولمبياد الخاص لمنتخب الإمارات، وحققتا المراكز الأولى في المحافل الرياضية».

وتضيف «بدأت في تعليمهما مع الفتيات الأخريات قواعد اللعب ومسك الكرة منذ 2022، وكنت ألعب معهما بشكل يومي على مدار ساعتين وشاركتا في العديد من البطولات المحلية مذاك. ابنتي حمدة لديها شخصية مميزة وتعشق سباق الجري، وتتسم بقدرة كبيرة على التحدي وبإرادة قوية، خضعت للتدريب لساعات طويلة وشاركت في العديد من المسابقات حيث تخصصت في سباقات 100 و200 متر ونالت 17 ميدالية ذهبية، إلى ميداليات فضية وبرونزية. ولمست أن ابنتي مريم تعشق رياضة البولينغ، ونجحت في تحقيق الفوز بخمس ذهبيات وثلاث فضيات، وثلاث برونزيات في عدّة بطولات بالدولة. ومنذ عام 2008 وهما تشاركان في بطولات إقليمية وعالمية العالمية في تونس، سوريا، أثينا، مصر، مسقط والكويت، كما شاركتا عام 2015 بالمنافسات التي أقيمت في أمريكا ، وأضحتا ملهمتين لأصحاب الهمم، ومثالاً يحتذى في الإرادة والتصميم».

وتضيف «خلال رحلتي معهم، وجدت أن بعض العائلات تنكر وجود أصحاب الهمم عن المجتمع، وهذا تصرف خطأ لأن من حقهم أن يحيوا على هذه الأرض ويستمتعوا بلحظات حياتهم كباقي الأفراد. لذا، أدعو أولياء الأمور لمراعاتهم وإحاطتهم بالحنان والحب، وتجنب ترك مسؤوليتهم للخدم للاهتمام بهم، إذ لمست لدى أفراد هذه الفئة فراسةً في اكتشاف من يكّن لهم مشاعر الحب، فهم يتعلقون به ويطيعونه دون تذمر».

أشكر القيادة الرشيدة على الدعم اللامحدود لفئة أصحاب الهمم وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في البطولات العالمية

وتشير زعفرانة إلى المشكلات التي قد يتعرض لها الأطفال أصحاب الهمم «الأطفال من أصحاب الهمم يعانون عدة مشكلات سلوكية وهي: إخفاق واضح في المرحلة التعليمية، الشعور بالفشل والإحباط والخجل، قصور في التركيز والتعلم والتذكر. لذا، هم يحتاجون إلى شخص مؤهل ليعين الأسرة، وذلك يكشف عن الحاجة لوجود آلية واضحة بطريقة تعامل تراعي ظروف أصحاب الهمم والحاجة إلى دمجهم في الحياة العامة لإبراز طاقاتهم وقدراتهم، والإسهام في تنمية مجتمعاتهم. وأشكر القيادة الرشيدة على الدعم اللامحدود لهذه الفئة، بدءاً من إطلاق مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم واستضافة الفعاليات والبطولات الرياضية، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في البطولات العالمية».

رئيس الدولة يكرم زعفرانة خميس بجائزة أبوظبي

استحقت بشرف لقب «أم أصحاب الهمم»، الذي يعتبر الأقرب إليها، تقول «أعتبر لقب «أم أصحاب الهمم» من أجمل الألقاب. أنا فخورة ومرفوعة الرأس لكوني استطعت منح هذه الفئة المهمة في المجتمع الحب وبادلوني إياه، ما جعلني بمنزلة أم لهم ومحل ثقة منهم ومن أولياء أمورهم».

وتكمل «تحتاج هذه الفئة إلى رعاية خاصة وهذه مسؤولية كبيرة. على الصعيد الشخصي، ألبي كافة احتياجات ابنتيّ وأتابع علاجهما وتوقيت أدويتهما. علمتهما منذ الصغر الاهتمام بنظافتهما الشخصية، والاعتناء بلباسهما، وطريقة الأكل وغيرها. بالطبع، واجهتني تحديات، ولجأت لمراكز طبية عديدة لتوفير العلاج لهما. وعلى الرغم من صعوبة وقساوة الرحلة، منحني الله الصبر والقلب العامر بالحب، لتبادلاني المشاعر ذاتها وتعلماني كيف أحب الحياة وأحب نفسي أكثر لأنهما يحتاجان إلي.

ابنتاي اليوم تستطيعان الاعتماد على نفسيهما في تدبير أمورهما، وأنا سعيدة بما استطعنا تحقيقه معاً، وفخورة بهما. وجود مريم وحمدة في حياتي فتح عيني على محبة كل من يعاني إعاقة ، وشعرت أن الله منحني القوة لأساعد هذه الشريحة وأشجعها وأدعمها. فمنذ اليوم الأول لدخول المؤسسة، أدركت أني لست الوحيدة في هذا العالم من يعاني أبناؤها المرض، ما زادني إصراراً على البقاء معهما والدوام معهما في المركز خلال اليوم، ومرافقتهما إلى النادي للتدريب، تعلق قلبي بهما ولا معنى للحياة بدونهما. أصحاب الهمم نعمة من الله لإدراك جمال الحياة والاستمتاع بكل لحظة حافلة بالبهجة معهم، هكذا أنظر لهم سواءً كانوا بنتيّ أم الفتيات الأخريات اللواتي بادلنني مشاعر الحب وأججن داخلي ينابيع الحنان، لا أشعر بالوقت برفقتهنّ وأتمنى أن أكمل حياتي معهن بكامل صحتي».

زعفرانة خميس «أم أصحاب الهمم»: لا تنكروا أبناءكم لأنهم يستحقون الحياة

كرّمت زعفرانة على جهودها التطوعية بجائزة أبو ظبي عام 2019، وهي لا تزال تتطوع في الأنشطة وتدعم اللاعبات المشاركات في البطولات والمنافسات بنفس الحماسة التي تدعم فيها ابنتيها حمدة ومريم، تعبر عن فخرها بهذا التكريم قائلةً «فرحتي بهذا التكريم ليست لها حدود. شعرت أنني أمتلك الدنيا بين يديّ، عندما تم تكريمي من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أحسست أنني أحلم. عندما أتذكر تلك اللحظة، تدركني دموع الفرح وتنساب من عيني، فاللحظة ما زالت تعيش في داخلي وأنا فخورة جداً بما قدمته لمجتمعي».

«القيام بأعمال الخير وتقديم العون للآخرين دون انتظار مقابل يولد لدى الشخص إحساساً بتواصله مع الآخرين، وهو يرى البسمة ترتسم على وجوههم ويشعر بأنه ساهم بشكل إيجابي في دعم مجتمعه، أحاول تقديم العون لأي شخص وفئة أصحاب الهمم تحتاج منا كل الحب والرعاية، تعاملي معهم ولّد داخلي رؤية جديدة للعالم حولي، وفجر داخلي ينابيع حب وحنان جعلتني أتعلق بهم».

في ختام اللقاء، وجهت زعفرانة رسالة شكر إلى سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، قالت فيها «أشكر سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، قدوتنا جميعاً، على دعمها للمرأة الإماراتية، وتشجيعها على نيل العلم وخوض غمار العمل، لتكون شريك الرجل في بناء الدولة ولنكمل النهج الذي رسمه والدنا المغفور له الشيخ زايد، لتصبح بنات زايد مثالاً يحتذى بالتحدي والإصرار والعمل الجاد من أجل بناء مستقبل مشرق لأجيال المستقبل. كما أشكر كل أم تناضل وتضحي من أجل أبنائها وأقول لها بوركت جهودك لأن وراء كل نجاح يحققه الأبناء أماً أعطت وناضلت وواجهت الصعاب بقوة».

*نشر الحوار كاملاً في مجلة كل الأسرة (العدد 1513) بتاريخ 11 أكتوبر 2022

*تصوير: محمد السماني

 

مقالات ذات صلة