8 مارس 2023

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

محررة في مجلة كل الأسرة

محررة في مجلة كل الأسرة

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

تنفذ رائحة الخبز إلى قلوبنا وتعيد لنا بعض طفولة ماضية. حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية تعيدنا إلى خبز الجدات بعد أن استأثرت الأفران الأوتوماتيكية الحديثة بدور الجدة والأم ولكنها لم تستطع أن تستلب من الخبز رائحته المزمنة في رؤوسنا.

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

تحتفي أيام الشارقة التراثية في منطقة المريجة في قلب الشارقة بالخبز ، أول الدفء والشبع الإنساني، وأهم ابتكارات الإنسان في معاودة اكتشافه للطبيعة. قالوا لو خُيّرَ الإنسان أن يكون وحيداً على الأرض إلا من أمرٍ واحدٍ مع الماء، فأجمعت الإنسانية بأكملها على أن هذا الشيء سيكون الخبز.

هذه المعجزة العميقة والبسيطة في آنٍ معاً، في انتقال سلاسل القمح الذهبية إلى انتثارها دقيقاً، حيثُ تعيد النار تشكيلها ألواناً وأصنافاً متنوعةَ المذاقات والأشكال رغم توحد المصدر والمكونات.

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

على هذا الإيقاع المنساب في التاريخ الإنساني، تفتح حارة الخبازين أبوابها حتى 21 مارس ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، وتضم بين زواياها العديد من أنواع الخبز ومن دول مختلفة من بينها الإمارات، البحرين، مصر، لبنان، العراق، اليمن، الهند ، باكستان، إيران، المغرب، وهو تجمع يؤشر إلى ارتباط وجود الخبز بالثقافات والتطور الحضاري والإنساني.

فالفراعنة أعدوه على أشعة الشمس ليختمر ويكتسب لونه الذهبي، ومازال "العيش الشمسي" يُخبز في صعيد مصر على أشعة الشمس والتنور على هدي الأجداد، والفرنسيون تفننوا في إنتاجه وقد ارتبط بتعدد وطبيعة المزاج الفرنسي، حتى فاقت أنواعه المئة نوع، والصينيون اعتبروه أساساً لغذائهم الصحي وهم يعدونه على البخار، كالأرز، ومعظم الوجبات الصينية، ومازال خبز "المانتو" حاضراً إلى اليوم في الثقافة الصينية.. وفي أوروبا القديمة ارتبط الخبز بكثير من المعتقدات الشعبية والتراثية التي نحت إلى تقديسه، فكان من يرمي الخبز يعدُ متعدياً على القداسة، ومن يضعه مقلوباً على ظهره، مستهيناً به سيواجه الشقاء، حتى أنّ خبازي أوروبا كانوا يفصلون خبز الناس العاديين عن خبز الجلادين ومنفّذي الأحكام، لاعتقادهم بارتباطه بالمصائر.

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

تعيدنا حارة الخبازين إلى التماس مع تاريخ الخبز ووجوده الحتمي في يوميات حياتنا ليس كغذاء فقط ، بل كمنظومة حياة تؤطر لتاريخ البشرية .

تقول نادية الماجد، مسؤولة حارة الخبازين، ان الفكرة تأتت جراء عملها في مجال تنظيم الفعاليات وإعداد برامج "تركزت الفكرة على استقطاب نكهات الخبز المتعددة للدول ، وبالأخص أنّ ثمة أنواعا كثيرة من الخبز العربي التي تتشابه في بعض المكونات ولكنها تختلف في النكهة والطعم وحتى الحشو".

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

تتوزع الحارة على مخابز عدة: تخبز إحداهن خبز الجباب الاماراتي وتعّد أخرى خبز الخمير اليمني وتتفنن أخرى بالعجينة للحصول على خبز العروق العراقي.

يحضر أيضا الخنفروش (حلويات خليجية تقليدية) والرقاق الإماراتي واللقيمات والكباب البحريني والفطير المشلتت المصري والمناقيش اللبنانية بإضافات متنوعة من الجبن، الزعتر، النوتيلا ومزيج الجبن مع "شيبس عمان" إلى المسمن المغربي الذي تقتصر مكوناته على الدقيق والماء والملح والخميرة دون إضافة اي سمن ولكن ما يميزه هو الخلطات التي تتم إضافتها منها الدجاج ،البيض ، الدقوس ، الجبن والعسل وغيره .

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

خبز الباراتا الباكستاني المحشو بخليط البطاطس ، الجبنة أو النوتيلا إلى أنواع عدّة من الخبز الإيراني منها الخمير وهو شبيه بخبز التنور والفلزي ، وهو خبز محلي يتّم إعداده على "التاوة" ويمكن إضافة بعض المكونات عليه مثل "المشاوة"أو "المهياوة" (صلصة السمك) إلى أكلات شعبية كالآش والتفتون وغيره.

البوري الهندي حضر بقوة وهو يتم إعداده بالقلي، في حين أن خبز "جباتي" يعّد بالطاوة إلى جانب الدوسة (عدس أبيض وأرز أبيض يتّم طحنه مع ملح وماء وطبخه).

حارة الخبازين في أيام الشارقة التراثية .. رائحة الطفولة وأنفاس الطيبين

تعيد حارة الخبازين الحياة إلى التراث الذي لم يندثر ولكن التطورات المتسارعة أغفلت بعض ملامحه الجميلة.

تشرح أم عبدالله طريقة عمل خبز مكثف التقليدية في الإمارات "كنا نعجن الطحين بماء التمر بعد أن "نمرس التمر" ونصفيه ونعجنه، وهذه الطريقة "مال أول" وهي معروفة ويحبذها كل الأفراد ، في حين أن اليوم قد نصنع المكثف من الدقيق والسكر والحليب مع رشة ملح والقليل من البكينغ باودر".

تتماهى الأرجوحة المنصوبة عند باب الحارة بأهازيج الطفولة كما مع الطراز المعماري للحارة التي تستعيد ملامح حارة أيام زمان بناسها وروائحها.

*تصوير: السيد رمضان

 

مقالات ذات صلة