الثقة بين الآباء والأبناء من أصعب الأشياء التي لا يستطيع كل الأهل أن يصلوا إليها ولكنها أهم شيء قد نفعله لحماية أولادنا خاصة «البنات».
فهناك أمهات يشكين من فشلهن في التعامل مع بناتهن وأن العلاقة بينهن أخذت تتدهور حتى تحولت إلى حرب وصراع لا ينتهي، وكأن الأم الصديقة قد ذهبت مع الريح ولم تعد اليوم كما كانت في الماضي خزينة أسرار ابنتها إلا في حالات قليلة!!
طرحت «كل الأسرة» العديد من التساؤلات حول العلاقة بين الأم وبناتها على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الأسرية والتربية وتعديل السلوك وسألتهم: كيف تصبح الأم وابنتها صديقتين وحليفتين؟
وكيف تستعيد الأم الحب المفقود والثقة لدى ابنتها المراهقة؟ وكيف تتعامل الأم مع تقلبات فترة المراهقة لدى ابنتها؟ وكيف تخرج الأم وابنتها من هذه المرحلة بلا خسائر نفسية على كلتيهما؟
نجاح العلاقة بين الأم وابنتها يعتمد بالأساس على الأم لأنها الأكبر والأكثر نضجا
في البداية توضح الدكتورة ياسمين المهدي، استشاري التربية الإيجابية وتعديل السلوك بالقاهرة، أن العلاقة بين الأم وابنتها علاقة معقدة ومكرسة في نفس الوقت، فعندما تنجب الأم فتاة إلى هذه الحياة تشعر وكأن الحياة أعطتها الفرصة لترى نسخة أخرى منها لكن الرعاية المفرطة والمحبة الزائدة في البداية تولد بذور علاقة معقدة في المستقبل عندما تبدأ البنت في تكوين شخصيتها وهويتها التي قد تكون في كثير من الأحيان لا تتشابه مع الأم وهنا تبدأ الخلافات.
وتقول «هذا لا يعني أن العلاقة بين الأم وابنتها تكون في كل الأحوال صعبة وتحتاج إلى إعادة ترتيب، فكثير من الأمهات والبنات بينهن علاقة طبيعية جداً من الصداقة والحب والأمور تسير بينهن على ما يرام بلا حواجز وخلافات، فالفتاة تثق في أمها وتعرف أنها حليفها الأول في الحياة والأم ترى ابنتها السند والدعم وكلتاهما على وعي بمقدار المحبة التي تكنها الواحدة للأخرى خاصة عندما تكون الأم مثقفة وواعية وتدرك المشاكل التي قد تطال علاقتها بابنتها وتتجنبها وتحرص على صداقة ابنتها منذ نعومة أظفارها. وهذا لا يعني أن العلاقة بينهما تسير دائما وردية فليست هناك علاقة تخلو من الخلافات لكنها تكون بسيطة وغير مؤثرة على العلاقة بينهما».
وتشدد استشارية التربية الإيجابية على أن نجاح العلاقة بين الأم وابنتها واستقرارها يعتمد بالأساس على الأم لأنها الأكبر والأكثر نضجا وبيدها الكثير من الأمور والقرارات، لذلك يجب أن تكون البداية من قبل الأم في الحرص على علاقة صحية ببناتها وإلا ستكون هي السبب في الفجوة التي تحدث بينهما مستقبلاً وسيدفع كليهما الثمن.
وترى د. ياسمين المهدي «أكبر خطأ قد تقع فيه الأم في بداية علاقتها بابنتها أن تنشغل عنها بأمورها الخاصة وعملها وحياتها الاجتماعية وتهمل الاهتمام بشؤون صغيرتها أو تعتبرها أموراً بسيطة لا داعي لتناولها. كما أن شخصية الأم أحياناً تكون أنانية فتركز على احتياجاتها فقط وتنسى احتياجات أبنائها. وفي بعض الأحيان يكون ذلك ناتج عن تربية الأم نفسها عندما تتعرض للقسوة والصرامة في الصغر وتكون علاقتها بأمها غير سوية فلا تدرك كيفية التعامل السليم مع ابنتها».
وتحذر د. المهدي الأمهات من تجاهل أو عدم الانتباه للتغيرات الفسيولوجية والنفسية التي قد تطرأ على البنات في فترات المراهقة والتعامل معهن على أنهن ما زلن أطفالاً فتفتقد البنت أمها ولا تشعر بالدعم والأمان في فترة حرجة من حياتها فتتسع الفجوة بينهما.
أنصح الأمهات بضرورة التثقيف الجنسي لبناتهن قبل سن البلوغ حتى تدرك البنت التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تمر بها
وتتفق معها الدكتورة هالة حماد، استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين والعلاقات الأسرية، في أن الصداقة هي المفتاح السحري للأم وابنتها في تجاوز مشكلات وتحديات فترة المراهقة، وتبين «تعتبر فترة المراهقة من أخطر المراحل التي تمر بها الفتيات حيث تتعرض للكثير من التغيرات الفسيولوجية والنفسية لذلك كثيراً ما أنصح الأمهات بضرورة التثقيف الجنسي لبناتهن قبل سن البلوغ حتى تدرك البنت التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي تمر بها و تتيقن أنها تغيرات طبيعية تحدث لكل البنات في سنها مع توضيح المشكلات التي من المتوقع أن تواجهها وتحذيرها من الإنصات إلى زميلاتها وتعويدها على اللجوء دائماً إلى أمها لتلقي المعلومة الصحيحة».
وتشير الدكتورة هالة حماد إلى أن الفتاة في هذه المرحلة تشعر بالخجل والاهتزاز في ثقتها بنفسها وترغب في إرضاء ذوق صديقاتها لذا يجب على الأسرة ضرورة وضع قواعد تسير عليها الفتاة بالاتفاق من غير فرض أو توضيح أن لكل أسرة عاداتها وتقاليدها التي يجب الالتزام بها.
وتحذر استشاري الطب النفسي من وضع القوانين التي تأسس عليها الأب والأم وإجبار الفتاة على تنفيذها لأن كل جيل يختلف عن غيره وبالتالي يصعب على المراهقين تنفيذها، والأهم هنا هو مصادقة الأهل للفتاة خاصة الأم والأب، وأن يكون أساس العلاقة بينهم هو الاحترام والحب والصدق والهدوء في المعاملة والحكمة في مواجهة المشكلات.
يجب أن تحرص الأم على التواصل الدائم مع ابنتها وأن تتحدث معها عن يومها وعن صديقاتها
أما الدكتور محمد الششتاوي، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان والاكتئاب والقلق لدى الشباب والمراهقين، فيرى أننا نعيش في عصر مغريات العزلة والتشتت الأسري أحياناً لذلك فالأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد والصبر من قبل الأم وتسعى جاهدة أن تكون هي الصديقة الأهم والأقرب إلى قلب ابنتها خاصة في المراحل الأولى من حياتها وحتى يتجاوزان معاً فترة المراهقة بلا خسائر فهذا يضمن لهما أن تظل علاقتهما راسخة للأبد.
ويوضح الششتاوي «يحتاج الأمر إلى صبر ومرونة وحكمة بالغة لذلك على الأم التروي وإعداد نفسها جيداً لتحقيق هدفها بتكوين صداقة مع ابنتها بالتثقيف والمعرفة واستشارة المختصين حتى تضع يدها على مفاتيح التعامل مع ابنتها المراهقة. والأهم هنا أن تحرص الأم على التواصل الدائم مع ابنتها وأن تتحدث معها عن يومها وعن صديقاتها وأن تبدأ هي برواية كل ما حدث لها في اليوم حتى تتعود ابنتها هي الأخرى أن تروى لأمها ما يحدث لها في المدرسة والنادي ليكون ذلك عادة بينهما».
ويشدد د. الششتاوي على أهمية المرونة في التعامل مع الفتاة الصغيرة ومحاولة التقرب منها ومن عقلها وشخصيتها وطريقة تفكيرها وكذلك منحها الوقت للتعبير عن نفسها وعن كل ما تشعر به. وقبل أي شيء على الأم أن تحتويها وتغمرها بالعطف والحنان، حيث في بعض الأحيان تخسر الأمهات الفتيات بغلاظة الطبع والتعسف في القرارات.
وحول ما تفعله بعض الأمهات مع بناتهن من مراقبتهن بحجة الاطمئنان، يقول الششتاوي أن المراقبة أمر مهم ومفيد جداً لكن بشرط ألا تلاحظه الفتاة فتكون الأم دائماً العين التي تراها في الخفاء والتدخل يكون بهدوء وبكل حب وصداقة وفي الوقت المناسب وليس في كل الأوقات.
وليس هناك مانع أن تتعامل الأم مع ابنتها كأنها صديقة لها في نفس العمر والسن لتسود العلاقة بينهما مرحة وودية ولكن دون أن تخسر معها كل هيبتها وتصبح الأم بلا شخصية أمام ابنتها فهذا خطأ كبير ترتكبه بعض الأمهات بأن تترك لبناتها الحبل على الغارب وتصبح بلا هيبة أو شخصية معها، وهنا يكون العلاج صعب لأن الخطأ الذي ترتكبه الفتاة من سلوكيات مرفوضة يكون مقنناً ومعروفاً لدى الأم ويتم على مرأى ومسمع منها.
العقاب لا يكون إلا حينما يتكرر الخطأ أكثر من مرة ويكون على قدر الخطأ وغير مؤذ للفتاة ولا يجرح كرامتها
الدكتور إيهاب ماجد، استشاري الصحة النفسية والعلاج الأسري والتربوي، يرى هو الآخر أن معظم الأمهات يعانين الردود المستفزة من قبل بناتهن المراهقات مما يدفع البعض منهن إلى التهور ومعاقبة البنت وربما ضربها أو مقاطعتها على أفضل تقدير رغم أن الأم أكثر من مرة تتخذ القرار بإصلاح علاقتها بابنتها لكنها تعود ولا تتحمل الردود المستفزة.
ويؤكد «مبدئياً مهم جداً أن تفهم الأم أن ابنتها المراهقة لا تستطيع التحكم في اندفاعها بشكل كامل ولا تحسب المخاطر لأن الجزء في المخ الذي يساعد المراهق على التفكير والتخطيط في عواقب الكلام وتعديل التصرفات لم يكتمل بعد بشكل كامل، وبالتالي عندما تتحدث معك البنت بطريقة غير لائقة تكون ليست على دراية بحجم الكوارث التي تخرج من فمها، وعندما يكون رد فعل الأم عصبياً نتيجة صدمتها من تصرفات ابنتها يزيد الأم من توترها ولا يجعلها تفكر في حجم الكارثة التي ارتكبتها لأنها لا يزال مخها مغلقاً ولا تدرك الأمر إلا بعد فوات بضع ساعات وحينها تأتي وتعتذر».
ويشير إلى أن دور الأم هنا يكون بتعليم البنت السلوكيات غير المندفعة وتتعلم البنت هذا الأمر عندما يكون رد فعل الأم هادئاً وعقلانياً، هنا ستعود البنت للمنطق سريعاً وتدرك حجم خطئها وتعود لتعتذر.
ويحذر د. إيهاب ماجد الأمهات من المبالغة في العقاب ويرى أن العقاب لا يكون إلا حينما يتكرر الخطأ أكثر من مرة ويكون على قدر الخطأ وغير مؤذ للفتاة ولا يجرح كرامتها أمام صديقاتها أو أمام الغرباء وحتى الأخوات لأنها وقتها ستنسى الخطأ الذي اقترفته بمرور الأيام وستتعلم ألا تكرره لكنها لن تنسى إهانتها أمام الآخرين.
ويقول «من حق الفتاة على أمها أن توضح لها وجهة نظرها في أي موضوع تريد الاستفسار عنه بأسلوب حكيم وعقلاني مبتعدة تماماً عن كونها أماً ولكي تستطيع الأم التقرب من ابنتها فعليها أن تلعب دور الصديقة المخلصة والمحبة التي تخاف على مصلحة صديقتها وتخصها بالنصيحة الصادقة البعيدة عن صيغة الأمر، فلا أحد منا يتقبل الكم الهائل من الأوامر المغلفة بالقسوة واستخدام الأهل لهذه الطريقة يؤدي إلى تعنت الأبناء بآرائهم».
اقرأ أيضًا: أشد الجروح ألماً.. كيف تتعامل الابنة مع قسوة وظلم الأم؟