كثيرون يشعرون بالذنب، وأنا منهم، لأنهم لا يمارسون الرياضة بالقدر الكافي أو لأنهم لا يمارسونها بالكامل. أما الأسباب أو الذرائع فما من أحد يحتار في العثور عليها، من قلة الوقت وكثرة الانشغال إلى قلة العادة وكثرة الكسل.
ويحلم هؤلاء الكثيرون بأن يأتي يوم وتسعفهم الاكتشافات العلمية بأن تقدم لهم الحل البديل عن الرياضة والذي يؤمن كل فوائدها ويغني عن كل إزعاجاتها. يا له من حلم جميل أن يرصَّ العلماء فوائد الرياضة في حبة دواء! وحتى نكون واقعيين، نقول إن الكثير من الأحلام الجميلة، إن لم يكن أغلبها، لا يتحقق ولكن يبدو أن هذا الحلم قابل للتحقيق.. بشرى سارة، أليس كذلك؟ ولكن كيف؟
لم تعد المسألة هي إثبات فوائد الرياضة بالنسبة إلى الدماغ وسائر أعضاء الجسم بل الإجابة عن السؤال التالي: ما هو العامل الذي تحتوي عليه أو تحفِّزه الرياضة والذي يعود بهذه الفائدة على الإنسان؟
عمل عدد من المختبرات على الإجابة عن هذا السؤال وصدرت مؤخراً دراسة عن جامعة ولاية كاليفورنيا نشرت في مجلة «نايتشور»، تفيد بأن التجارب التي أجريت على الفئران قد أظهرت وجود بروتين خاص (كلوستيرين) يفرزه الجسم في بلازما الدم بعد ممارسة الرياضة، وهو بروتين موجود لدى الإنسان وهو يفرزه كذلك بعد ممارسة الرياضة.
كما تبيّن أن بلازما الدم الغني بهذا البروتين لدى هذه الفئران الرياضية يحمل تأثيراً إيجابياً كبيراً في عملية تحفيز الذاكرة ويتمتع بقدرات مضادة للالتهابات. وهكذا تقدم هذه الاكتشافات فهماً جديداً للطريقة التي تفيد بها التمارين الرياضية الدماغ وتفتح الطريق أمام تطبيقات علاجية مستقبلية على شكل «حبوب أو أمصال رياضية» يستفيد منها المصابون بتدهور في قدراتهم العقلية نتيجة إصابة خلايا الدماغ بالتهابات تعمل على تدميرها.
وقد عمل فريق آخر من الباحثين من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو على التعرف إلى بروتين آخر ينتجه الكبد بعد ممارسة النشاط الرياضي وهو بدوره يعتبر بروتيناً يعيد شباب الدماغ. وهكذا فإن قطع الأحجية بدأت تتجمع بين مختبر وآخر لتكون المرحلة التالية التي بدأ العمل عليها هي إجراء الاختبارات على الإنسان.
وإذا كان الهدف من كل هذه الأعمال مساعدة المرضى وشفاءهم، وهو الهدف الأسمى، فلا شيء يمنع، في حال نجاحها، من أن يستفيد منها كذلك هواة الجلوس الدائم على الكنبة أمام التلفزيون أو أمام شاشة الكمبيوتر. وعند الحاجة فإن حبة من بروتين الرياضة يمكن تناولها للحصول على الآثار المحفِّزة للدماغ التي يتمتع بها التمرين الرياضي من دون آلام العضلات الناجمة عنه.