تلعب الأسرة دوراً حاسماً ومهماً في تشجيع الطفل على التعبير عن آرائه وأفكاره، بما يساهم في بناء شخصية قويّة، ومتّزنة، تمتلك الثقة بالنفس، والقدرة على التعامل مع الآخر بفاعلية واحترام. إحساس الطفل بقدرته على الحديث من دون خوف أو انتقاد، يشجعه على التعبير عن ذاته بصراحة وصدق.
تشرح الكاتبة ومدرّبة تطوير الذات موزة الزيودي، مفهوم الحرية «يقال إن الثقافة بلا حرية لن تصنع عقلاً واسعاً، والحرية تتمثل في الاختيار والوجود، وجوهرها أن نكون بشراً نفكّر ونتفكّر، نسأل ونتشاور، ونستمع لوجهات نظر مختلفة، ويُستمع لنا، نبدي رأينا في مسائلنا العامة، لذلك هي حق إنساني يجب احترامه، ومن أهم مظاهرها تعلّم الطفل كيفية التعبير عن أفكاره وآرائه، بشكل صحيح ومتوازن، ليتمتع بشخصية قوية».
بما أن الأسرة مصدر البذرة الأولى التي تتشكل منها وتُصقل فيها شخصية الطفل، تتوقف الزيودي عند هذا المفهوم «الأسرة بقطبيها (الأب والأم)، هي أساس التنشئة التي يكتسب منها الطفل المبادئ، والقيم الأخلاقية، ويتعرّف من خلالها إلى الواجبات، والحقوق، ومفاهيم الحوار، والمشاركة، والإيجابية في اتخاذ وصنع القرار، وهذا ما يدفعنا للتفكير في حجم المدخلات التي تعمل الأسرة على إكسابها لكل طفل يعيش في كنفها، وحجم الدور، والمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقها».
وتبيّن دور الأسرة في منح الطفل حرية التعبير عن رأيه وأهميتها «يلعب الأهل دوراً حاسماً في بناء هذه القيمة لدى الطفل، لذا عليهم أن يشجعوه على التعبير عن نفسه بحرية، ويحترموا آراءه وأفكاره، ويشاركوه في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياته، وتعليمه كيفية التعبير عن ذاته بحريّة، وبالطريقة الصحيحة، ما يساعده على اكتساب الوعي، وفهم أهمية اتخاذ القرارات، وتحمّل مسؤوليتها بشكل مستقل، ومتّزن، أن نعطيه الثقة بأن لديه الحق في الاختيار والرفض، بناء على ما يعتقد أنه يناسبه، وبالتالي سينمو كشخصية قوية قادرة على التفكير بوعي، والتصرف بحريّة».
بناء المجتمعات وتقدمها يعتمدان، في الأساس، على أسرة قادرة على تنشئة أطفال قادرين على التعبير عن آرائهم بكل حرية، وسلاسة، وكلما أتحنا الحرية لهم للتعبير عن أنفسهم رسّخنا لديهم أهمية وجودهم، وشراكتهم في صنع القرار، وشعورهم بأنهم جزء مهم وفعّال في بيئتهم، من خلال تعزيز ثقتهم بداخلهم، وبمن حولهم.
وتوضح الزيودي «الأسرة التي تبني أطفالاً يمتلكون حرية ومساحة للتعبير عن ذواتهم وآرائهم، هي أسرة قادرة على إيجاد أفراد لن يكونوا عرضة للقمع بسهولة، وتقلّ نسبة تعرضهم للعنف، لأنهم قادرون على التعبير عن أنفسهم وآرائهم بحرية، واحترام، والتعامل مع الصراعات والاختلافات بطريقة بنّاءة، وحوارية، يعززون من قيمة الحوار والتسامح واحترام الرأي الآخر، لأنهم اكتسبوا الرفاهية المفروضة من خلال أسرهم، وبالتالي بناء جيل واعٍ ومسؤول، قادر على تحمّل المسؤولية، وتطوير المجتمع بشكل إيجابي».
تكشف الزيودي أهمية إعطاء الطفل حرية التعبير والتحدث بحرية وأبعادها «ممارسة بسيطة لكن لها تأثير كبير، إجبار الطفل على الصمت ومنعه من التعبير عن أفكاره يمكن أن يكون له تأثير سلبي كبير في نموه العقلي، والاجتماعي، ومنع الطفل من التحدث يسلبه القدرة على التعبير عن نفسه بشكل صحيح، ويعرّضه للإصابة بالقلق والاكتئاب، لذلك تقع على الآباء والأمهات مسؤولية إدراك أن الحوار والتفاعل السليم مع الطفل هما أساس بناء مستقبله، وأهمية وجود مساحة آمنة للتعبير عن أفكاره ومشاعره، والاستماع لما يريد التعبير عنه باهتمام وعناية، والسماح للطفل بالتحدث والتعبير يساعده على بناء الثقة بنفسه، وتنمية مهاراته الاجتماعية، فهو بحاجة إلى الشعور بأن صوته مسموع، ومُهم، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تشجيعه، ودعمه في التعبير عن أفكاره بحرية».
كيف تعلّم الطفل مهارة التعبير عن رأيه؟
بعض الخطوات التي تساعد الآباء والأمهات على إكساب الطفل مهارة التعبير عن الرأي بحرية، تقدمها الزيودي:
- الاستماع بعناية: على الآباء أخذ الوقت الكافي للاستماع إلى رأي الطفل من دون انقطاع أو انتقاد.
- تشجيع التفاعل: تحفيز الطفل على التحدث والتعبير عن رأيه من خلال طرح أسئلة مفتوحة واتّباع أسلوب الحوار البنّاء.
- تقديم الدعم: على الأهل أن يكونوا داعمين ومشجعين لطفلهم، وحثه على التعبير عن رأيه بحرية من دون خوف من الانتقاد.
- تعليم التعبير الإيجابي: توجيه الطفل لكيفية التعبير عن رأيه بشكل إيجابي وبنّاء من دون الإساءة للآخرين.
- تقديم النصائح: تقديم النصائح والإرشادات للطفل حول كيفية التعبير عن رأيه بشكل متوازن ومحترم.
- تشجيع الابتكار: تحفيز الطفل على تطوير أفكاره والتعبير عنها بطرق إبداعية ومبتكرة.
- التحفيز والثناء: على الآباء تشجيع أطفالهم ومدحهم عندما يعبرون عن آرائهم بشكل جيد وبنّاء.