«أمي احكي لي حكاية».. طلبٌ يلحّ فيه الأطفال في السنوات الأولى من أعمارهم، يريدون سماع القصص الشعبية مرة، واثنتين، وثلاثاً.. لا يملّون منها، ويحفظونها عن ظهر قلب، ويتذكّرون تفاصيلها، وتتأثر ملامح وجوههم بأحداثها.. يسألون ويتساءلون؛ كيف حدث ذلك؟ ولمَ تصرّف البطل بهذا الشكل؟ ولم يوجد أناس أشرار في هذا الكون؟ أسئلة، وأسئلة ترسم بداية الطريق إلى مستقبل للحكايات فيه أثرها الذي يرسخ في العقل الباطن.
أهداف تربوية راسخة
من سندريلا، إلى ذات الرداء الأحمر، ومن بيت الحلوى إلى سندباد، فالجميلة النائمة، أو بياض الثلج.. قصص عالمية خرافية حفرها التاريخ في أذهان الشعوب، وتعاقبت عليها الأجيال.. معظمها يمثل الصراع بين الخير والشر، ويحتوي صوراً تُظهر في النهاية انتصار الخير على الشر، في قوالب خيالية تهدف إلى زرع فكرة ذات أهداف تربوية في عقول الصغار.
ومع مرور الزمن، وتطوّر التكنولوجيا، وانفتاح العالم على مختلف الثقافات، وتغيّر المجتمعات، وفي الوقت الذي ترسخ فيه نتاج القراءات في مرحلة الطفولة في عقول الأجيال السابقة من ناحية، وتعدلّت مفاهيم وانقلبت أخرى رأساً على عقب، من ناحية ثانية، وصار للخير طرق وأساليب كثيرة، وللشر أبواب مختلفة تعتمد على ما يسمعه الطفل ويشاهده، نجد أنفسنا حيارى؛ هل نواصل في ظل هذه المتغيرات قراءة القصص الشعبية لأطفالنا الصغار؟
كان للحكايات التي كتبها الفرنسي شارل بيرو، في القرن السابع عشر، والتي كتبها الأخوان غريم في القرن التاسع عشر، أهداف تربوية، وهي مستوحاة بمعظمها من الحكايات الشعبية التقليدية، ومتواترة عبر الأجيال. وكانت تمثل بالنسبة إلى الصغار نماذج، إمّا عليهم الاقتداء بها، وإمّا تجنّبها، وإنكارها.
ولكن، على الرغم من كل التغيّرات التي طرأت على أساليب التربية، ينصح فرانسوا بوين، الأستاذ في قسم علم النفس التربوي وعلم الأندراغوجيا، في جامعة مونتريال بكندا، بمواصلة قراءة هذه القصص والحكايات للأطفال حتى لو كانت تتضمن فقرات فيها شيئاً من العنف. ويقول البروفيسور بوين إن «الموضوعات التي تشتمل عليها تلك القصص هي التي تقود الطفل إلى اكتشاف حقائق معيّنة، ومعرفة مفاهيم الخير والشر، وتطوير حُكمه على سلوك الشخصيات».
ويضيف بوين «في الواقع تنتهي تلك القصص عموماً بانتصار الخير على الشر. وصحيح أن الشخصيات تتعرض للعديد من المخاطر، لكنها تجد في النهاية أساليب ووسائل للتغلب عليها، والخروج من المأزق. وبذلك يتعلم الطفل أن المشكلات الحياتية تجد لها دائماً حلولاً، وأنها تحتاج فقط لاتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب».
للحصول على تجربة إيجابية
ويقول بوين «على الوالدين قصّ هذه الحكايات على طفلهما بحماس، وفي أجواء تساعده على التركيز، مع طرح الأسئلة عليه، من حين لآخر، مثل «لو كنت مكان البطل كيف ستتصرف؟»، «لماذا تظن أن البطل تصرف على هذا النحو؟»، «هل تخيفك هذه المواقف؟»، «هل تظن أن هذا هو الحل المناسب؟». ومن خلال أجوبة الطفل يمكن أن نعرف كيف يفكر، وما إذا كان قد استوعب الأحداث، أم لا.
ويذكر الأستاذ بوين أن هناك نسخاً متعددة ومعدلة من هذه القصص، بحيث يمكن للوالدين اختيار ما يناسب طفلهما منها، مع إلغاء بعض العناصر أحياناً، إذ ليس من الضروري أن نقول للطفل، مثلاً، إن البطل قد شق بطن الذئب في قصة ذات الرداء الأحمر، ليخرج الجدّة منه لتكون القصة مثيرة، ومهمة.
القصص موجودة في كل مكان
«من الصعب الهروب من الحكايات الشعبية التقليدية. ففي الواقع، نحن نراها في كل مكان؛ في الأفلام، والمسلسلات، والإعلانات، والكتب»، هذا ما تقوله راشيل ديروي رينجيت، مؤلفة كتب الأطفال والأستاذة في قسم العلوم التربوية بجامعة كيبيك، وتضيف «إلى ذلك، تساعد الحكايات التقليدية القديمة الأطفال على تعلّم بعض الرموز والمفاتيح، مثل «كان يا ما كان في قديم الزمان، وفي سالف العصر والأوان»، وإدراك بعض الفقرات المرتبطة بهذا النوع الأدبي، وبالتالي فهْم ما يجدونه في الكتب، وفي العالم من حولهم، بشكل أفضل».
تغيير الصور النمطية
تتضمن العديد من الحكايات الشعبية القديمة مشاهد مغايرة تماماً للعصر، وللتقاليد، كما هو الحال في الأميرة النائمة، أو بياض الثلج، حيث ينقذ الأمير الشجاع أميرة ضعيفة، خائفة، ولا حيلة لها. ولمعرفة مدى إدراك الطفل لما يُقرأ عليه، ولمساعدته على التمييز بين ما يراه في الواقع، وما يتخيله في القصة، يمكن أن نوضح له بطريقة بسيطة أن القيم تختلف من مجتمع إلى آخر، وأن كثيراً من السلوكات قد تغيّرت مع مرور الزمن، كما يمكن أن نطرح عليه أسئلة لمعرفة رأيه في صفات شخصيات القصة.
ومع ذلك، لا ينبغي لهذه الاحتياطات أن تجعلنا نغفل عن هدف أساسي، وهو المتعة التي يشعر بها الطفل في قراءة القصة مع والديه، على ألا نحاول إعطاء الطفل درساً مباشراً كي يبقى هناك تفاعل ومتعة، ولندع له مجالاً للإبحار في خياله، والحكم، بصورة واضحة، على الشخصيات، وسلوكها.