19 نوفمبر 2023

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

محررة في مجلة كل الأسرة

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

رسائل ضمنية يقدمها أبطال يعرضون قصصهم المملوءة بالنجاح، رافعين شعار «الحياة تبدأ بعد التقاعد»، تلك المرحلة التي يظن فيها البعض أنهم يخطّون بأقلامهم آخر سطور قدرتهم على العطاء، ليؤكد أصحاب تلك النماذج الذين نستعرض تجاربهم بعد التقاعد، أنها مرحلة لبداية جديدة مغلفة بالأمل والشغف والتفاؤل.

العميد متقاعد يوسف الشيباني
العميد متقاعد يوسف الشيباني

مشروع ورشة لصيانة السيارات.. حلم يتحقق بعد التقاعد

العميد متقاعد يوسف الشيباني، يقول «أعتبر شرطة دبي بيتي الأول، فقد أمضيت نحو 35 عاماً بالعمل فيها، متنقلاً بين إداراتها، متدرجاً في الرتب والمناصب، واكتساب الخبرات والتجارب التي أثرت عملي على الصعيدين، الوظيفي والشخصي، فالانتساب إلى الدورات، الداخلية والخارجية، المتخصصة في الجانب الفني والإداري وحوادث السير والمرور، ساعدني لبدء مرحلة جديدة في حياتي بعد التقاعد، والتي أعتبرها بداية لحياة جديدة لتحقيق جميع الأحلام والأهداف المؤجلة، فشغفي وحبي للعمل في مجال السيارات منذ زمن طويل، لم يكن مرتبطاً بالجانب الوظيفي، بل كانت هوايتي المفضلة وحبي للإطلاع على المستجدات في هذا الجانب، ففي البداية كانت الفكرة مشتركة مع بعض الأصدقاء، ثم تطورت، وبدأت أخطط لمشروع فردي لافتتاح ورشة لصيانة سيارات بمواصفات متميزة، وعالية الجودة، وبالفعل وضعت هدفي الذي استغرق ثمانية أشهر، وأصبح مجسداً على أرض الواقع».

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

ويكمل العميد يوسف الشيباني «الحمد لله لم تصادفني أية عقبات في إدارة المشروع، وهذا يعود للتخطيط والدراسة، ومعرفة كيفية التخطيط السليم لإنشاء مشروع ومتطلباته، والنتائج المترتبة عليه، من ناحية الكلفة المالية وإدارة الموارد البشرية، ولذلك أنصح كل شخص متخصص في أمور فنية، أو تقنية، أن يستمر في تطوير مشروعه، ولا يقف عند هذا الحد».

التقاعد مرحلة للإبداع والابتكار في الأفكار والهوايات

وقال العميد الشيباني «التقاعد مرحلة للتفرغ للإبداع والابتكار في الأفكار والهوايات، ولا تقل أهمية عن بقية مراحل حياة الإنسان الذي لا يستطيع العيش من دون دافع قوي يعطي لحياته معنى، فأنا أبدأ يومي بممارسة رياضة المشي لمدة ساعة تقريباً، ثم أذهب إلى عملي في الورشة في الساعة العاشرة صباحاً، وأتواجد حتى الخامسة مساء، وبعد الانتهاء من العمل أمارس هوايتي الأخرى، وهي الرسم والفوتوشوب».

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

«ونصيحتي لمن يصل إلى مرحلة التقاعد، أن يسعى لتحقيق وتأسيس أحلامه على قاعدة متينة وقوية يبدأها مبكراً، فعندما تنتهي فترة العمل التي كانت مملوءة بالإنجازات، سيصبح الشخص ملك نفسه، فيقوم برسم وتخطيط لمشروع ـ أو هوايةـ لطالما حلم بأن يراه متجسداً أمامه يكبر يوماً بعد آخر».

المقدم جاسم ربيع
المقدم جاسم ربيع

صالة عرض فنية تجدد خلايا العطاء بعد التقاعد

نستعرض تجربة أخرى بطلها المقدم متقاعد جاسم ربيع، الحاصل على درجة الماجستير في الفنون تخصص التصوير الضوئي، الذي يشير «رحلة عمل طويلة بدأتها في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عندما التحقت ببعثة من قبل شرطة دبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة مجال التصوير الضوئي الخاص بالمختبر الجنائي، وبعد 5 سنوات استطعت، وزملائي، أن ندخل أفكاراً تطويرية جديدة في هذا المجال، وظل الحال على هذا المنوال نقدم كل ما أوتينا من طاقة لخدمة المجال الشرطي، إلى أن جاء وقت التقاعد، والحقيقة أنني لم أنزعج من تلك المسألة، لاقتناعي التام منذ أن بدأت العمل بأنها مرحلة آتية لا محالة، وواجبي أن أتقبلها وأستعد لها قبل مجيئها، وهذا بالفعل ما حدث معي».

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

ويتابع المقدم جاسم ربيع «لم أتعامل مع التصوير كونه جزءاً من مهام عملي اليومي، بل كجزء من حياتي، فعندما تقاعدت لم أشعر بالضيق، فمكاني تركته للجيل الجديد، وخصصت لي مكاناً آخر أفيد به شريحة أكبر في المجتمع، إذ قررت تأسيس مشروعي الخاص، وهو عبارة عن صالة عرض أعمال فنية تضم لوحات فنية، وصوراً، ومجسمات وغيرها، والكائنة في حي الفهيدي التاريخي، كما أسست استوديو في بيتي أقضي فيه بعض الوقت لأمارس هوايتي، ورغم نظرة البعض لمشروعي في البداية ووصفه بأنه غير مربح، لم أهتم، لكونها نظرة، ضيقة لكون الفن هو منارة الأمم ومرآة لتقدمها».

يومي مملوء ومشحون بتفاصيل كثيرة ولكنها ممتعة

ويضيف المقدم جاسم ربيع «يبدأ يومي بعد صلاة الفجر، ويتوزع الوقت بين التقاط بعض الصور في الاستوديو الخاص بي، أو بالتوجه حاملاً أغراضي لتصوير الأماكن التي تحمل كثيراً من الحكايات والقصص عن شعب الإمارات الحبيب، أو حضور الاجتماعات التي تستلزم تواجدي، فيومي مملوء ومشحون بتفاصيل كثيرة، ولكنها ممتعة، ونصيحتي للموظف الذي لا يزال على رأس عمله، أنه لا يوجد إنسان من دون هواية، فكلنا نخلق بها، ودورنا أن نكتشفها وننمّيها، فالوظيفة دورها محدد ومعروف، ولها وقت تبدأ فيه، وتنتهي، أما الهواية فهي باقية مع الإنسان لآخر لحظة في عمره، وعليه أن يستثمرها».

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

يضيف المقدم جاسم ربيع «أتمنى لكل مشروعات المتقاعدين أن يتم دعمها بشكل أكبر، حتى يكون ذلك حافزاً للشباب لأن يقدِموا على هذه الخطوة، ويقيموا مشروعاتهم بعد التقاعد من دون خوف، فحلمي أن الصور التي أمتلكها وتعود لفترة الثمانينيات من القرن الماضي، وكذلك المقتنيات التي تعود لمصورين قدامى، ترى النور وتخصص لها الجهات المسؤولة متحفاً، أو صالة عرض تحتضن هذه الأعمال، وغيرها، وتقدمها للجمهور وللسياح، وفي المحافل الدولية، كي نطلع العالم على ثقافتنا وحضارتنا العريقة».

د. فاطمة عيسى
د. فاطمة عيسى

اهتمام بالجانب الإبداعي والعمل التطوعي بعد التقاعد

تقول الدكتورة فاطمة عيسى محمد «مسيرتي العملية بدأت بوزارة التربية والتعليم كمعلمة، ثم ترقيت إلى أن وصلت لمنصب مديرة مدرسة، ومن بعدها مستشارة وخبيرة تربوية في الوزارة، وقضيت فيها 20 عاماً، وتعتبر هذه المرحلة هي ما حققت فيها ذاتي وحلمي بأن أكون معلمة، فأنا أعشق التدريس والعمل التربوي، وبرغم بعدي عنه لأسباب مرتبطة بظروف صحية دفعتني للتقاعد، إلا أنني وبمجرد أن تعافيت وأصبحت قادرة على العطاء أكملت المسيرة، وعدت لمقاعد الدراسة من جديد لا كمحاضرة، بل كطالبة، فحصلت على الماجستير، ثم الدكتوراه بدرجة امتياز، ولم أكتفِ بذلك، بل عدت إلى صفوف العاملين في المجال التربوي بالقطاع الخاص، إضافة إلى أن التقاعد كان بداية لاهتمامي بالجانب الإبداعي، فقد بدأت بالكتابة، ونشر لي إصداران، هما: مناهل الروح وأوراق على الماء، وكتاب في مجال تنمية الموارد البشرية».

التقاعد.. مرحلة التحرر من القيود وإعادة بناء الإنسان

وتضيف الدكتورة فاطمة عيسى «مرحلة التقاعد ليست فترة الجمود، بل هي بداية التحرر من القيود، وإعادة بناء الإنسان، فهي فرصة لحياة جديدة نحقق فيها أهدافنا المؤجلة وننهض من أجل الاستمرار لخدمة مجتمعنا»

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

«قمت بتنفيذ مشروع لمركز يقدم الفعاليات والأنشطة التربوية والإرشادية والوعظية للفتيات، كما وجهت طاقتي إلى العمل التطوعي الذي لم تكن فكرته وليدة مرحلة التقاعد، بل كانت بذرته مع بداية العمل في وزارة التربية والتعليم، إذ كنت أتطوع في الفعاليات خارج نطاق المدرسة، إلا أن ذلك تبلور بشكل مدروس بعد التقاعد نظراً لتوفر الوقت والتفرغ».

بعد التقاعد.. نماذج وقصص ملهمة مغلفة بالتفاؤل ومستمرة بالعطاء

وتكمل د. فاطمة عيسى «أؤمن بأن التقاعس بعد التقاعد يولّ الخمول والكسل والأمراض النفسية، فطالما يمتلك الإنسان الطاقة والقدرة على العطاء فعليه ألا يبخل بها على من حوله، وأن يبحث عن ذاته، وينمّي قدراته وعقله وتفكيره، ويحقق طموحاته المؤجلة، ليحافظ على رونقه وشبابه، ويجدد طاقته ومكنوناته الإبداعية، كي يوقظ المارد المكبوت في داخله، فما أقدّمه من دور يمثل لي الحياة والعطاء، وهو منبع سعادتي في هذه الحياة.

أما مجال التطوع والعمل الخيري فله لذة لا يشعر بها إلا من خصص له جزءاً من وقته ومجهوده وصحته، فهو رسالة إنسانية سامية من دون شك، وأود أن أنصح كل من يصل لمرحلة التقاعد أن ينهض ليبدأ حياة جديدة مملوء بالشغف، فالعمل ليس للراتب فقط، بل من أجل عمارة الأرض، وهو عبادة وتفريغ للطاقات في ما ينفع الناس، فالنفس إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالباطل».

* تصوير: السيد رمضان