في شهر رمضان... نساء ملهمات يواكبن العطاء وعمل الخير في الإمارات وخارجها
نماذج عطاء ومبادرات فردية وجماعية تواكب شهر رمضان المبارك وغيره من مناسبات تبلور الوجه الآخر لنساء يحاولن بلسمة بعض جراح الوجوه المتعبة وتضميد انكسارات الزمن وقهره.
لا تقتصر عطاءاتهن على الشهر الفضيل، فلكل منهن منحى عطائي مختلف وفي مجالات مختلفة. فالبعض يتجه لإرساء مفهوم عطائي يستهدف الطلاب والأسر المتعففة والأيتام والبعض الآخر يؤكد أن التحفيز على العطاء عبر رسائل مستمرة هو الهدف الأسمى الذي يرتقي بأوضاع الفئات المهمشة، في حين ينحو آخرون إلى العمل الميداني والتماس مع فئات تحتاج إلى المساعدة والمساندة وحتى إلى «كلمة طيبة».
في هذا التحقيق، نطّل على مسارات عطاء مختلف في أوجهه، لكنه يصب في نهر العطاء الذي لا ينضب، عطاء يستند إلى حب وواجب ومسؤولية ومعايشة معاناة الآخر أينما كان وفي أي بقعة:
لا تكل عائشة الزعابي من القيام بأعمال الخير في الميدان التعليمي والصحي والاجتماعي وغيره، وكذلك تقف الدكتورة فاطمة الملا مطولاً عند الفقر وكيف «يرخي بأثقاله على أجساد الأطفال المتعبة» وتحاول أن تشرّع بوابات الأمل لهؤلاء، في وقت لم تتعب شيخة المسماري، على مدى 15 عاماً، من العمل التطوعي ومحاكاة لغة العطاء بكل معانيها ومساراتها، كما الدكتورة رشا قلج التي تعّد نموذجاً في العطاء في تمكين المرأة والمجال التوعوي الصحي وتمّ اختيارها ضمن أكثر 100 امرأة إفريقية تأثيراً، ضمن فئة منظمات المجتمع المدني.
د.فاطمة الملا مع أطفال اللجوء
«شغف».. مساعدة أطفال اللجوء
في ميزان العطاء، نصادف الكثير من الوجوه المتعبة. ثمة مبادرات لا تعرف حدوداً ولا تؤطرها جغرافيا وتحلق إلى آفاق أخرى من التماس مع الآخر والتماهي معه.
«كل شيء جميل بالشتاء عدا ارتجاف الفقراء»، هذه العبارة تحاكي الهدف من ولادة مؤسسة «شغف» الخيرية كمبادرة ولدت من رحم معاناة بعض الفئات المهمشة. تقول الدكتورة فاطمة الملا، مديرة مؤسسة شغف الإنسانية، «حملت المؤسسة اسم شغف لأن العمل الخيري والتطوعي هو شغفي، حيث أعمل مع أفراد متطوعين في المجال الإنساني في مخيمات الشمال في سوريا وبدأنا تسليط الضوء على الأطفال اللاجئين الذين يعيشون في ظل الحروب والواقع الذي تخلفه الحرب من جهل وأمراض وتخلف، حيث هؤلاء الأطفال هم الفئة الأكثر تأثراً».
د.فاطمة الملا في حملة لإغاثة أطفال ونساء الروهينغا
وجوه الأطفال دافع قوي للدكتورة الملا لتحاول إرساء واقع أجمل «نركز على الأطفال الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والعائلات التي تعيش ظروفاً اقتصادية» دون الصفر «وحاولنا إيصال صوتهم من خلال إعداد التقارير، وهذه هي بداية الجمعية».
الدعم المعنوي عبر تقارير ورسائل صمود
بدأ نشاط الجمعية بهذا الشكل، حيث إنها جمعية في طور الترخيص والتأسيس وثمة إجراءات قيد الإنجاز للتمكن من استقبال التبرعات من الناس، بيد أن العمل على قدم وساق «نستقبل المساعدات المعنوية بنشر حسابنا على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعتنا ونشر أي أعمال تطوعية يقوم بها الفرد عبر «هاشتاغ شغف» وننشرها بدورنا من باب تحفيز توجه العطاء، حيث نأمل مساعدة الأسر من خلال توفير مواد عينية وغذائية ووسائل تدفئة وحتى إنشاء مدارس ضمن مخيمات الإغاثة لمساعدة هؤلاء الأطفال».
ما تفعله د. الملا عبر المؤسسة يضع الإصبع على الجرح ويضمد جراح المعاناة النازفة في مخيمات اللجوء عبر رسائل صمود «أطفال نحن ! كان لنا دار وللدار أرجوحة تألفنا وحديقة فاض فيها التين والزيتون وعناقيد من العنب. فمن يعيدها لنا ؟».
«رمضان غير» بالتطوع والإطعام
شيخة المسماري في ميدان التطوع
دأبت شيخة جمعة المسماري على عادتها السنوية في شهر رمضان المبارك في الإطعام وتوزيع وجبات على فئة العمال إلى التطوع في أعمال ترفدها بالكثير من الدعم المعنوي، تقول «لا أرغب أن يؤطر شهر رمضان الكريم في سياقه التقليدي كالصوم والصلاة وتلاوة القرآن الكريم فقط؛ بل أخرج عن الإطار المعتاد للمشاركة في فعاليات تترك أثرها في الآخر وتسعدني في الوقت نفسه عندما أنجح في ترك البسمة على وجوه الآخرين».
تعايش المسماري حالات لأفراد ليس باستطاعتهم تحصيل وجبة إفطار «ما يوجعني هو افتقاد البعض لأي مورد مالي لتوفير متطلبات الشهر الكريم وما يفضلون تناوله خلال الإفطار وبالأخص أن سفرتنا الرمضانية تتنوع بالأطباق والمشروبات، حيث نجد أن بعض هذه الفئات عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، وهذا أمر محزن لي».
مبادرات مجتمعية بالتوازي مع مبادرة فردية
ابنا شيخة المسماري فايزة وعبدالله يتطوعان لتقديم وجبات الإفطار للصائمين
لا تقف المسماري مكتوفة اليدين، وهي المتطوعة منذ أكثر من 15 عاماً في المجال الخيري «من المهم أن نسهم ونشارك ونتطوع ونحصل على أجر من الله سبحانه وتعالى، وعلى صعيدي الشخصي، أشارك مع الجهات الخيرية منها جمعية الفجيرة الخيرية ومركز الشارقة للتطوع وكذلك أنخرط مع الفرق التطوعية وأحاول أن يكون «رمضان غير» حيث توزيع إفطار صائم ويسبقه قبل الإفطار تجهيز علب الطعام وغيره».
تزرع المسماري غرسة العطاء في ابنتها فايزة وابنها عبدالله، حيث يشاركانها الكثير من محطات العطاء «كأسرة، نقوم بمبادرة فردية عبر تخصيص إفطار مرة في الأسبوع نستهدف فيه الفئات العمالية في أماكن سكنهم ونقوم بتقديم وجبات إفطار لنحو 40 فرداً أسبوعياً».
تختار إفريقيا للتوعية والدعم وتمكين المرأة
د. رشا قلج تساند نساء أفريقيا
في مجال آخر من الرعاية والتوعية والتحفيز، تغوص الدكتورة رشا قلج، عضو مجلس الشيوخ المصري والرئيس التنفيذي لمؤسسة ميرك الدولية الخيرية، في المجتمع الإفريقي وتحاول تعزيز قدرات الرعاية الصحية ودعم تعليم الفتيات، وتوضح «قدمت أكثر من 1470منحة للأطباء من أكثر من 59 دولة في 32 تخصصاً حيوياً وأكثر من نصف هذه المنح تم تقديمها لطبيبات، إيماناً منا بضرورة تمكين المرأة في العلم والطب وغيرها من التخصصات الصعبة».
حصلت مؤخراً على درجة الدكتوراه الفخرية بمرتبة الشرف في علم الاجتماع (D.Litt) من جامعة كريشنا العالمية بالهند «هذه الدكتوراه هي تقدير لإنجازاتي المتميزة في العلوم الاجتماعية والعدالة والإصلاح، وجهودي في مجالات تمكين المرأة وتعليم الفتيات وتحسين رعاية المرضى في إفريقيا والدول النامية الأخرى».
د.قلج: العلم هو السبيل إلى تمكين المرأة
تمّ اختيار د.قلج واحدةً من أكثر الشخصيات المؤثرة في إفريقيا للسنة الرابعة «دعمت المرأة عبر مبادرتين وهما «أكثر من مجرد أم»، ومبادرة «تعليم ليندا»، وأسهمت مبادرة «أكثر من مجرد أم» في تغيير حياة آلاف النساء بقارة إفريقيا، عن طريق تأهيل المرأة الإفريقية التي لم تحظ بنعمة الأمومة، حيث تتحمل المرأة بمفردها مسؤولية هذا العقم، وتواجه حرباً نفسية ومجتمعية شرسة تصل إلى تقطيع أطرافها وتشويه وجهها، أو تتحول إلى خادمة للزوجة الثانية، وعليها مواجهة عقوبة الطرد، وتصبح منبوذة من أسرتها ومجتمعها، لذا قررت إطلاق حملة هي الأولى من نوعها في إفريقيا والعالم».
«تعليم ليندا».. ومواجهة وصمة العقم
د. رشا قلج تساند المرأة وتغيّر واقعها
تؤمن د.قلج بتعليم الفتيات، ولهذا الهدف كانت مبادرة «تعليم ليندا»، «عندما يتم تعليم الفتيات، سوف يكون باستطاعتهن مساعدة قارتنا الجميلة السمراء بطريقة أكثر فاعلية للتغلب على التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية، فالتعليم هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن لأحد أن يسلبه من المرأة، لهذا قررت إطلاق مبادرة «تعليم ليندا» بالشراكة مع «السيدات الأول» لإفريقيا، بهدف مساعدة الآلاف من الفتيات في إفريقيا اللاتي يكافحن للحصول على حقهن في التعليم».
دور الفن والإعلام في تغيير المجتمعات لا يقل أهمية، حيث طبقته د. قلج من خلال مبادراتها بمؤسسة ميرك «قمت بإطلاق عدة مسابقات بهدف دعم تعليم الفتيات و القضاء على وصمة العقم وتمكين المرأة الإفريقية في كافة المجالات، وأصدرنا قصصاً للأطفال لدعم وإلهام الفتيات المثابرات والمكافحات لإتمام تعليمهن وتشجيع الأهالي على مساعدة بناتهم والإقلاع عن عادة الزواج المبكر، فضلاً عن إنتاج وإخراج أكثر من 20 أغنية بثلاث لغات، الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية، لمكافحة العادات والتقاليد الخاطئة في إفريقيا».
ومن باب تدعيم التوعية، أطلقت د. قلج برنامجاً تلفزيونياً على مستوى إفريقيا يعالج القضايا الاجتماعية والصحية في إفريقيا لنشر التوعية من خلال التطرق إلى مجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية والصحية في المجتمع مثل: مرض السكري، وإنهاء زواج الأطفال، ودعم تعليم الفتيات، وتمكين المرأة، ووقف العنف المنزلي، والقضاء على ختان الإناث، والقضاء على وصمة العقم وغيرها من القضايا الاجتماعية والصحية الأخرى التي تؤثر في المجتمع الإفريقي، عبر إطلاق أول برنامج تلفزيوني باللغة الإنجليزية لها وهو «Our Africa» كأول برنامج تفاعلي من نوعه.
عائشة الزعابي :الشيخ زايد قدوتي في عمل الخير
زايد هو القدوة في بث روح العطاء
مسيرة عائشة الزعابي، قيادية تربوية، مع الخير متشعبة في أكثر من ميدان، فهي مدير مؤسسة «روضة الأثير» وتركت بصمات عطائها في زوايا كثيرة.
تقول «عمل الخير بات يمثل جزءاً كبيراً من شخصيتي واستمديت ذلك من روح العطاء، روح زايد الخير، طيب الله ثراه، فهو قدوتي ومنه تعلمت مد جسور الخير بلا توقف في كل المجالات وجميع الميادين».
ثمة مجالات خير تطرقها الزعابي:
- المجال الخيري في الميدان التعليمي: كتوفير إمكانيات التعليم للطلبة المحتاجين، منها توفير حواسيب خلال فترة جائحة «كورونا».
- المجال التطوعي في المجتمع بكافة فئاته: كمد يد العون للأسر المتعففة والأيتام والعمال ضمن مبادرات إنسانية منها «شتاؤكم دافئ».
- المجال الصحي: مثل توفير أجهزة طبية لمرضى السكري والكرسي المتحرك والعكاز لأصحاب الهمم وكذلك الأدوية.
- المجال الاجتماعي: توفير كسوة العيد للأيتام وتكثيف فعاليات فرحة طفل من خلال سلسلة مبادرات.
لا يجد قوت يومه ولا يمد يده ليطلب
من مبادرة «فطوركم علينا»
تختلف نكهة العطاء في الشهر الفضيل، تؤكد الزعابي «تتعدد المبادرات ليكون الهدف مضاعفة الأجر في هذا الشهر الكريم. ثمة مبادرات فردية منها توفير المير الرمضاني للأسر المتعففة إلى مبادرات جماعية تهدف إلى توفير وجبات إطعام صائم طوال شهر رمضان تحت شعار (فطوركم علينا) ومبادرة ( فطوركم سحورهم)».
في ظل هذه المبادرات، تقف الزعابي أمام مواقف مؤثرة «أكثر ما يترك أثراً داخلي هو أن تجد محتاجاً لا يجد قوت يومه ولا يتكلم أو يمد يده ليطلب. لذا، نحرص للبحث عن تلك الفئة والوصول لها، بحيث ننجح في تحقيق شيء مادي بدافع معنوي يضمن للمحتاج حفظ كرامته وعزة نفسه التي حالت دون الطلب».