19 أغسطس 2024

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

محررة في مجلة كل الأسرة

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

يعيش معظم الأطفال في زمننا هذا ضغوطات مدرسية متزايدة، تتطلب منهم التركيز والجهد طوال اليوم، فبعد ساعات طويلة من الجلوس في الصفوف الدراسية، لا تنتهي التزاماتهم عند العودة إلى المنزل، بل ينتظرهم مزيد من الواجبات والمهام الأخرى، ما يفقدهم اقتناص الفرص لعيش بعضاً من لحظات السعادة والمرح، وهو ما يؤثر سلباً في صحتهم النفسية والجسدية.

والسؤال الذي يفرض نفسه، كيف يمكننا من خلال ممارسة أطفالنا للأنشطة الترفيهية والرياضية، بعد انتهاء اليوم الدراسي أن نخفف من الضغوطات، ونساعدهم على إحداث التوازن بين الدراسة وممارسة أنشطة متعددة على مدار اليوم؟

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

تقول د. مريم جريس، دكتوراه في التربية والإرشاد الأسري، وماجستير في ثقافة الطفل: «يعاني العديد من الأطفال من ضغوطات مدرسية قد تكون أكبر من طاقتهم اليومية وأكثر من أن يتحملوها، إذ يقتصر يومهم بين الدراسة والتفاعل الاجتماعي والواجبات المنزلية، ما يترك لهم وقتاً ضئيلاً للراحة أو ممارسة نشاطات ترفيهية يحبونها..

هذه الضغوط يمكن أن تؤدي إلى مشكلات نفسية، مثل القلق والاكتئاب الذي يلازم الطفل لفترة زمنية طويلة، كما تؤثر هذه المشكلات سلباً في الصحة الجسدية مثل ضعف المناعة وزيادة الإجهاد».

ترى ما الخطوة التي يجب أن يتخذها الأهل وكيفية التعامل معها بجدية؛ لتخفيف أعباء الدراسة على أبنائهم؟

تجيب د. جريس: «تخصيص وقت للأطفال لممارسة الأنشطة الترفيهية وعدم تجاهل الأهل لها، يُعد خطوة ضرورية وأساسية لمساعدتهم على التخفيف من الضغوط وتحسين رفاهيتهم الجسدية والنفسية، سواءً كان النشاط يتضمن اللعب خارج المنزل، أو ممارسة هواية مفضلة بالبيت، أو الاشتراك في أي من الأنشطة الفنية المتوفرة..

فإن هذه الممارسات تتيح للأطفال مخرجاً طبيعياً للتخلص من الضغط والإرهاق المتراكم، بجانب تعزيز الصحة الجسدية، كما يحسّن النشاط البدني، مثل الجري أو ركوب الدراجة، أيضاً يحسّن من الحالة المزاجية وقدرة الطفل على التركيز والنجاح الأكاديمي، كما أن الأنشطة الفنية يمكن أن تعزز من التفكير النقدي والإبداعي لديه، ما ينعكس إيجاباً على التحصيل الدراسي للطفل، خاصة إذا تم اختيارها بعناية..

فالأنشطة التي تناسب عمره وتتناول اهتماماته الشخصية تُعد فرصة لخلق بيئة تعليمية ممتعة ومشجعة، فمن خلال التفاعل الإيجابي مع الأهل في بيئة غير مدرسية، يمكن للأطفال اكتساب مهارات جديدة وتعلم قيم التعاون والمثابرة».

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

تشجيع الطفل على الخروج من عزلته

من جانبها، توضح الدكتورة منيرة الرحماني، مستشارة تفكير إبداعي وبرمجة عصبية «من أبرز تحديات العصر الحالي والمشكلة التي تؤرق غالبية أولياء الأمور، هي توفير البيئة الداعمة للأطفال نحو حياة صحية أفضل وسط ضغوطات ومشاغل الحياة..

فمن المهم جذب انتباه الأطفال نحو الخروج من قوقعتهم وانعزالهم إلى ممارسة الأنشطة الفعالة والحركية، إذ أن العقل السليم في الجسم السليم وبهذا ينمو الطفل بشكل أكثر ذكاءً وإبداعاً».

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

ثمة فوائد تعود على الجانبين بمشاركة الأهل أبناءهم بعض نشاطهم اليومي، توضحها د. الرحماني «من أهم فوائد مشاركة الأهل أبناءهم في الأنشطة تنظيم الوقت، فالالتزام بجدول زمني محدد و واضح لنشاط محدد يحبه الطفل سيجعله مثل الجدول الروتيني ضمن باقي مهام وأولويات الحياة، فيكون الطفل على وعي بوجود وقت محدد لهذا النشاط وسيلتزم ولي الأمر بتفريغ نفسه من أجل طفله ليشاركه هذا النشاط..

وقد يواجه الكثيرون منّا بعضَ الصعاب والتحديات نحو تخصيص هذا الوقت المحدد والالتزام به على المدى الطويل، ولكن يمكن إعادة ترتيب الأولويات وإدارة الأهم فالمهم، من ثم التخفيف من المشتتات غير المهمة ما يساعد على تحقيق عملية التوازن في الحياة بين كافة المهام والمسؤوليات من العمل والعلاقات الاجتماعية واللعب والترفيه وتطوير الذات».

وبما أننا في زمن التكنولوجيا واستخدام الأجهزة الذكية، فالأبناء كافة يحبون قضاء ساعات طوال دون ملل أمام هذه الأجهزة التي تعزلهم بشكل نهائي عن التواصل الفعال وإقامة علاقات اجتماعية..

وهي مشكلة تطرح د. منيرة الرحماني حلاً لها فتقول: «من الضروري أن يكون الأب أو الأم قدوة للأبناء الذين يحبون التعلم بالتقليد أو المحاكاة، فتخصيص قانون في المنزل لأوقات استخدام هذه الأجهزة وتحديد أوقات أخرى غير مسموح باستخدامها، مع مراعاة التزام الوالدين بهذا القانون سيجني نتائج مثمرة، تغرس في الأبناء أن التواصل البشري أهم من التواصل الذكي أو الإلكتروني..

وأشير هنا لضرورة استثمار هذا الوقت أيضاً في قضائه بشكل إيجابي بين أفراد الأسرة لممارسة بعض الألعاب كالألغاز الجماعية، التي من خلالها يستمتع الجميع باللعب والتحدث ومحاولة التنافس للفوز، بهذه الطريقة ينمي الأطفال مهارات التحدث، والتواصل، والتفكير الإبداعي، واتخاذ القرار..

كما ألفت انتباه الأهل لأهمية مراعاة الفروق بين أبنائهم الأمر الذي يفرض الاختيار بعناية للنشاط الذي يناسب كل طفل، وإن كان النشاط الذي نختاره لا يناسبه يتوجب علينا الجلوس معه والتحدث إليه والاستماع لأفكاره للحصول على إجابة لما يريده، وهنا سيشعر بأن هناك اهتماماً من الوالدين لتلبية رغباته أيضاً وإشراكه في القرار».

أنشطة ما بعد المدرسة.. ضرورة لصحة وسعادة الطفل

أهمية اللعب للطفل

وتضيف شيخة محمد الكعبي، مدربة تحفيز ذاتي، «أشارت بعض الدراسات إلى أن ممارسة الطلاب للأنشطة البدنية يمكن أن يزيد من تركيزهم في الدراسة عكس ما يظن بعض الأهالي أنها مضيعة للوقت والأولى تخصيص اليوم بأكمله للاستذكار ومتابعة الواجبات..

فاللعب يضيف للطفل نوعاً من السعادة خاصة إذا جاءت مصاحبة بمشاركة الأهل، وهي وسيلة يستطيعون من خلالها اكتشاف الفروق الفردية بين الأبناء وبالتالي يسهل التعامل معهم».

تكمل شيخة الكعبي: «تُعد الخطوة السابقة قاعدة الانطلاق للتصرف مع الأبناء، فالاندماج الذي يحدث بين الطرفين أثناء اللعب يقرب بين الجميع، ما يسهّل توجيه الأبناء نفسياً وصحياً وأكاديمياً، لاسيما إذا سمح الأبوان بالتنوع في ممارسة الأنشطة داخل المنزل مرة وخارجه مرة أخرى..

ولتكن معظمها ألعاباً جماعية ومهارات يدوية، أو مشاركتهم سماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام وتنظيم المسابقات والرسم، أو تعلم الطبخ ومساعدة الأم في بعض الأعمال المنزلية، كما يمكن اصطحابهم إلى ممارسة رياضة في الحديقة أو النادي..

كل ذلك يزيد من تنمية مهارات الأبناء الفكرية والحسية والنفسية والجسدية والسلوكية والصحية، ويقيناً سيشعر الأهل بالفارق من جهة التحصيل الدراسي لأبنائهم، إذ سيرتفع تلقائياً حبهم للمذاكرة نتيجة العلاقة والتفاهم بين الطرفين، وهو ما ينسج روحاً من المتعة والشغف والتواصل البناء».