وفاء الشامسي: القرب من الطلاب بوابة المعلم الناجح لربطهم باللغة العربية
أحبّت اللغة العربية، وأعطتها كثيراً من وقتها ومجهودها، حتى نالت لقب المعلّم المتميز، أطلقت العديد من المبادرات التي تحفز أبناء الجيل على حب القراءة والكتابة، ليكلل تعبها بفوزها بجائزة عزيزة على قلبها، كما جاء على لسانها، لكونها تحمل اسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيّب الله ثراه»..
هي وفاء ناصر حارب الشامسي، الحاصلة على جائزة خليفة التربوية في مجال الإبداع في تدريس اللغة العربية على مستوى الدولة ـ فئة المعلم المتميز، ومؤسس مبادرة «أنا كاتبة لامعة»، التقيناها لنقدّمها كنموذج مشرف للمعلم المبدع، ولنتعرف من خلالها إلى سرّ تعلقها بلغة الضاد، وشغفها بأن تربط طالباتها بها:
تخرجين عن نطاق المعلم التقليدي الذي يلتزم بتدريس المنهج فقط، فكيف استطعت إقامة علاقة وطيدة بالطالبات بعيداً عن النمطية؟
القرب من أبناء هذا الجيل أوّل بوابة يدخل منها المعلم الناجح، فشغفي بأن أتعرّف إلى كل طالبة أدرّسها ساعدني على أن أكون قريبة من الجميع، فهن بالنسبة إلي بناتي وصديقاتي في الوقت نفسه، ومن هنا جاء الإبداع في اللغة العربية، فبمجرد قربي منهن جعلهن يبدعن في لغة الضاد.
تحرصين على تحفيز طالباتك على كتابة الخواطر، فما أهمية أن يعبّر الإنسان عما يجول بداخله وعلاقة ذلك بتعزيز حب القراءة؟
أردّد على مسامع طالباتي أن الكتابة والقراءة وجهان لعملة واحدة، فكل كاتب هو قارئ عميق، كما أدخلت في قلوبهنّ حب الكتابة، من خلال تعبيري عنها بأنها متنفس لهن، وفضفة لقلمهنّ، ومن هنا بدأت طالباتي بالإبداع، وبالفعل نشرنا سوياً مقطعاً مصوراً نتحدث فيه عن أهمية الكتابة لطلاب العلم، وجعلت حصص اللغة العربية وسيلة بوح جميلة لطالباتي.
من خلال ملاحظاتك، ما نوعية الخواطر التي تكتبها الطالبات، وتعكس بالتأكيد نظرتهن للحياة؟
بما أنني معلمة لطالبات على مشارف ختام اثنتي عشرة سنة على مقاعد الدراسة، فأغلب الخواطر كانت عن لحظة التخرّج، وطموحاتهن المستقبلية في الحياة الجامعية، وأهدافهن في الحياة، كذلك يعبّرن عن حبهنّ للإمارات وحكامها، وحب الوالدين وأهمية الصداقة في حياتهن.
الإنسان يختبئ خلف كلماته وتحت لغته و«تكلم حتى أراك» مقولة اتفق معها
«تكلم حتى أراك» مقولة لسقراط تبرز أهمية الكلمة وقوّتها، فماذا تعني بالنسبة إليك؟
الإنسان يختبئ خلف كلماته، وتحت لغته، والحديث هو البوابة الأولى لقلوب الآخرين، وأتفق كثيراً مع هذه المقولة، فجوهر الإنسان في كلامه، وما ينطقه، وأتذكر قول الإمام علي بن أبي طالب «الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام».
تأخذين على عاتقك ربط أبناء الجيل باللغة العربية، فما نصيحتك الأساسية لهم لتعزيز ذلك؟
أن يدركوا أهمية اللغة العربيّة، وأنّ انطلاقتهم الأولى من خلال لغتهم حتى يصلوا لأوسع البقاع، وعليهم أن يقرأوا كثيراً ليبدعوا في كتاباتهم، فهي التي تغذي العقل، وتدعم القلم، وعليهم أن يتحدثوا بها، ولا يخلطوها باللهجة العاميّة، وأن يفتخروا بها، لأنها لغة القرآن الكريم.
أطلقت مبادرة «أنا كاتبة لامعة» في حب القراءة، هل لك أن تطلعينا على الهدف منها؟
«أنا كاتبة لامعة» تُعد أول مبادرة أطلقتها في حصص اللغة العربية، أي منذ سبعة عشر عاماً، وكان الهدف الأساسي منها أولاً التعرّف إلى طالباتي، وماذا يكتبن، وكنت شغوفة بأن أستمع لكلماتهن حتى أرى ما في أعماقهن من مشاعر، كذلك كان الهدف منها زرع حب الكتابة لدى الطالبات، ودعم مهارة القراءة، وقد آتت هذه المبادرة ثمارها بفوز الطالبات في العديد من المسابقات الخاصة بالكتابة والقراءة، على مستوى الدولة، وانتشرت حتى وصلت للخليج العربي، بمشاركة العديد من الطلاب في صفحة «شغف» على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» المهتمة بمهارات اللغة العربية.
كيف أثرت تلك المبادرة في ربط الطالبات بحب حصة اللغة العربية والتي تعد ثقيلة على بعض أبناء الجيل الحالي؟
دائماً ما أبدأ حصص العربية بمبادرات صفحة شغف التي منها «أنا كاتبة لامعة»، وقد زرعت هذه المبادرة في الطالبات حب حصص اللغة العربية، لأنني أجعل الطالبات يكتبن، ويتحدثن أمام زميلاتهن في ما كتب قلمهنّ، ولم أكتف بذلك، بل قمت بتقديم تغذية راجعة بنّاءة للطالبات حول كتاباتهن، وكذلك أجعل جميع الطالبات يعلّقن على ما يسمعن من كتابات.
«شغف» منصة لمن تعطشت روحه إلى القراءة والكتابة
أشرت إلى صفحة «شغف» نحو التميز والإبداع وهي مبادرة أخرى في حب القراءة، أطلعينا عليها أكثر والهدف منها؟
إنها منصة مهتمة بمهارات اللغة العربية، وأطلقت من خلالها العديد من المبادرات، منها: أنا كاتبة لامعة، أجمل ما قرأت، قدوتي، من أنت؟، كلماتك عنوانك.. وحقيقة كنت أشرك طالباتي في اختيار مبادرات أخرى لدعم اللغة العربية، فهذه الصفحة هي لطالباتي ولجميع طلاب الإمارات، وخارجها، وكذلك للمعلمين، ونشرت العديد من الكتابات لهم، كذلك فازت هذه الصفحة بالمركز الأول المحلي، والثاني على مستوى الوطن العربي في الإبداع والابتكار، أي منصة خاصة لمن تعطّشت روحه إلى لقراءة والكتابة.
كيف تزرع الأم حب القراءة في نفوس أبنائها، في ظل الموجة الشرسة للتكنولوجيا التي أخذتهم بعيداً عن الكتاب؟
هناك دور كبير على عاتق العائلة بشكل عام، والأم على وجه الخصوص، في دعم أبنائها وزرع حب القراءة في نفوسهم، وعليها تشجيعهم على ارتياد المكتبات باستمرار، ومشاركتهم الكتب التي يقرأونها، ومن الممكن أن تعقد جلسة حوارية معهم حول الكتب التي حازت على إعجابهم، ومكافأة الأكثر تركيزاً في قراءته، فالأهم هو فهم المقروء، والاستفادة منه، ونصيحة أخيرة للأم: عليك أن تحببي أبناءك بالكتاب الورقي الذي فقد مكانته في ظل التقدم التكنولوجي الكبير، واستبداله بالكتاب الإلكتروني.
قدمت بحثاً عن أثر استخدام تطبيق الشات «جي بي تي» في إكساب الطالبات مهارات اللغة العربية، فما أهميته؟
التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وعلى المعلم أن يكون ذكياً في التعامل معها في الحصص الدراسية، فوجدت حباً من الطالبات لاستخدام تطبيق الشات «جي بي تي»، مثل رسم المخططات الذهنية لدروس النحو، واستخدامه في مهارة التلخيص، وتعويد الطالبات على التعلم الذاتي للنقاط التي تصعب عليهن، فالمعلم يجب أن يكون مواكباً للتطورات التي تشهدها الإمارات وإدخال التكنولوجيا للتعليم، ولكن بتوجيه من المعلم.
فزت بجائزة خليفة التربوية في دورتها 17، حدثينا عن هذا الإنجاز والأثر الذي تركه في نفسك.
إنجاز كبير بالنسبة إلي أن أفوز بجائزة تحمل اسم المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، وأن تكون أول جائزة لي تحمل اسم الإبداع في تدريس اللغة العربية، فهو فوز للإمارات، وللقيادة الرشيدة التي لم تقصّر معنا في شيء، وهذا أعتبره نوعاً من رد الجميل، لكوني أمثل المعلمة الإماراتية، فهي بالتأكيد محطة جميلة ستبقى قابعة في قلبي، وإنجاز لمدرستي، وإدارتها التي عززت التميز داخل نفوس معلميها، كما أنها فخر لعائلتي التي ساندتني، ولطالباتي المحبّات للغة العربية.
هل فكرت في خوض تجربة التأليف وترك بصمة في عوالم الكتابة والأدب؟
منذ صغري والقلم رفيق لي، ويرتحل معي أينما ذهبت، وبالفعل لي العديد من الكتابات التي نشرتها على صفحة «شغف»، وكذلك العديد من الصحف المحلية، وها أنا اليوم جمعت كل كتاباتي حتى أنشرها في كتاب خاص بي سيرى النور قريباً.
من الذي عزز بداخلك حب القراءة؟
الشغف الذي بداخلي هو الذي دفعني أن أقلّب صفحات الكتب، فمنذ كنت صغيرة عشقت أن أرتحل بين عوالم الكتب، وهو ما لاحظته والدتي حفظها الله، والتي رأت تعلقي بالكتب، فكانت حريصة على أن تصطحبني للمكتبات باستمرار، وكنت أسرد عليها كل ليلة عن كتاب أحببته وتعلمت منه معلومة جديدة.
ما أحلامك على الصعيدين الشخصي والعملي؟
لا يستطيع الإنسان أن يتوقف لحظة عن الحلم، فأحلامي كثيرة، أولها أن أكون قدوة لأبنائي في الاجتهاد والإبداع، وأن يقدموا لدولتنا الحبيبة مثل ما قدمته وأكثر، وعلى الصعيد العملي، أتمنى أن تُستثمر جهودي في حبي للغة العربية، وأن أكون في منصب أعلى لكي أخدمها، وأنقل تجربتي لزملائي على نطاق أوسع، وأن أكون إعلامية كما كان حلمي منذ الصغر.