د.عائشة الحمادي: دورنا كمصممين مناهج توعية الطالب بأن تدريس النحو وقواعده وسيلة لتعلم اللغة
تنتمي لأسرة محبة للعلم والثقافة، كرس قطباها حياتهما لإنجاح أبنائهما، إذ تجد الأم تحرص على القراءة والاطلاع، والأب رغم عدم التحاقه بنظام التعليم في المدارس إلا أنه يعقد جلسات لقراءة الكتب ومناقشة محتواها مع أبنائه، كل تلك الأجواء حفزت بداخل الابنة حب القراءة والثقافة والاطلاع، فتخصصت في دراسة اللغة العربية وتراكيبها النحوية، وحصلت على الماجستير في اللغة والنحو في جامعة الشارقة.
هي الدكتورة عائشة الحمادي، عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية في كليات التقنية العليا بالشارقة، والمنسق العام للجنة اللغة العربية على مستوى كليات التقنية، التقيناها لنتعرف إلى طبيعة عملها ودورها الأكاديمي:
تتقلدين منصب المنسق العام للجنة العلمية بقسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية في برنامج الدراسات العامة بكليات التقنية العليا، حدثينا عن الهدف منه وطبيعة عملك في تلك اللجنة.
التحقت بالعمل في كليات التقنية العليا للطالبات بالشارقة العام 2014، كمحاضرة جامعية في البرنامج، الذي يهدف إلى تزويد الطلبة وتحديداً من ينتمون للسنة الأولى بمهارات التواصل باللغة العربية والإنجليزية، وتطويرها تماشياً مع رؤية الدولة، وبلورة جهودها في تعزيز مكانة لغتنا الأم بين طلبة وطالبات كليات التقنية، ومما يؤهلهم في المستقبل للتواصل الفاعل مع المجتمع المحلي والوظيفي بكفاءة، وتقوم اللجنة العلمية في قسم اللغة العربية بإعداد الخطط التطويرية، لتحسين مخرجات التعلم وما يتطلبه من تطوير المناهج وأدوات التقييم، لسد الفجوة ما بين مدخلات ومخرجات العملية التعليمية، وبفضل من الله وبحمده استطاعت اللجنة الاستفادة من تجربة التعليم الافتراضي خلال فترة جائحة «كورونا» وتطوير المنهاج بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل ومهارات القرن 21.
ما أهم منجزات تلك اللجنة؟
تضم اللجنة نخبة من الخبراء والمختصين في تصميم المناهج والاختبارات، ويعد تصميم منهاج خاص بمساق مهارات التواصل باللغة العربية بعنوان «نصوص من الأدب الإماراتي» من أهم إنجاراتها، ويضم المساق بين دفتيه نصوصاً من فن المقالة والقصة والشعر لأبرز الكتاب والأدباء الإماراتيين، بجانب إضافة مهارة صناعة المحتوى الرقمي كمشروع للمساق بما يتوافق مع ثورة العالم الرقمي.
تتنوع مساقات قسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية، حدثينا عنها، وكذلك طبيعة عمل لجنة المعادلة.
يطرح قسم اللغة العربية والدراسات الإماراتية ثلاثة مساقات ضمن متطلبات الدراسات العامة في الكلية، مساق مهارات التواصل باللغة العربية، ومساق الثقافة الإسلامية، ومساق الدراسات الإماراتية بالإضافة إلى مساق رابع (خاص) بالفصل الصيفي للناطقين بغير العربية، وقمنا بتصميم اختبار خاص ضمن معايير وشروط تتوافق مع متطلبات دراسة هذا المساق كما تم توفير مساقي الثقافة الإسلامية والدراسات الإماراتية باللغة الإنجليزية لهذه الفئة، مما يسهم في اجتيازهم لمتطلبات الدراسات العامة بالبرنامج، كما يهتم القسم بتعزيز مكانة اللغة الأم بين موظفي كليات التقنية من خلال طرح دورات لتعليم اللغة العربية، أما بالنسبة إلى الطلبة الذين ينتقلون إلى الكلية من مؤسسات التعليم العالي فإن لجنة المعادلة هي المسؤولة عن معادلة شهاداتهم في مساق اللغة العربية، وذلك بالنظر للخطة وتوصيف المساق وغيرها من متطلبات المعادلة.
طلابنا يفهمون المعنى السطحي والمباشر للنص، لكنهم يحتاجون إلى أداة تساعدهم على تنمية الذائقة الأدبية
للأدب العربي طرق عدة لتدريسه، حدثينا عن أفضلها من وجهة نظرك.
أفضل طريقة لتدريس الأدب في المرحلة الجامعية الانطلاق من مستويات اللغة وخصائص النص الأسلوبية، وتمكين المتعلمين من أدوات تحليل النص وتفسيره، عن طريق التعلم النشط واستراتيجيات التفكير الناقد، فطلابنا يفهمون المعنى السطحي والمباشر للنص، لكنهم يحتاجون إلى أداة تساعدهم على تنمية الذائقة الأدبية من خلال الفهم العميق للغة العربية وأسرارها وقواعدها وخصائصها، وهنا تبرز أهمية القراءة الحرة والذاتية ودورها في تشكيل ثقافة الطالب وشخصيته وتنمية خبراته ومعارفه ومعلوماته، وطلابنا للأسف ينقصهم هذا الشغف فهي ثقافة مجتمع نحتاج إلى تعزيزها بين الأجيال.
دائماً ما تطالبين بتدريس النحو والصرف بالطريقة الاستقرائية، فهل تسهل تلك الطرق على الطلبة الفهم؟
هناك نقطة مهمة يجب أن ننتبه إليها كمصممين مناهج وهي أن تدريس النحو وقواعده وسيلة لتعلم اللغة وليس غاية، وهو من أهم أدوات تحليل النصوص وتفسيرها، كما أن تعلم قواعد النحو والإعراب بهذه الطريقة يعتمد على طبيعة المتعلم واستعداده الذهني والعقلي، فهي تنمي لدى الطلبة مهارة التفكير الناقد لأنها تعتمد على التفكير المنطقي وتعمل على إرساء النظام اللغوي في الذهن، وإقامة اللسان وتجنب اللحن، والإشكالية التي نعانيها عند تصميم المناهج أو اختيار طريقة تدريس النحو أننا نركز على الجانب المعياري والقاعدة أكثر من الدلالة والمعنى أو بالأحرى المنتج الوظيفي للغة كالتحدث أوالكتابة، فالنحو أداة ووسيلة تساعد على تعلم طرق التعبير عن الأفكار والمشاعر باللغة العربية، ويتم قياسها من خلال كتابات الطلبة وأعمالهم أو من خلال تقديمه لمشروع المادة وتقديم التغذية الراجعة المناسبة لقدراته، فالطالب في مرحلة رياض الأطفال يستطيع اكتساب اللغة سماعياً ولعل المستوى الصوتي للغة من أهم مستويات التعلم في هذه المرحلة والتي تتمثل في تعلم الحروف وأصوات اللغة وقراءتها، أما في الابتدائية يبدأ العناية بتعلم كتابة الأحرف والكلمات والنسخ والخط إلى جانب القراءة وفهم المعاني، ثم ينتقل بعد العشرة أعوام لتعلم قواعد النحو والأساسية كأقسام الكلمة وأنواع الجمل التي تساعده على التعبير شفوياً وكتابياً بشكل صحيح، وهكذا يجب علينا ألا نغفل طبيعة المتعلم وقدراته الذهنية عند تطبيق أي طريقة للتعليم، وخاصة عند التعامل مع قواعد النحو والإعراب.
كان حلمي أكون طبيبة في قسم الأشعة لكن نزولاً عند رغبة الوالد التحقت بقسم الشريعة واللغة العربية
حدثينا عن نشأتك وتأثيرها في تذوقك اللغة وآدابها، وهل مرحلة الطفولة ساهمت في تشكيل اتجاهاتك الأدبية؟
نشأت في إمارة دبي في كنف أسرة محبة للعلم والثقافة، فوالدتي كانت تجلس في الصباح لتصفح الجرائد اليومية ووالدي يعقد لنا في كل مساء جلسة قراءة لجزء من كتاب يخصصه في كل شهر، ومع أنّ والدي لم يلتحق بنظام التعليم في المدارس إلا أنه كان حريصاً جداً على أن يأخذنا كل عام إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب لنشتري القصص والكتب وهذه التربية هي التي أشعلت فينا حب القراءة والثقافة والاطلاع، وبما أني الأخت الكبيرة فكنت أحرص على تعليم إخوتي القراءة ونسخ الحروف في مرحلة رياض الأطفال ولي ذكريات ومواقف طريفة وجميلة لعبت فيها دور المعلمة على أخواتي وثقها الوالد في مقاطع فيديو، ومع مرور الأيام أصبحت معلمة لغة عربية مع أني تخرجت في ثانوية الاتحاد القسم العلمي وكان حلمي أكون طبيبة في قسم الأشعة لكن نزولاً عند رغبة الوالد التحقت بقسم الشريعة واللغة العربية.
وهل فترة الدراسة كان لها دور في تعزيز ارتباطك باللغة العربية؟
للمدرسين دور كبير في فترة الدراسة وترك الأثر الطيب، أما في المرحلة الجامعية أتذكر بأنه تم تكريمي بجائزة من قبل إدارة الجامعة لأنني كنت من الذين حصلوا على درجة امتياز في النحو، ونظراً لطبيعة دراستي التي تجمع ما بين علوم اللغة والشريعة أميل إلى كتب التراث والأدب القديم والبيان القرآني، وطبعاً كان لمنحة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، للدراسات العليا في جامعة الشارقة الأثر الأكبر من بعد الله في بلورة الأفكار وإعادة قراءة التراث وإحيائه.
هل لك اهتمامات أخرى تمارسينها وتخصصين بعض الوقت للاهتمام بها؟
أهتم بمجال البحث العلمي وتحديداً اللسانيات التطبيقية، ونشرت عدة أبحاث في الدلالة النحوية والدراسات الأسلوبية، كما شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية ونشرت ورقة بحثية بعنوان «دور الوسائط التفاعلية في التعلم والتعليم»، وأعمل حالياً على نشر دراسة عن ظاهرة التداخل بين الأجناس الأدبية في التراث، كما أجد اهتمامي في مجال التدريب والتطوير المهني، وقد تطوعت في مركز التدريب المهني بعجمان، وقدمت أكثر من ورشة ودورة تدريبية لأكثر من 700 معلم ومعلمة في وزارة التربية والتعليم، وتم تكريمي بدرع تقدير خلال شهر القراءة، كما أهتم بتقنيات التعليم وتطويعها لخدمة العربية.
ماذا عن أسرتك ودورها في صياغة واقعك؟
الحمد لله وبفضله رزقني الله بذرية البنات، ثلاثة منهن في الجامعة نورة تدرس الطب، وحصة وعالية تدرسان الهندسة في جامعة الشارقة، وللأسرة دور كبير طبعاً فيما وصلت إليه ابتداء من والدي ووالدتي ووصولاً إلى زوجي سندي الدائم.
هل لك أن تطلعينا على أهدافك المستقبلية؟
أتوجه بجزيل الشكر والعرفان لقيادتنا الرشيدة ودورها في دعم المرأة وتمكينها، والحمد لله أننا في الإمارات ومن بداية الاتحاد حصلت المرأة على كامل فرصها في التعلم والتعليم والوظيفة، وهذا يجعلنا نتطلع للمزيد دائماً بما يصب في تطور منظومة التعليم في الدولة من جهة، وإحياء التراث واللغة من جهة أخرى، وينصب هدفي في أن أترك أثراً في مجال اللسانيات التطبيقية والأسلوبية، وتحديداً في تعليم اللغات بما يسهم في تطوير تعلم اللغة العربية في الدولة.
* تصوير: السيد رمضان