مع زيادة معدلات التحرش الجنسي بالأطفال التي رافقت دخول التكنولوجيا المتقدمة والتي كشفت عنها الدراسات، لا يزال الكثير من الآباء والأمهات بعيدين كل البعد عن مسألة تثقيف أطفالهم بالتحرش الجنسي ومعرفة الطرق اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الحوادث، تحكمهم ثقافة «العيب والخجل» التي تقف حاجزاً للحد من الوقاية وتبعاتها النفسية على الطفل.
فما هي الأعراض التي يجب على الوالدين رصدها للتعرف إذا ما تعرض طفلهما للتحرش؟
وكيف يمكن توعية الطفل تجاه هذه السلوكيات؟
وما هي الخطوات الواجب على الوالدين اتباعها لتوفير قدر كافٍ من الحماية له؟
ترصد أميرة المرزوقي، رئيس قسم الاستشارات النفسية والأسرية في مؤسسة التنمية الأسرية في الشارقة وفروعها، وجود الكثير من الدراسات والإحصاءات التي تؤكد ارتفاع حالات التحرش الجنسي بالأطفال، وتتوقف عند أهمية العامل التوعوي في القضاء عليها أو الحد منها «يتمكن الطفل من الحفاظ على نفسه ويتجنب التعرض لهذا الفعل بالفهم والتوعية حيث يكون الحوار الخطوة الأساسية والأولى لتعليمه ما هو التحرش الجسدي وما هو التحرش اللفظي والإجابة على الأسئلة التي تمر على ذهنه ويتطرق بالحديث عنها مع أسرته».
خطوات تساعد على حماية الطفل من التحرش:
تبين المرزوقي تأثير رد فعل الأسرة ودورها «هي مصدر الأمان، فكلما كان رد الفعل أكثر حكمة وضبطاً للنفس كلما كان التواصل أكثر فاعلية ونجاحاً، ما ينعكس على سلوكه، أي «الطفل»، وبالتالي يصبح التغيير إيجابياً».
تؤكد المرزوقي جملة من النقاط والخطوات التي تساعد على حمايته من التحرش:
- استخدام أسلوب مبسط يتناسب مع إدراك عمر الطفل ومستوى تفكيره
- تدريب الطفل على استخدام تكنيك يحميه من التعرض للتحرش، منها الصراخ بأعلى صوت ممكن ومن ثم الهروب أو اللجوء لأي شخص كبير بالقرب منه
لماذا يخفي الطفل تعرضه للاعتداء؟
تكمن وراء تعمد الطفل عدم التصريح وإخفاء تعرضه للاعتداء أسباب مختلفة تشير لها المستشار النفسي والأسري الدكتورة آمال زكريا النمر :
- الخوف من المتحرش
دائماً ما يسعى المعتدي «المتحرش» لتهديد الطفل مسبباً له الشعور بالخوف
- عقدة الإحساس بالذنب
ثقافتنا الإسلامية والعربية، التي تعتمد مبدأ تحريم لمس هذه المناطق الحساسة من قبل الغرباء وعدم كشفها أمام الآخرين، تزيد عقدة الإحساس بالذنب والخجل عند الطفل كأنه هو المسؤول عما حدث مسبباً صراعاً داخلياً يكون محفوفاً بالسرية
الآثار النفسية للتحرش
يتسبب الاعتداء على الطفل أبعاداً نفسية قريبة وبعيدة المدى تكشفها الدكتورة آمال زكريا:
- بينما يظهر بعض الأطفال وبشكل غير مباشر يتكتم القسم الآخر ليكشفوا عن الأمر بعد أن ينضجوا ويصبحوا على مشارف الارتباط والزواج
- أو يبقى الحادث في طي الكتمان حتى يصبح الفرد مجبراً على زيارة المختص النفسي ليتعالج من تبعات الحادث
- في الوقت الذي يجد فيه الطفل الحاجة لإيصال المعلومة لوالديه، لا تمنحه حصيلته اللغوية فرصة البوح وإيصال ما تعرض له كأنه يقول وبطريقة غير مباشرة إن مسؤولية الوالدين معرفة ما يتعرض له
- يمكن أن تكون الحادثة سبباً في إحساس الطفل برغبة تقليد وتكرار ما حدث مع أشخاص آخرين وبذلك يصبح متحرشاً أو معتدياً
توضح الدكتورة آمال زكريا النمر الأعراض التي يمكن من خلالها اكتشاف تعرض الطفل للتحرش:
- شكوى الطفل من ألم في المنطقة الحساسة
- رفض دخول الحمام وتغيير ملابسه بخلاف ما اعتاد عليه
- فقدان الشهية وعدم الرغبة للأكل
- الانطوائية والابتعاد عن الآخرين
- الإحساس بالخوف
- علامات انزعاج أثناء قضاء حاجته
هل ساهمت التكنولوجيا في زيادة حالات التحرش؟
فيما تشير الخبيرة الاجتماعية والأسرية الدكتورة رقية الرئيسي إلى تأثير الثورة التكنولوجية وسهولة الوصول للمحتوى الجنسي والمقاطع اللاأخلاقية على شبكة الإنترنت في زيادة حالات التحرش الجنسي التي لم تتوقف عند النساء بل أصبحت موجهة بشكل أكبر نحو الأطفال الذين يتوجب توعيتهم بها وتوفير الحماية لهم بأكبر قدر ممكن.
المتحرش أقرب مما نتصور
توضح الدكتورة رقية الرئيسي «تهاون الأهل وعدم الوعي مع بعض العلاقات من أهم أسباب تعرض الطفل للتحرش، وتبعاً للإحصائيات فإن 7% فقط من المتحرشين هم غرباء، و59% هم معارف وأصدقاء، و34% هم من أفراد العائلة، وبالتالي فإن معظم الحالات التي يتم التحرش فيها تكون من قبل شخص معروف بالنسبة للطفل ويثق به، كالأشخاص الذين يعتنون بالأطفال والخدم والسائقين أو جيران وأصدقاء الأهل إضافة إلى أطفال من نفس الفئة العمرية أو أكبر».
أسباب التحرش الجنسي بالأطفال
تكشف الدكتورة رقية الرئيسي أسباب التحرش الجنسي بالأطفال وفقاً لإحدى الدراسات التي أجرتها الأخصائية النفسية د. آمال النمر في إدارة التنمية الأسرية وفروعها بالشارقة:
أسباب اجتماعية:
- ضعف الحوار الإيجابي بين الآباء والأبناء.
- قسوة وتسلط الوالدين مع الأبناء.
- الثقة الزائدة في الأقارب والمحيطين بالطفل.
- التعري أمام الطفل.
- مداعبة الزوجين أما الأبناء.
- ضعف الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية من قبل الوالدين.
- كثرة وشدة المشكلات الأسرية.
- ضعف الرقابة الأسرية أثناء لعب الأطفال ومشاهدة التلفاز.
- سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
أسباب انفعالية:
- عدم شعور الطفل بالأمان النفسي.
- افتقاد الطفل الحنان الأسري.
- ضعف ثقة الطفل بنفسه.
- شعور الطفل بالخوف من الوالدين.
أسباب معرفية:
- عدم وعي الآباء بالنمو النفسي للطفل.
- ضعف الوعي الثقافي والتربوي للأبوين لظاهرة التحرش الجنسي.
- عدم وعي الآباء بأساليب التنشئة الاجتماعية الصحيحة.
- ضعف التوعية الجنسية المقدمة للأطفال من مختلف الأعمار.
- ضعف قنوات المعلومات بين الوالدين والأبناء.
أسباب دينية:
- التخلي عن مراعاة الحلال والحرام في جميع سلوكيات الأسرة.
- عدم تعزيز الطفل سلوكياته ذات المرجعية الدينية الصحيحة.
أسباب مرضية:
- المرض النفسي للفرد المتحرش.
- المرض النفسي للطفل المتحرش به.
- المرض النفسي للمناخ الأسري كله.
أسباب خارجية:
- عدم وجود رقابة كافية لأجزاء المدرسة.
- ضعف التوعية الدينية من قبل المدرسة.
- ضعف دور المرشد النفسي والأخصائي الاجتماعي.
- الانفتاح الثقافي.
- التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصال السمعية والبصرية، ووفقاً للدراسة فإن 98 % من حالات التحرش الجنسي سببها المواد الإعلامية التي توحي بسلوكيات وغرائز جنسية.
توفير حماية للأطفال من التحرش الجنسي يتطلب مجهوداً كبيراً يبدأ بتوعية الطفل تجاه هذا الفعل، بدايةً من مرحلة ما بعد العامين حيث يبدأ في اكتشاف نفسه وتكوين شخصية سوية نفسياً وهذا ما لا يمكن تحقيقه بحسب الرئيسي إلا من خلال:
- ضرورة امتلاك الوالدين الوعي المعرفي والمهاري والوجداني لكيفية تقديم الحب والحنان للطفل.
- الرد على أسئلة الطفل الطبيعية في هذه المرحلة وعدم الخجل من الحديث معه.
- توعيتهم بحدود العلاقة مع الآخرين من الغرباء وحتى الأقارب والخطوط الحمراء التي يجب ألا تجعل أي شخص أياً كانت صلته به أن يتخطاها للحفاظ عليه من التعرض لأي تصرف شاذ وغير سوي.
- عدم تركهم مع المربية أو عاملة المنزل دون مراقبة.
- مراقبة الطفل وعدم السماح له بالمبيت خارج المنزل دون إشراف من قبل والديه.
- توعية الطفل تجاه السلوكيات الشاذة وتعزيز ثقافته الجنسية دون ترهيب.
- بناء علاقة مع الطفل يسودها الود والثقة والصدق، حتى لا يخفي شيئاً يحدث معه عن والديه مهما كان بسيطاً.
دور الأب والأم في التوعية
تؤمن الكاتبة ديمة العلمي، صاحبة كتاب «هذا جسمي لا تلمسني» وهو أحد أهم الكتب القصصية القصيرة المصورة الموجهة للأطفال، بأهمية تشجيع كل أب وأم على التحدث مع أطفالهما وتوعيتهما حول الانتباه لسلامة أجسادهم إيماناً بمسؤوليتهم في تمكينهم من حمايتها، وعدم الخوف من البوح عما في داخلهم في حال تعرضهم لأي أمر غير طبيعي، بعد أن كشف نوعان من الإحصائيات التي أجريت عن قضايا الاعتداء الجنسي للأطفال أن نسبة 60% من الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء لا يخبرون ذويهم بما تعرضوا له، و90% منهم كان الجاني أو المعتدي هو من فئة الأقارب، و10% فقط هم من تم الاعتداء عليه من قبل أشخاص غرباء.
تشير العلمي في أجزاء كتابها لأهمية انتباه الأب والأم لبعض القضايا المهمة وإيصالها لهم بصورة صحيحة، منها:
- توعيتهم لملكية الجسد وطريقة التعامل مع الآخرين في حال تمت ملامسة أجسادهم.
- تعريف الأطفال بالمسميات الصحيحة لأعضاء الجسم وتجنب استخدام الأسماء المستعارة مما يقلل من نسب تعرضهم لخطر الاعتداء.
- تعريفهم الفرق بين السر والمفاجأة، حيث يعمد الجاني بعد الاعتداء على الطفل استخدام جملة «هذا سر لا تخبر به أحداً» لمنع الطفل من إخبار أهله عندما حصل معه وبالتالي شعوره بالحزن والضيق، أما المفاجأة فهي الطريقة التي تستخدم لإسعاد الطفل كالتحضير لحفل عيد ميلاد أو أي مناسبة تشعره بالسعادة.
- دائرة الأمان، عادةً ما يشعر الطفل بالارتياح والأمان مع أشخاص معينين بغض النظر عن الوالدين أو الأخوة وهو شيء جميل فمن الممكن أن يكونوا أصدقاء أو أقارب ولكن بالوقت نفسه من الضروري أن يعرف الطفل بأنه لا يحق لأي أحد على وجه الكرة الأرضية أن يلمس جسمه بصورة خطأ حتى وإن كانوا ضمن هذه الدائرة.
- خطة الأمان، الاتفاق مع الطفل على خطة أمان ينفذها في حال شعر بأمر غير طبيعي خرج عن سيطرته، وتذكيره بضرورة تطبيقها في حال لم يكونوا بالقرب منه.