تلعب العلاقة بين الفتاة وأمها دوراً محورياً في تشكيل شخصيتها وتحديد مسار علاقاتها العاطفية والاجتماعية، وهي من أهم العلاقات والأكثر تأثيراً على نموها العاطفي والنفسي، ما يجعلها أساساً لعلاقتها اللاحقة مع الزوج والأبناء والمحيط.
لاما مارديني
في هذا الصدد، تشرح لاما مارديني، مرشدة وعي وحب الذات، «مفاعيل» العلاقة الصحية بين الفتاة والأم في بناء ثقة الفتيات بأنفسهن وتعزيز علاقاتهن الإيجابية مع أنفسهن ومع الآخرين، ما يؤسس لبيئة أسرية صحية ومستقرة.
تقول: «عدم وجود علاقة سليمة مع الأم ينعكس بشكل كبير على مشاعر الفتاة، ما يجعلها مضطربة وتفتقد القبول والحب، ويخلق هذا الوضع إحساساً بالنقص والتوتر الدائم والغضب..
نظراً لأن الأم هي البوابة التي جئنا عبرها إلى هذا العالم، وتربطنا بها علاقة مميزة تختلف عن علاقتنا بالأب، حيث تأثرنا بطاقتها ودقات قلبها خلال تسعة أشهر من الحمل».
وتوضح «إذا افتقدت هذه العلاقة للحب، التفاهم، الهدوء، والحنان، وشابها الرفض أو الهجران، وسادها التحكم أو السيطرة والقسوة..
فإن ذلك يترك آثاراً سلبية على الطرفين لكون الفتيات اللواتي يعانين من مشكلات قوية مع أمهاتهنّ يواجهن احتمال تكرار هذه المشكلات مع أطفالهنّ وعلى صعيد علاقاتهنّ بالرجل -شريك الحياة..
ولذا، يُعدّ إصلاح العلاقة مع النفس أول خطوة لتحسين العلاقة مع الآخرين، يليها تحسين العلاقة مع الأم باعتبارها الأكثر تأثيراً ويتطلب الأمر التصالح مع ماضيهن وعلاقتهن بأمهاتهن ليتمكنَّ من أن يصبحن أمهات أفضل».
تشارك مارديني تجربتها الشخصية بحيث تتلمس الفارق الكبير الذي شعرت به عندما كانت علاقتها بأمها متوترة مقارنة بالوقت الذي طغى فيه الحب والاحترام على العلاقة..
مؤكدة أن التغيير بدأ من داخلها «بعض الفتيات ينتظرن التغيير من أمهاتهن ويتحدثن عنهن بطريقة سلبية، بينما يجب أن تتغير الفتاة بعد الـ18 عاماً لتحسّن علاقتها بأمها، لأنّ هذه العملية تسلسلية، وأنه إذا لم يتم كسر حلقة هذا الصراع العائلي، فإنها ستستمر لأجيال».
«مطبات» العلاقة بين الفتاة والأم
من أبرز المشكلات التي تواجه العلاقة بين الأم وابنتها:
- القسوة: تعتقد بعض الأمهات أن استخدام القسوة والتعنيف اللفظي قد يجعل بناتهن أقوى وأكثر نجاحاً، ولكن هذا النهج غالباً ما يؤدي إلى تدمير ثقة الفتيات بأنفسهن.
- التحكم والسيطرة: عندما تسمع الفتاة من أمها عبارات سلبية متكررة مثل «أنتِ كسولة» أو «أنتِ لا تفهمين» أو أوامر بأسلوب فج، فإنها تأخذ هذه الكلمات على محمل الجد وتتبناها كحقائق غير قابلة للتغيير.
- الرفض: غالباً ما تكون الأمهات غير مستعدات لدور الأمومة بسبب ضغوط زوجية ومادية أو بسبب تفضيل جنس معين للمولود، ويترجمن هذه الضغوط برفض الأطفال، حتى لو لم يكن الرفض «واعياً»، ما يشعر الفتيات بالعار والذنب وتنتقل هذه المشاعر السلبية عبر الأجيال لتتكرّر الأنماط السلوكية الخاطئة نفسها.
أصعب الحالات «الإشكالية»
تشير مارديني إلى أن أصعب الحالات التي واجهتها هي تلك التي تعرضت فيها الفتيات لتعنيف جسدي شديد أو تحرش من قبل أحدهم ولم تتعامل الأم بشكل صحي مع الواقعة «الفتيات اللواتي يعانين من إحساس بالغضب تجاه أمهاتهن بسبب هذه التجارب الصعبة يحتجن إلى مساعدة متخصصة لفهم خلفيات سلوكيات أمهاتهن والعمل على مسامحتهن..
فالفهم الحقيقي للأسباب وراء سلوك الأم قد يسهم في تغيير نظرة الفتاة لها، حيث تدرك أن الأم قد تكون عاشت ظروفاً صعبة ولم تملك الوعي الكافي أو الأدوات اللازمة للتعامل بطريقة صحيحة».
إذاً، عملية التغيير تبدأ بالتفهم والتسامح، تشير مارديني إلى «أن العديد من الفتيات اللواتي شاركن في جلسات العلاج والتدريب شهدن تحسناً كبيراً في علاقتهن بأمهاتهن انعكس بشكل إيجابي على حياتهن بالكامل، بدلاً من التوتر والغضب المستمر».
نصائح لتحسين العلاقة بين البنت وأمها
تؤكد مارديني أن التغيير يبدأ من الداخل «عندما تتحسن العلاقة مع الأم، ينعكس ذلك إيجاباً على العلاقات الأخرى في حياة الفتاة»..
وثمة خطوات لتحسين العلاقة بين الأم وابنتها وإرساء فهم عميق وتغيير في النهج والتعامل، أهمها:
- التوقف عن إصدار الأحكام: أول خطوة هي التوقف عن وصف الأم بصفات سلبية مثل «نرجسية» أو «قاسية» وغيرها من أحكام تزيد التوتر وتمنع التواصل الفعّال.
- تفهم الظروف: إدراك أن تصرفات الأم قد تكون ناتجة عن تجارب صعبة يساعدك على التعامل معها بتفهم أكثر.
- رؤية الأمور بمنظور مختلف: بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية، حاولي البحث عن الدروس التي تعلمتها من علاقتك بأمك، فقد تكون قسوتها علمتك الصبر أو القوة.
- التعاطف والرحمة: حاولي رؤية أمك كإنسان يخطئ ويصيب، فالتعاطف معها ومعرفة أن نواياها قد تكون جيدة يساعد على ردم الفجوة بينكما.
- الاعتناء بالطفل الداخلي فيك: أعطي نفسك الحب والحنان الذي ربما لم تتلقّيه من أمك، كوني الأم التي تحتاجينها لطفلك الداخلي.
- تعلمي وضع حدود بطريقة صحية بعيدة عن العنف: إذا أساءت أمك التصرف، عبّري لها عن تأثير كلماتها وسلوكها عليك بهدوء واحترام، على سبيل المثال، يمكن للابنة أن تقول لأمها: «عندما أسمع هذا الكلام، أشعر بالأذى، وأعلم أنك تحبينني لكن هذه الكلمات تؤثر علّي»، ما يجنّبهما الاتهامات ويعزز التفاهم والاحترام المتبادل.
- الاستعانة بمختص: إذا لم تستطيعي القيام بهذه الخطوات بمفردك، لا تترددي في طلب مساعدة مختص في العلاج النفسي لمساعدتك في معالجة صدمات الطفولة وتحرير المشاعر.
- الاستفادة من الموارد المتاحة: تابعي ورش العمل المجانية والمحتوى التعليمي المتاح على الإنترنت. على سبيل المثال، تقدم مارديني على اليوتيوب ورشة مجانية حول تحسين العلاقة مع الأم وكيفية التعامل مع الطفل الداخلي وهذا النمط من الورش أثّر إيجاباً على العديد من النساء وأرسى علاقات صحية مع أمهاتهن والعالم من حولهنّ.