07 أبريل 2022

د. حسن مدن يكتب: الاسترخاء أم إدمان العمل؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: الاسترخاء أم إدمان العمل؟

حتى زمن ليس ببعيد، وربما حتى اليوم، على الأقل في بعض المجتمعات والثقافات، ينظر إلى الاسترخاء كما لو كان نقيضاً للفضيلة، والقائلون بذلك يرون أن الوقت الذي يمنحه الإنسان للاسترخاء والراحة يجب أن ينفق في العمل والإنجاز، فالاسترخاء، بنظرهم، ضرباً من الترف في حياة البشر المملوءة بالواجبات والمهام.

وينقل عن باحث في الفلسفة بجامعة كامبريدج، اسمه ساندي غرانت، قوله «بدلاً من الاستمتاع بالسيارات التي لا يملك الآخرون المال الكافي لشرائها أو الرحلات الفاخرة التي لا يستطيع الآخرون توفير نفقاتها، ماذا لو تخلينا عن المتع التي تجرح مشاعر الآخرين أو تستغلهم؟»، لكن من قال إن الاسترخاء هو في الاستمتاع بالسيارات الفارهة أو الرحلات الفاخرة، فهناك أنشطة كثيرة لا تتطلب المال الكثير، ولا تجرح شعور أحد، يمكن أن تحقق للإنسان ما يحتاج إليه جسده وذهنه من استرخاء، ليس فقط ليجدد طاقته من أجل مواصلة العمل، وإنما أيضاً لأن في الحياة ما يستحق الاستمتاع به.

من الأمور التي يمكن الاستمتاع بها ممارسة الرياضة، والاستمتاع بسماع الموسيقى والأغاني ومشاهدة الأفلام والمسرحيات، وحتى قراءة الروايات ومختلف أنواع الكتب التي تصادف في نفوسنا هوى؛ بل إن بعض الأخصائيين النفسيين يضعون القراءة في المرتبة الأولى في قائمة الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء، ويليها المشي بين أحضان الطبيعة الذي «يساعدنا على وضع الأمور في نصابها الصحيح».

العمل ضروري للحياة، ليس فقط بالنظر إلى أنه مصدر الأرزاق، وإنما أيضاً لأنه يحفز لدينا قدرات مختلفة، ذهنية وبدنية، ولعل من يخسرون وظائفهم لأي سبب يلحظون ما يسببه انقطاعهم عن العمل من تبعات نفسية صعبة، لكن هناك فرق بين العمل نفسه وبين الإدمان المَرضي عليه، لذلك يجري التحذير مما بات البشر يعانونه في السنوات الأخيرة، من انشغال مستميت «وراء تطوير الذات وتحقيق الكمال إلى حد أننا لم نلتفت إلى فوائد الاسترخاء والمتعة وحتى الملل، على الرغم من أن هذه الحالات ثبت أنها تسهم في تحسين أدائنا».

الاسترخاء في أحد جوانبه هو نوع من الخلوة مع الذات، نحتاج إليها وسط هذا الضجيج الذي يحيط بنا في عالم اليوم، والذي تسهم كمية المواد التي تضخها وسائل التواصل الاجتماعي في جعله فوق طاقتنا، وتدل التجربة أن هذه الخلوات للذات تساعدنا على تقييم مجريات حياتنا بهدوء، أو بعقل بارد كما يقال، والعقل البارد ليس نقيض القلب الحار؛ بل أنهما يكملان بعضهما، وحسب إحدى المختصات فإن التأمل والابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية، ومغريات الشراء، تتيح لنا العيش في الواقع، وما الاسترخاء، برأيها، إلا «نوع من التمرد الصامت الذي يساعد على تغيير نظرتنا للعالم».