13 أبريل 2022

ديتوكس الروح.. كيف نصل للسلام الداخلي في رمضان؟

محررة في مجلة كل الأسرة

ديتوكس الروح.. كيف نصل للسلام الداخلي في رمضان؟

يعتبر شهر رمضان المبارك محطة لديتوكس عميق للروح، بما يتسم به من روحانيات وبما يبعث في النفس من صلابة وقوة وانتصار على النفس والشهوات. ولئن كان هذا الشهر محطة لتنظيف أرواحنا وقلوبنا، فإنه فرصة لتعزيز التواصل مع الخالق سبحانه وتعالى عبر تأدية الطاعات والتزود بفضائل هذا الشهر وروحانياته التي تطغى في كل مكان.

فما هي الآليات للقيام بديتوكس الروح وكيف ننقي دواخلنا؟ وكيف يرتقي الصائم بروحانية هذا الشهر ويستثمر انتصاره على شهواته في تعزيز صلته بالله سبحانه وتعالى وصلته بنفسه ومن حوله، بعيداً عن أجواء النميمة والغيبة وارتكاب المعاصي والأخطاء؟

أهمية البدايات الجديدة في هذا الشهر الفضيل

تؤكد الدكتورة ولاء الشحي، كاتبة وإعلامية ومدربة حياة وتطوير ذات، أهمية البدايات الجديدة في هذا الشهر ودوريا لجهة تنظيف المكان لاستقبالها «لا بد من تحديد المكان الذي سننطلق منه وضرورة الإلمام بما نرغب فيه؛ حيث البداية «على بياض» بمعنى أن يباشر الفرد عملية التنظيف من الداخل والتخلص من كل الأشياء التي تزحم المكان داخله».

وللتخلص من هذه السموم والتراكمات، لا بد من أرضية معرفة «يجب أن يلم الفرد بالأمور التي يريد التخلص منها كما معرفة آلية التخلص؛ حيث قرار التغيير يأتي من الفرد نفسه لاستقبال جديد يتطلب منه الخروج من دائرة الراحة إلى دائرة تجربة الأشياء الجديدة، وفي حال لم ينجح الأمر يكون قد اكتسب خبرة وتجربة جديدة في حياته كون البعض يخاف، والخوف يعطل البدايات الجديدة».

تشرح د. الشحي «في البدايات الجديدة، لا بد من ترتيب قيمنا ومبادئنا وضرورة إعلاء بعض القيم وتوازي الأهداف مع بعض القيم تكون أنت فيها الحقيقي وتعرف المعتقدات التي تفيدك والأخرى التي لا تجدي نفعاً كون توازن الفرد يبدأ من الداخل».

لا تخلو البدايات من المعوقات «لا تقف في وجهها، بقدر ما توافقها وتتقبلها كما هي بحب ورضا وسلام، وعندما تصل إلى هذه المرحلة تكون امتلكت المرونة الحقيقية التي تؤهلك للوصول للنجاح بشكل أفضل ومراحل أكبر».

ديتوكس الروح.. كيف نصل للسلام الداخلي في رمضان؟

كيف يمكن أن نصل للسلام الداخلي؟

في شهر رمضان وغيره، دوماً ما نوجه هذا السؤال لأنفسنا: كيف يمكن أن نصل للسلام الداخلي؟

ترصد د. الشحي عدة خطوات نحو سلامنا الداخلي:

  • التصالح مع الذات: هو بداية الخطوات الأولى نحو السلام الداخلي. الرسالة تقول «أنت أولاً لأنك أنت الشمس وأنت المركز الحقيقي في حياتك وأنت من يشع هذا النور خارجك. التصالح مع الذات يأتي من كيفية حبي نفسي لأنعم بحياة صحية وصحيحة وأنعم بتصالح مع الذات ولأصل إلى هذا الحب «أن أتقبلني كما أنا».
  • أتصالح مع كل شيء حولي: محيطي، جسدي، الآخرين، هواياتي، عملي، مجتمعي، شكلي والمكان الذي أعيش فيه، لأصل إلى التوازن الخارجي وأستكمل السلام داخلي.
  • اعتبار التجارب والمعوقات وأعباء الأسرة أصواتاً عالية بداخلنا ونحن من نرفعها أو نخفضها، وكلما ارتفعت هذه الأصوات، كلما اختل توازننا الداخلي.
  • تحويل المعوقات إلى جسور تساعدني على المرور إلى المرحلة القادمة من حياتي.

ثمة تمرين يوصل فكرة أن الإنسان بيده أن يصلح أو يؤذي نفسه «نأتي بقطع من الفلين يتم تشكيلها على شكل قلب ودبابيس ملونة وكل دبوس نضع فيه فكرة لشيء آلمنا أو كلمة أحزنتنا ونغرزها في القلب الفليني ونثابر على وضع هذه الدبابيس الملونة من الخارج وذات الطرف الحاد في آن، وبعد فترة ننزع الدبابيس ونكتشف شكل القلب الذي غرزت فيه هذه الدبابيس ونتصور أن قطعة الفلين تلك هي أرواحنا الداخلية وقلوبنا لنجد كم غرزة تم غرزها في هذا القلب والآثار الظاهرة عليه».

لا بد أن نتخلص من هذه الترسبات لنزرع الحب وبالأخص في شهر الرحمة «هذا قرار يعود لنا ولا نرغب أن تكون قلوبنا كلها ثقوباً مؤلمة جراء مواقف قد نضحك عليها لاحقاً».

4 خلطات لديتوكس الروح

تقدم د. الشحي خلطات لديتوكس الروح والتركيز في هذا الشهر الذي يمتع بطاقة رائعة تستحق تنظيف ما بداخلنا لإبعاد الترسبات واستقبال نقلات وعي ووفرة وحب:

1- كوب نضع فيه ثلاثة مكونات أولها السعي والتوكل (اللون الوردي) والثاني اليقين (اللون الأبيض) والمكون الثالث السري للراحة النفسية وهو الرضا (اللون الأخضر).

2- المهدئ السري: ويتألف من مكونين أولهما التجاهل الحقيقي من العمق لكل ما يؤذيك وما يعيدك إلى الخلف وثانيهما الصمت بالروح والقلب والعقل والنابع من الحكمة، مع ترك فرصة الكلام في الوقت المناسب.

3- ديتوكس البهجة:

مكونات هذا الديتوكس هي:

  • الامتنان: تمارين الامتنان عميقة كأن ندون على دفتر النعم حولنا التي نمتن لها وأقترح إنشاء «صندوق الامتنان الملون» أو جرة زجاجية شفافة نضعها قبالتنا ونضع «ستيكرات» ملونة عليها ندون عليها الأشياء التي نمتن لها لنحصل بعد فترة على جرة ذات لون مبهج (أفضل استخدام اللون الأصفر).
  • العطاء: سواء ابتسامة، كلمة، بهجة أو حب. ليس شرطاً أن يكون العطاء مادياً. التطور أحد العطاءات التي تنعكس بالبهجة عليك وعلى الكون بأكمله.
  • تقبل الآخرين كما هم وعدم تناسي أن لهذا الآخر ثقافته وبيئته وأفكاره وتربيته؛ حيث نتعامل معهم كنسخة عنا وسقف توقعاتنا يفوق الحدود.
  • الثقة: أن تكون واثقاً من نفسك وأنك تستحق لتعيش في متعة وبهجة.

4- ديتوكس التطهير العميق:

التأمل في هذا الشهر جد مهم في حياتنا:5 دقائق في اليوم من التأملات التنفسية (يعتمد على التنفس دون أي تفكير لدرجة تسمع نبضات القلب) تطهر الذات والروح وتبعد الترسبات وتنقي أرواحنا.

ديتوكس الروح.. كيف نصل للسلام الداخلي في رمضان؟

كيف ترتقي بروحك في رمضان؟

إذاً، يبلور رمضان وجهنا الحقيقي ويعيدنا إلى فطرتنا وروحانيتنا بشيء من الوازع الديني والأخلاقي. هذه القراءة تؤكدها الدكتورة ليلى البلوشي، أول مدربة إماراتية في مجال تناغم الثقافات، مشيرة إلى أن شهر رمضان المبارك يعتبر دورة وبرنامجاً تدريبياً متكاملاً للمسلم يرتقي من خلاله إلى مستويات روحانية عالية.

تشرح «لو نظرنا إلى الإنسان، نجد أنه يتكون من 7 عناصر:

  1. الروح
  2. النفس (وتنقسم إلى نفس لوامة.... ومع تصحيح المسار تتحول إلى نفس مطمئنة.. راضية مرضية)
  3. القلب
  4. العقل (وينقسم إلى عقل واعٍ ولا واعٍ)
  5. الجسد
  6. الهالة النورانية التي تلفنا
  7. الارتباط الكوني (أي ارتباط الإنسان بعناصر الكون من إنسان... حيوان... نبات.... وجمادات).

وفي هذا السياق، تلفت د. البلوشي إلى أن الكثير منا يعاني التخبط والاكتئاب وعدم التركيز وصراع داخلي وخارجي «كل هذا ناتج عن كون العناصر السابقة غير متحدة ومتجانسة مع بعضها بعضاً وكل عنصر يدور في مدار مختلف عن الآخر، والسبب عدم توحد الهدف والغاية لدى الإنسان».

تورد مثالاً «نجد أن الكثير يشكو من عدم التركيز في الصلاة والسبب أننا نصلي بعقلنا اللاواعي أي نردد السور والآيات التي تم تخزينها في العقل اللاواعي وكذلك حركات الصلاة، بينما العقل الواعي شارد ويفكر في الأمور الحياتية».

هذا الوضع يتغير في رمضان؛ حيث «مستوى الروح والروحانيات ترتقي وتتوحد طاقة الإنسان شاملة العناصر السبعة للوصول إلى الهدف الذي يحدده المسلم في بداية الشهر».

توضح «على المستوى الروحاني، ترتقي الروح إلى مستويات عليا مع العبادات المختلفة التي يمارسها الإنسان بتركيز وانتظام، ما يجعله يشعر براحة واطمئنان وسكينة. كما أن النفس البشرية تتغلب وترتقي عن ارتكاب المعاصي (التي تضعفها) لتتحول إلى نفس نقية صافية راضية مرضية ومستقرة. كما يركز العقل الواعي واللاواعي على كل فعل وقول يقوم به الإنسان حتى لا يخسر أجره، فيتحقق التوحد المنشود دون تشتت».

ديتوكس الروح.. كيف نصل للسلام الداخلي في رمضان؟

فوائد الصوم للروح

ترصد فوائد الصوم وثماره على المستوى الروحي «الصوم يريح الجسد ويجدد نشاطه، فلا ينشغل الجسد بالأمور التي كان يؤديها الشخص في الأيام العادية من مأكل ومشرب والعلاقة الحميمة بين الزوجين، ما يساعد الإنسان على أداء أمور أخرى كانت غائبة عنه في الأيام العادية، وهذا التركيز يساعد الروح والقلب والعقل على أداء وظائفهم والتركيز على الهدف الأسمى».

وتوجز «ونجد أيضاً أن قلب الصائم رقيق ورحيم على كل من حوله تُغشيه السكينة والاطمئنان، والسبب الحقيقي في تحقيق كل ذلك هو تحديد الهدف والتركيز عليه ومقاومة كل ما يمكن أن يكون سبباً في الوقوف حاجزاً بين الإنسان وهدفه. لذلك، يعتبر رمضان فرصة وعبرة نتعلم من خلاله وضع هدف واضح والصبر والتركيز على تحقيقه».

رمضان فرصة للتغيير ومحاربة التشويش

قد يكون ديتوكس الروح عاملاً مساعداً في التماس مع البعد الروحاني لرمضان المبارك؛ حيث نستثمره كفرصة للتغيير والبرمجة السلوكية. تؤكد الإعلامية والمدرب المعتمدة لـ«يوجا الضحك» مروة السنهوري أنه «على الرغم من أن مصطلح «ديتوكس» غذائي يركز على التخلص من سموم الجسم عبر تناول العصائر الخضراء التي تجعل الفرد يشعر بالحيوية والانطلاق، فإني حرصت على توظيفه بأسلوب مبتكر يتلاءم مع الشهر الفضيل وذلك استلهاماً من المدربة ولاء الشحي».

توضح «فكرة ديتوكس الروح تركز على إحداث التوازن الداخلي من خلال إعادة صياغة الشخصية وتنظيفها من المعتقدات السلبية ليكون الفرد مستعداً للصوم بروحانية تمكنه من استقبال طاقة الشهر على أتم الاستعداد».

تحرص السنهوري على اتباع برنامج ديتوكس الروح في الشهر الفضيل حتى تحصل على أقصى استفادة ممكنة منه «شهر رمضان فرصة للتغيير والبرمجة السلوكية عبر الامتناع عن المفطرات السلوكية وليس الغذائية فقط، وهو يعلّم الإنسان كيف يكسر الروتين والعادات ويروض نفسه نحو السمو الإنساني».

وتوجز خطوات ديتوكس الروح بالنسبة لها «يتلخص في عدد من الخطوات أبرزها التوقف مؤقتاً عن تشويش مواقع التواصل الاجتماعي والابتعاد عن جلسات القيل والقال والتركيز على كتابة الأولويات والأهداف وتغيير السلوكيات غير المحببة والعمل بشكل مُركز على تجويد نوعية الحياة بإيجاد مساحة من السكينة والهدوء».

وتخلص «ديتوكس الروح يهدف إلى الارتقاء بالروح وحب الذات، ما ينعكس على تعاملنا مع الآخرين ونجاحنا في الحياة. فالتعامل الصحيح مع الذات منطلق أساسي للتعامل السليم مع الآخرين».