لا تخلو عجلة الحياة من الضغوط التي تعكر صفو الفرد وتشعره بالتوتر والقلق الذي هو شعور شائع وطبيعي، لكن الاختلاف يكمن في قدرة البعض على التعامل مع هذه الضغوط بشكل صحي، ومن يتركها لتقوده إلى متاهة الاحتراق النفسي.
تتعدد أسباب الاحتراق النفسي ما بين الشخصية، والأسرية، الاجتماعية، المهنية والحياتية.. ويعرف بأنه حالة الإجهاد البدني والنفسي الناجمة عن الإرهاق المطول، الذي يستنزف طاقة الفرد ويتركه في حالة مستمرة من المشاعر السلبية والإحساس بالإحباط مما ينعكس على مجمل جوانب الحياة الاجتماعية والعملية والأسرية.
فايز بن منسي الغامدي
يشير فايز بن منسي الغامدي، أخصائي إكلينيكي ومعالج أسري وزواجي، في ورشة «الاحتراق النفسي في العلاقات الاجتماعية» التي نظمتها جمعية النهضة النسائية بدبي، إلى أن منظمة الصحة العالمية حددت مستوياتها ما بين الاحتراق الشديد، والمتوسط، والخفيف، ويوجز المؤشرات العامة للاحتراق النفسي بـ:
- نفسية: الشعور بالفشل والتشكيك بالنفس، الشعور بالعجز والانهزام، العزلة، النظرة السلبية للأمور وعدم الشعور بالرضا.
- جسدية: الإحساس باستنزاف الطاقة وانخفاض الكفاءة المهنية، صداع وآلام متكررة، فقدان الشهية.
- عقلية: بلادة المشاعر واللامبالاة، قلة التركيز، سرعة الغضب، الإحساس المستمر بالضيق، التي يمكن أن تتحول لسلوكيات خطرة مثل العنف والإدمان والعلاقات غير الشرعية.
- سلوكية: الانسحاب من المسؤوليات، الحاجة لوقت أطول لإنجاز المهام، الإحباط المستمر، إهمال العمل والتهاون فيه.
مراحل الاحتراق النفسي
لا يظهر الاحتراق النفسي بشكل مفاجئ دون سابق إنذار، إنما يمر بمراحل، يشرحها الغامدي:
- الحماس: غياب الموضوعية والاندفاع والرغبة بتحقيق الكثير من الآمال والأحلام غير الواقعية أحياناً.
- الركود: فقدان الشغف والحماس نتيجة تبني الفرد أدواراً إضافية تثقل كاهله وتجعل منه عاجزاً من الوصول لأبسط الأهداف.
- الإحباط: عدم قدرة الفرد على القيام بالحد الأدنى من أدواره الطبيعية والوصول لمرحلة التوتر والاضطراب.
- الإنهاك: السعي للكمال والإتقان ومرور الشخص بالمراحل الثلاث السابقة يقوداه لمرحلة الإنهاك والتعب وفقدان الصحة والأشخاص المقربين نتيجة عدم القدرة على إيجاد التوازن.
يكشف الغامدي أن أبعاد الاحتراق النفسي لا تقف عند حدٍ معين، فقد ينعكس استمراره لفترات طويلة على تغيرات في مناعة الجسم ويزيد من استعداده لتقبل الأمراض، فهي عملية تدريجية تبدأ بأمراض بسيطة لكنها ما أن تلبث في التطور مع مرور الوقت في إشارة منها على وجود خطرٍ ما. وعند الدخول في هذه المرحلة يفقد الشخص الطاقة والقدرة على الإنجاز وبالتالي ينتقل إلى مرحلة الانهيار الجسدي التي تسمى بالآثار الفسيولوجية المتمثلة ببعض الأعراض مثل ارتفاع ضغط الدم، اضطرابات المعدة، ضيق التنفس، جفاف الحلق.
أسباب التعرض للاحتراق النفسي
كما ارتباط فكرة الاحتراق بضغوط العمل وكثرة المسؤوليات يشغلنا عن التفكير بوجود عوامل أخرى، فالضغط النفسي الذي يعيشه الفرد ونظرته للأمور يؤثر في طريقة تفاعله مع الضغوط التي يمكن أن تواجهه، لذلك يمكن تصنيف الأسباب التي يمكن أن تزيد من قابلية تعرض الفرد للاحتراق النفسي إلى:
- أسباب تتعلق بالعمل: الفوضى في العمل عدم القدرة على مواكبة التطورات فيه، وعدم تقدير الجهود المبذولة، والقيام بعمل روتيني غير مجدٍ.
- أسباب تتعلق بطبيعة الشخصية: الرغبة بفرض السيطرة وعدم طلب المساعدة من الآخرين والسعي للكمال والمثالية، والنظرة التشاؤمية للأمور.
- أسباب تتعلق بنمط الحياة: تحمل مهام ومسؤوليات كبيرة دون مساعدة من الآخرين، العمل المستمر دون راحة وفقدان الحياة الاجتماعية، قلة عدد ساعات النوم.
مهارات واستراتيجيات التعامل مع الاحتراق النفسي
- الاعتدال والموازنة والوسطية: أداء المهام والحفاظ على بيئة هادئة وصحية سواء في العمل أو المنزل، وإنشاء مساحة خاصة في المنزل يمنح فيها الفرد نفسه وقتاً للراحة والسلام وممارسة العبادات وأداء الصلاة، وتقسيم العمل إلى مهام صغيرة والالتزام بالوقت المحدد له، وتوزيع المهام وتعلم قول كلمة «لا».
- التفكير الواقعي: الابتعاد عن الأفكار السلبية ونقد الذات والتفكير بالإيجابيات وتعلم مهارة إدارة المشاعر والمرونة النفسية.
- اتباع نظام صحي: الاهتمام بالصحة يقلل من مستويات التوتر لذلك يكون التركيز على الغذاء الصحي وتقسيم الوقت والالتزام بساعات النوم المحددة يساعد على تجاوز مرحلة الاحتراق النفسي.
- اكتشاف الممارسات التي تزيد من مستويات القلق: معرفة مسببات التوتر والسيطرة عليه يقلل من مستوى القلق ويحد منه.
- ممارسة الرياضة: تعد الرياضة إحدى الطرق الفعالة للتخلص من الطاقة السلبية فهي تحرر الجسم من التوتر والقلق وتحفز على إطلاق الهرمونات المسؤولة عن السعادة.
- العلاقات الاجتماعية: اختيار الأصدقاء بدقة وتخصيص وقت كافٍ لممارسة بعض الأنشطة برفقة الأهل الأصدقاء يسهم في تحسين الحالة المزاجية والخروج من الروتين الممل.