"بستانك".. أكبر مزرعة عموديّة مائيّة في العالم توفر الوجبات على متن طيران الإمارات
إذا كنتَ على متن إحدى طائرات «طيران الإمارات» أو خطوط طيران تُتزوّد من «بستانك»، يمكنك خوض التجربة وتذوق العديد من الخضر الورقيّة عالية الجودة والصحية وعدا عن ذلك، تسهم في مواجهة التغيّرات المناخيّة.
تجد نفسك أمام تجربة رائدة على مساحة 330 ألف قدم مربعة في دبي، مع ثلاثة طوابق من الخضر الورقية المزدانة بالألوان البهيّة التي تقودك إلى استنشاق رائحة الطبيعة، في بناء إسمنتي يتميّز بالكفاءة في استخدام الموارد والتكنولوجيا المتقدّمة والتماهي مع مفهوم الاستدامة وتعزيز الأمن الغذائي.
طوابق «زراعيّة» موازية لبعضها البعض من حيث المساحة والشكل والتخطيط، تمّ زراعتها بنحو 12 صنفاً من أفضل أنواع الورقيّات من الخس والسبانخ والكيل والزهور القابلة للأكل، ويندرج تحتها 30 صنفاّ من المايكروجرينز، و6 أنواع من الأعشاب، مع مساعٍ حثيثة لتحسين وتطوير وإنتاج أنواع جديدة.
كل تلك المزايا تجدها في «بستانك الإمارات» أكبر مزرعة عموديّة داخليّة مائيّة في العالم، والتي لا تشكل فقط نموذجاً للزراعة المستدامة مع استخدام كميّات أقل من المياه وخلو المزروعات من المبيدات الكيميائيّة، بل باعتماد تقنيّات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في المجال الزراعي، في ظل التغيّرات المناخيّة حول العالم وتحدّيّات الأمن الغذائي».
ومع مرور عامين على التجربة والاحتفاء بالإنجازات، تتماهى «بستانك»، الواقعة بالقرب من مطار آل مكتوم الدولي في دبي وورلد سنترال، بتصميمها متعدّد الطبقات وتوظيفها للتكنولوجيا المتقدّمة، مع الأهداف الاستراتيجيّة للدولة في تحقيق الأمن الغذائي والمزاوجة بين الابتكار والاستدامة في القطاع الزراعي.
وتتبدى أهميّتها مع تجسيد إمكانيّات الزراعة الرأسيّة كحل لمواجهة التحديّات الغذائيّة العالميّة، مع الإنتاج على مدار العام بمعزل عن الظروف المناخيّة وتحسين جودة المنتجات من حيث الطعم والقيمة الغذائيّة والسلامة.
فهذه المزرعة المائيّة الأكبر في العالم تُعتبر جزءاً من استراتيجيّة الإمارات للأمن الغذائي عام 2051 والهادفة إلى «تطوير منظومة وطنيّة شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام» حيث توفر «بستانك» نحو 3 آلاف كيلوجرام من الورقيّات يوميّاً، وهي كميّة تحتاج إلى مساحة 470 ألف متر مربع من الأراضي في الزراعة التقليديّة.
هذه المقارنة كفيلة بالإطلالة على مزايا هذا المشروع ببعده المستدام وبمزاياه التوفيريّة في مساحات الأراضي الزراعيّة و بالمياه المستهلكة للإنتاج، حيث توفر 95%من المياه المستخدمة لزراعة تلك المنتجات وهي نسبة عالية في بلد يعتمد على 99 % من مياه البحر المحلّاة.
فعلى سبيل المثال، تحتاج زراعة كيلوجرام واحد من الخس إلى 317 لتر مياه لكل كيلو من الخس في الزراعة التقليديّة (على مدى موسمه)، في حين أن 15 إلى 17 لتر مياه تكفي لزراعة كيلوجرام من الخس في «بستانك»، ما يوفر 250 مليون لتر سنويّاً من المياه مقارنة بالزراعة التقليديّة، ويعادل توفير 1000 ميغاواط من الكهرباء.
فراس الصوفي
وفي هذا الصدد، يحدّثنا المدير العام لـ«الإمارات بستانك» فراس الصوفي عن البدايات، قائلاً: «بدأت الفكرة عام 2017 مع تقييم «الإمارات لتموين الطائرات»، أكبر مزودي تموين الطائرات في العالم، المنتجات التي تتكلّفها لتقديم نحو 25 ألف وجبة يوميّاً، وانصب التفكير على التكلفة في ظل التحدّيّات القائمة وبالتالي كان التطلّع للزراعة.
حيث باشرنا رصد عدّة مزارع حول العالم واستطعنا مباشرة بناء المشروع عام 2020 واستغرق الأمر نحو عامين بسبب جائحة كورونا، وتمّ افتتاح «الإمارات بستانك» في يوليو 2022 كأوّل مزرعة عموديّة مائيّة في العالم مملوكة بالكامل لشركة «الإمارات لتموين الطائرات»، وهي تابعة لمجموعة «الإمارات».
يضيف الصوفي «لا ينحصر النجاح في إقامة أكبر وأفضل مزرعة عمودية في العالم والحرص على توفير وتوظيف أفضل المشرفين والمهندسين الزراعيين لتطوير الخدمات التي تقدمها «الإمارات بستانك»، بل يتعداها إلى حصاد 3 أطنان يوميّاً من الورقيّات.
حيث إن جزءاً من الحصاد يخصّص لمجموعة «طيران الإمارات» (تزود نحو 130 خط طيران جويّاً)، إلى كون «الإمارات بستانك» توفّر كميّات للفنادق والمطاعم والمقاهي ومحلات التجزئة باسم العلامة التجاريّة «بستانك».
كما يعزّز المشروع مبدأ الاستدامة، حيث يوفر استهلاك المياه ويتسم بأفضل معايير الجودة في إنتاج الورقيّات بالشرق الأوسط، ما يجعلنا فخورين بالوجود في هذه المنشأة وشغوفين لتقديم الأفضل بالتماهي مع رؤية شيوخ وحكام الدولة.
وما يحفزني شخصيّاً هو كوني من مواليد الإمارات وهذا يدفعني لتقديم الأفضل ومحاكاة أفضل الممارسات العالميّة، لما أعايشه من رؤى طموحة واستشرافيّة في مسار الدولة ككل».
بعد مرور عامين، برامج التطوير قائمة كما أن الحرص على توفير أفضل تكنولوجيا زراعيّة لتحقيق مستوى أفضل وجودة عالية «بعض منظومة العمل تستهدف التقليل من التدخّل البشري وتوظيف الذكاء الاصطناعي وتحسين الأداء وتسريع بعض العمليّات، إذ نُدخل على المشروع خطوط إنتاج عدّة، بحيث تعطي كفاءة أكبر لمواكبة التكنولوجيا».
فتلك المساحة لا تجسّد مشروعاً حيويّاً فقط، بل تمثّل أبعاداً كثيرة تتعلّق بالأمن الغذائي والاستدامة وجودة المنتجات الخالية 100% من المبيدات الحشريّة والأسمدة الكيميائيّة بحيث لا تحتاج الورقيّات إلى غسلها ويمكن تناولها مباشرة بعد حصادها، إلى جانب ما تتّسم به «بستانك» من ابتكار زراعي و تنوّع غذائي ودعم للاقتصاد المحلي.
وأخيراً، يلفت الصوفي إلى أن «بستانك» تعزّز الثقة بمنتوجها بخلوّه من الملوّثات وبصلاحيّة أكبر للاستخدام، بجانب ما يتّسم به من طعم طازج ونكهة وشكل مميّزين.
* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر