فاطمة الحنطوبي: الزراعة وإعادة التدوير شغفي.. وأشجار حديقتي تحمل أسماء أبنائي
نشأتها في بيئة جبلية أطّلت بها على مواسم الحصاد وبيع المحاصيل، ولكنها سرعان ما تلمّست آثار التغيّر المناخي في البيئة، وفي «جفاف» المزارع، وفي مسار المستقبل ككل.
أرست المهندسة فاطمة الحنطوبي، خبيرة البيئة والمدير التنفيذي للاستدامة في جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية، نجاحات متتالية في تعزيز الزراعة المستدامة، والحفاظ على المياه وعلى البيئة، حيث حازت، مؤخراً، جائزة المرأة الأكثر إلهاماً وتأثيراً في المجال البيئي في دولة الإمارات لعام 2024، وتمّ تكريمها من قبل الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم، تقديراً لدورها البارز في مكافحة قضايا التغيّر المناخي.
تسعى إلى «غرس قيم وسلوك مستدام للحفاظ على البيئة»، وهذا الدور تجاوز المحلي إلى المستوى العربي في مكافحة قضايا تغيّر المناخ، وفقدان التنوّع البيولوجي والتلوّث، في ظل إسهامات عدّة في هذا المجال.
المهندسة الحنطوبي، وهي خبيرة موارد مائية وناشطة بيئية، تكثف جهودها التوعوية نحو تدعيم ثقافة الأجيال المقبلة، باعتبارها «المقود نحو السلام البيئي وتغيير سلوك الأفراد».
ما دافعك للاهتمام بقضايا البيئة والتغيّر المناخي بكل هذه الدافعية؟
أحب البيئة كثيراً، وهو حب تشرّبتُه منذ أيام الدراسة. نشأت في بيئة جبلية زراعية، حيث كان أهلي يزرعون المحاصيل المختلفة، ويبيعونها وقت الحصاد، ومع مرور الأيام بتّ أتلمّس ندرة المياه، و«موت» المَزارع، وجفافها، وهو أمر سبّب لي حزناً كبيراً، ودفعني لأكمل دراساتي العليا عن المياه الجوفية.
من هذا المنطلق، انغمست في المشاكل البيئية الأخرى، وأسبابها، وعوامل تفاقمها، ودعاني أحد أساتذتي في الجامعة إلى مساعدته على تدريس مادة البيئة للطلبة، لأكتشف أن الأجيال الحالية غير مُلّمة بواقع ومفهوم البيئة، ولا تفرّق بينها وبين مادة الأحياء، على سبيل المثال.
أحببت التدريس، وأخذت على عاتقي أن أنشر العلوم البيئية، وأسهم في صنع الأفضل للبيئة، سواء بنشر معلومة، أو كتاب، أو بحث، أو الإسهام في عملي كموظفة في هيئة الفجيرة للبيئة.
ما أبرز التحدّيات التي تتلمسينها في مجال حماية البيئة بالمجتمع الإماراتي؟
التحدي الأبرز يكمن في كيفية الربط بين الواقع والعِلم. في بعض الأحيان، يرى الناس أنّ علم البيئة هو مجرد فرضيات خاصة المشكلات البيئية، والتنبؤات للظواهر الطبيعية، إذ يربطونها بالقدرة الإلهية، مع تحييد البشر. نحن نؤمن بأن كل شيء بأمر الله، ولكن تدخّل البشر في وقف الملوّثات له أثر إيجابي في البيئة، حتى ولو بنسب قليلة، لأن البشر هم من أوجدوا الملوثات بسوء استخدامهم للموارد، وهذا ما أناضل لتعرفه الأجيال، لكون «الاستخدام للموارد هو الذي يحدّد ما إذا كان الفرد ملوّثاً للبيئة، أم محافظاّ عليها».
تمّ اختيارك ضمن «المنجزات الإماراتيات» لدورك الابتكاري في مجال الاستدامة، كيف يمكن للتكنولوجيا الإسهام في حل مشاكل البيئة والتغيّر المناخي؟
كنت سعيدة جداً لتكريمي ضمن 23 مبتكرة ورائدة أعمال إماراتية في النسخة الثانية من «المنجزات الإماراتيات» التي نظمتها شركة «ستارت إيه دي»، وأقيم الحدث برعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، تحت شعار «نحن نتعاون من أجل الغد»، في جامعة نيويورك أبوظبي، في أغسطس 2023، احتفالاً بيوم المرأة الإماراتية.
هذه الجائزة تدعم تمكين المرأة في مجالات الاستثمار البيئي، وأشكر لهم اختياري ضمن قائمة الإماراتيات الأكثر إنجازاً، إثر ترشيحي من جامعة نيويورك-أبوظبي، لتعاوني معهم في تسهيل المهمات العلمية والبحثية، ولدوري الابتكاري المتمثل في ممارسات متنوعة.
وعلى صعيد توظيف التكنولوجيا، أجد أنّ مشكلات البيئة والتغيّر المناخي تدفعنا لتغيير استراتيجياتنا نحو الاستدامة في التعامل مع الموارد البيئية، منها المياه، والتنوع الأحيائي والقطاع الزراعي وجودة الهواء. ولطالما كانت الاستدامة منهجية فاعلة في التصدي للتغيرات المناخية عن طريق استخدام التكنولوجيا.
فعلى سبيل المثال، من أجل استدامة القطاع الزراعي، لابد من التكيّف مع العوامل الخارجية بزراعة محاصيل تناسب الوضع الراهن من درجات الحرارة، وندرة المياه، والابتكار في التكنولوجيا وربطها بالزراعة، من أجل استمرارية هذا القطاع. فالتكنولوجيا اليوم هي الحل الأمثل للمناطق التي تعاني الندرة ولا تستطيع تحقيق الاستدامة.
نحن بحاجة إلى تغيير علاقة البشر بالطبيعة ونريد جميعاً أن يكون لنا تأثير إيجابي في البيئة
هل تجدين أنّه من السهل تغيير سلوكات الأفراد، وما هي الخطوات التي يمكنهم اتخاذها للمساهمة في حماية البيئة؟
من السهل تغيير السلوك إذا زوّدنا الأفراد بالمعرفة الشاملة عن كيفية حصول الضرر، وكيفية تفاديه، وإذا لم يتم تفاديه فما هي الأضرار والخسائر التي ستنتج عنه؟ فالعِلم والمعرفة هما أساس تغيير السلوك البشري لأنّ الإنسان عندما يدرك قيمة الضرر الذي سيخلفه هذا السلوك على نفسه وأسرته، سيحاول تفاديه، وسيتحول الأمر إلى عادة. لذا، بالعِلم والمعرفة يمكن إنتاج عادات صديقة للبيئة.
نحن بحاجة إلى تغيير علاقة البشر بالطبيعة، عبر إدراك أن الطبيعة هي أصل حياتنا على الأرض، ونريد جميعاً أن يكون لنا تأثير إيجابي في البيئة.
لديك تجارب شخصية في نشر الوعي البيئي، فهل استطعت إحداث تغيير نوعي، وكيف تتلمسين آثاره؟
نعم. فقد عملت لمدّة 7 سنوات في مجال تدريس علوم البيئة، وتعاملت مع الطلاب الجامعيين في بحوثهم البيئية، وكنت أوجّههم للبحث في الأوضاع البيئية في الإمارات، ودراسة أسباب المشكلة، وآليات الحد منها، ليتمكنوا من فهم البيئة حولهم، والمشاكل البيئية التي تتعرّض لها، والحلول المطروحة. كنت أسعد عندما أسمعهم يقولون إنّ الحل بأيدينا، وتغيير سلوكنا والبحث عن حلول لأزمة النفايات، أو التلوث الهوائي.
تتسلم جائزة المرأة الأكثر إلهاما وتأثيرا لعام 2024 من الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم
حزت مؤخراً جائزة المرأة الأكثر إلهاماً وتأثيراً.. ما الذي تعنيه لك هذه الجائزة، وما البصمة الأبرز التي تركتها في هذا المجال؟
أنا فخورة بهذه النجاحات المتتالية ضمن مسيرة من العمل المتواصل، حيث كرّمت بجائزة المرأة الأكثر إلهاماً وتأثيراً في المجال البيئي، في دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2024. وتمّ تكريمي من قبل الشيخ جمعة بن مكتوم آل مكتوم، خلال الحدث الذي نظمته شركة «filmfare»، تكريماً لمساهماتي المجتمعية وإبراز الدور المحوري للمرأة.
أرى أن تنمية ثقافة الأجيال الناشئة هي المقود نحو السلام البيئي، ونحن سواء كنا عاملين في المجال البيئي، أو متطوعين أو ناشطين، نسعى لنشر الثقافة وتغيير السلوك. أبدأ من نفسي بممارسات يومية، أولاها ترشيد استهلاك الطاقة في المنزل، واستخدام البديل وهو الطاقة الشمسية، حيث إنّ سور بيتي والحديقة مزودان بالطاقة الشمسية، وثانية الممارسات هي إعادة التدوير المنزلي، سواء في المقتنيات، أو في الغذاء، حيث أتفنن في إعادة تدوير الطعام إلى وجبات جديدة. أثمّن كثيراً هذه الحياة لأنها تعلّمني الابتكار، وتتماهى مع حبي للطبيعة والزراعة، ولدّي إيمان قوي بأن الطبيعة لديها الحلول في كل التحديات التي تواجهنا في مجال التغيّر المناخي.
أزرع كثيراً، وأواظب على زراعة المحاصيل الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. في حديقة منزلي أكثر من 30 شجرة، أطلق عليها (على الأشجار) أسماء أبنائي ليعتنوا بها، وأهديت ابني مكاناً صغيراً في الحديقة وقلت له «أريد أن أرى إنتاجك من الخضراوات والفواكه»، كما أشارك هذه الأفكار مع الناس على منصة «X».
كيف ترصدين دور المرأة الإماراتية كحارسة للبيئة؟
تلعب المرأة الإماراتية أدواراً عدّة، وتسهم في معالجة القضايا البيئية، ولا بد من الاعتراف بإسهاماتها في هذا المجال لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة، بالقيام بأدوار متعدّدة في مجتمعها، سواء دورها في مجال الأسرة والتربية والعمل والاقتصاد، وأدوارها التطوعية والتوعوية.
ومن هذا المنطلق، يجب العمل على تعديل سلوك أطفالنا، وأفراد أسرنا في التعامل مع الأغذية، والاستهلاك المتوازن. فالمرأة الإماراتية، بعِلمها وعملها، تستطيع مكافحة التغيّر المناخي، عن طريق تغيير نمط المعيشة والاستهلاك، وتحويله إلى ممارسات خضراء مثل إعادة التدوير والزراعة واستخدام الطاقة النظيفة.
الحنطوبي عند قلعة الفجيرة
ما هو طموحك في مجال التوعية البيئية؟
علينا محاكاة الطبيعة والاهتمام بالأرض، لأنه من دونها لا يمكن للإنسان أن يزدهر، وأكرّر أن الزراعة جدّ مهمة، سواء لتحقيق الأمن الغذائي، أو لمكافحة التغيّر المناخي، أو لتنمية الاقتصاد المحلي، ولتعزيز الصحة النفسية.
ولتحقيق الزراعة المستدامة، لا بد من الدمج بين التكنولوجيا الذكية، والأنظمة الطبيعية، لتحقيق زراعة ناجحة ذات مردود.
* تصوير: السيد رمضان