07 أغسطس 2024

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

محررة في مجلة كل الأسرة

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

محطات استكشافية عدّة خاضها المهندس المعماري إيلي مراد، عبر تفاعله مع ثقافات الدول التي يخوض فيها تجربته المعمارية، متبعاً أهم مبادئ التصميم ومنها «العمارة المتكيّفة مع الموقع والقيمة التي يحصل عليها المستخدم النهائي للمساحة المكانية»..

مستلهماً عناصر إبداعه من أسفاره والأماكن التي زارها وعلى تماس معها من بيروت، سيدني، اليابان، جوبا (جنوب السودان)، وصولاً إلى الإمارات وغيرها.

في مزج عناصر الطاقة والإبداع، يتلمس مراد، مدير قسم العمارة والتصميم في شركة «أرادَ»، التأثير العميق للتقاليد في فنون العمارة وأساليب البناء وأنماط العيش وسط المساحات الداخلية في المنازل..

مستشرفا تفاعل الاتجاهات المعمارية والعمرانية المستقبلية مع الاكتشافات التكنولوجية وممارسات الاستدامة البيئية.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

ثمة محطات مضيئة من مسيرتك سواء مع استكشاف أنماط جديدة من التصاميم أو توظيف التصاميم ضمن منظومة قضايا البيئة، كيف ترصد تلك المحطات؟

تمثّل تجربتي العملية في عدد من البلدان المختلفة والتفاعل مع تلك الثقافات محطات مهمة خلال مسيرتي المهنية، يعدّ التصميم مجالاً استكشافياً يحتفي بالتنوع في إيجاد المساحات المكانية والتغلّب على التحديات ذات الصلة..

ويعتبر هذا التنوع أمراً أساسياً في الهندسة المعمارية وتزداد أهميته عند الخوض في السياقات والمناخات والظروف المختلفة التي تتضمنها فنون العمارة.

ويمكنني إرجاع محطات سيرتي المهنية إلى التقارب والانفتاح الذي تبنيته نحو ذلك التنوّع، سواءً من خلال توفير حلول تصميمية متنوعة أو الخوض في سياق تجارب متعددة الثقافات، لا شك بأنّ فهم واستيعاب تلك السياقات المختلفة يمثّل جزءاً أساسياً ضمن فلسفة عملي، في عالم تتسارع فيه المستجدات والمتغيرات عاماً بعد عام..

يتوجب على المعماريين السعي لتوفير العديد من الحلول للتحديات الجديدة، لعل دافعي الأساسي لخوض تلك التجارب والتغلّب على تلك التحديات يكمن في استكشاف أنماط جديدة للاستجابة لتلك المتغيرات.

وقد كانت أولى المحطات التي توقفت فيها عندما قمت بتصميم مبانٍ مختلفة متعددة الاستعمالات في أستراليا مع المهندس المعماري الحائز على العديد من الجوائز، روبرت نيشن.

وقد شكلت استكشافاتي في تصميم المنازل في جنوب السودان بأفريقيا المحطة الثانية ضمن مسيرتي المهنية، حيث وسعت معارفي بشكل كبير في مجال معالجة قضايا النظام البيئي من خلال إنشاء المساحات المكانية..

كانت محطتي الأخيرة التي لا تقلّ أهمية عن المراحل السابقة عندما رأيت تصاميمي تتحول واقعاً على الأرض خلال عملي في «أرادَ»، ولا سيّما في مجتمعات الجادة ومَسار المتكاملة.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

في عملك، تتبنى مبادئ تصميمية تتماهى مع رؤيتك ومع المكان، ما المبادئ التي تستند عليها تصاميمك؟

إن أحد أهم مبادئ التصميم التي أتبعتها هي العمارة المتكيّفة مع الموقع، إذ عادة ما يكون هناك حلّ تصميمي واحد فقط يستجيب لموقعٍ محدد بعينه، يتم ذلك من خلال النظر بدقة إلى الموقع المعني وإبراز سياقاته وميزاته بشكل صريح..

يتضمن مبدئي الثاني القيمة التي يحصل عليها المستخدم النهائي للمساحة المكانية، سواءً أكانت داخلية أو خارجية، معمارية أو حضرية.

ويتضمن المبدأ التصميمي الثالث الذي أتبناه إنشاء أنماطٍ مكانية استكشافية جديدة تستجيب بدقةٍ للاحتياجات والسلوكيات المحددة للمستخدم.

فعلى سبيل المثال، يتضمن تصميم المساحات للأجيال القادمة مجموعة من المتطلبات التي يجب مراعاتها بشكل كافٍ، كما يتمثل أحد مبادئي كذلك في الاحتفال بالوتيرة السريعة لحياتنا اليومية حالياً، ما يوفر ديناميكية جديدة تنعكس عبر فنون هندسة العمارة.

وتتجلّى هذه المبادئ بشكلٍ خاص في المشاريع التي عملت عليها مع «أرادَ»، على سبيل المثال يتضمن مجمّع «نِست» لمساكن الطلاب أبنية تم تشكيلها ضمن استجابة مباشرة للاتجاه السائد للرياح والمساحات الخارجية التي يتحرك فيها الطلاب، وذلك بغرض الاستفادة منها عبر انسياب النسيم البارد..

لتوضيح ذلك من خلال مثال آخر، تمثل المنطقة التجارية المركزية من «أرادَ» بيئة حضرية جديدة، حيث يمكن للموظفين الاتصال والتفاعل عبر محور مركزي أخضر من الأشجار الكثيفة في أي وقت، ما يؤدي إلى إيجاد بيئة عمل صحية تساهم برفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية.

ولا بد لي هنا من التحدث أيضاً عن مجتمع مَسار، حيث يتواصل السكان في ما بينهم عبر محيطٍ من الأشجار الكثيفة، سواءً أكان ذلك من داخل منازلهم العصرية المريحة أو أثناء استمتاعهم بالمساحات العامة في أحيائهم السكنية، ما يؤدي إلى إيجاد نمطٍ معيشي أخضر متفرد.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

نعرف أن شكل المدن المستقبلية بات يعتمد على الذكاء الاصطناعي والذي أصبح محور تركيز التصاميم الحالية.. كيف تواكب هذا الاتجاه السائد بينما تقوم بدمج الأغراض الجمالية والوظيفية ضمن تصاميمك؟

لا بد من تقدير الدور الذي لا يمكن الاستغناء عنه هنا للمهندس المعماري والمخطط الحضري والمصمم، بالتالي يعمل الذكاء الاصطناعي باعتباره واحداً بين العديد من الأدوات المتاحة للمعماري، يُعد إجراء الأبحاث المختصة جزءاً أساسياً من عملية التصميم، من وجهة نظري الخاصة..

يمكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن أبحاث التصميم، إذ ربما يتم، من خلال ذلك، تطوير وتحسين سردية التصميم المعني، كما يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي كذلك في إنشاء سيناريوهات يمكن استكشافها خلال تلك المرحلة، ثم أخذها بعين الاعتبار أثناء عملية التصميم..

ما يؤدي إلى إيجاد حلول تصميمية محتملة، كما يقوم فريقنا بشكل مستمر باستكشاف الفرص المختلفة التي قد يوفرها الذكاء الاصطناعي في كل مشروع.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

سبق وتحدثت عن تصاميم أنجزتها، لكن من منظورك الشخصي، ما هي أبرز التصاميم التي أنجزتها وما مزاياها الرئيسية؟

ربما يكون مركز زوّار «مَسار» أحد أبرز الأمثلة، وذلك من حيث تفاعله بين فنون العمارة الحديثة والبيئة الطبيعية المحيطة، فقد تم إيجاد سردية حوارية واضحة بين مساحاته الداخلية التي تحتضن المعالم المائية والمناور والأفنية مع سياقه الخارجي الأخضر والمورق..

حيث يمتاز المبنى القائم بذاته بعمق يمتد نحو السياق الطبيعي للمكان، دائماً ما أقول إن المبنى يعبّر عن محطةٍ متكاملة ضمن فقرة شعرية.

ومن الأمثلة الأخرى مجمّع «نِست» لمساكن الطلاب، والذي ذكرته سابقاً؛ فقد قمت بتصميمه لخلق تفاعل وتواصل بين الطلاب عبر مزج عناصر الطاقة والإبداع، يتكوّن المجمّع من اثني عشر مبنى، تم تشكيلها لاحتضان نسيم الهواء العليل وخلق مساحات خارجية نشطة وغير نشطة..

ويأخذ التصميم الرئيسي بالاعتبار العديد من الظروف البيئية مثل اتجاه الظل وحركة الرياح، بالإضافة إلى المساحات الداخلية والخارجية الرحبة التي سينعم بها المقيمون في المكان، كما قد تمّ تصميم الطابق الأرضي لتعزيز تدفق المشاة وحركتهم ضمن تجربة مثرية، تعكس عملانية المبنى وميزته الوظيفية، بما في ذلك مسار الجري بين المباني في مستوى الطابق الأرضي.

ولن أنسى صالة «ويلفِت» للياقة البدنية في مجتمع سراب بالجادة، والتي أعدنا من خلالها تعريف تجربة اللياقة البدنية بطريقة جديدة في الوقت الذي تشكل فيه نقطة حضرية مركزية في المكان؛ إذ تغوص الصالة الرياضية بشكل جزئي داخل الأرض وتمتزج بتناغمٍ وانسجام مع مشهد المناظر الطبيعية المحيطة والمجتمع السكني..

ويتعاظم دور صالة اللياقة هنا باعتبارها تحفة معمارية قائمة بحد ذاتها إلى جانب كونها رابطاً حضرياً داخل المجتمع، حيث يشكل سطح المبنى ممراً يربط بين سكان سراب داخل حيهم السكني.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

ولكن هل تتأثر قرارتك المعمارية باتجاهات التصميم الداخلي الحديثة؟

تترابط الهندسة المعمارية والتصميم الداخلي بشكل جدلي، مع وجود حوار متواصل بينهما، أنا أؤمن بمصطلح «العمارة الداخلية» بدلاً من التصميم الداخلي؛ إذ تكمّل العمارة الداخلية التصميم الكلّي على النطاق الأوسع عبر الاهتمام بالتفاصيل ووضع العناصر.

لا بد أن يكون مفهوم «العمارة الداخلية المعاصرة» هو المصطلح الأخير في هذه المعادلة وليس «التصميم الداخلي الحديث»، إن ما يؤثر على قراري المعماري هو الانسجام في العلاقات الداخلية والخارجية عبر اختيار قطع الأثاث ولوحات الألوان وأحجام الأشياء ومقاييسها بعناية تامة من حيث علاقتها بأبعاد المنزل.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

كيف تتعامل مع تفاعل وتمازج الضوء مع الظل في تصاميمك؟

أعتقد أننا يجب أن نتعايش مع الضوء ونستمتع بحركة الظلال داخل مساحات المبنى، كما أننا بحاجة إلى اختبار الظلام في أماكن مختلفة لتقدير عنصر النور في الأماكن الأخرى، هذه تجربة محورية أرغب في إيجادها في الجزء الداخلي من المبنى، تعود تجربتي مع الضوء إلى سنتي الثالثة في كلية الهندسة المعمارية..

حيث فتحت كتاباً لمشاهدة كنيسة النور المشهورة، والتي بُنيت عام 1989 من تصميم المعماري العالمي المعروف تاداو أندو، ومنذ ذلك الوقت شعرت بعلاقة معمارية وثيقةٍ مع هذا المهندس العظيم، ولا سيما بسبب استخدامه لعنصر الضوء في العديد من الأماكن.

حيث تعزز عناصر الضوء والظل من المفردات المعمارية للمبنى، إذ يسمح تفاعل هذين العنصرين بإيجاد تجربة مكانية أكثر عمقاً وأثيرية. وتمتاز العديد من مشاريع أرادَ بهذا التفاعل الفريد بين الضوء والظل، بما في ذلك التصميم المشترك مع القامة المعمارية الكبيرة، تاداو أندو، في مشروع أرماني بيتش رزيدنسز بنخلة جميرا.

ويتميز التصميم المعماري للمشروع بخلق استمرارية بصرية وتجريبية بين المناطق الداخلية والمشاهد البحرية لتحقيق انسجام وتناغم بين البيئة المبنية والطبيعة المحيطة بها..

وطوال المشروع أدى التفاعل بين الضوء والظل إلى تطوير موضوعي للتصميم ضمن المدخل، إذ تمتاز منطقة المدخل، ما بين الدخول والخروج بتفرّد يمنح إحساساً رائعاً يتمحور حول الاستفادة من عنصر الضوء.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

لقد عملت مع فريق المهندسين المعماريين لدى شركة زها حديد، ما هي الأفكار التي اكتسبتها من عملك معهم، وما الذي استفدته من فلسفتها؟

تركت الراحلة زها حديد إرثاً عميقاً للهندسة المعمارية حتى بعد وفاتها، إذ ما يزال جوهرها المميز واضحاً في فلسفة تصميم وتنفيذ المشاريع في الشركة، قد تجلّت هذه البصمة الدائمة بشكل استثنائي عبر التعاون بين أرادَ وشركة زها حديد في تصميم مدار مول ومركز استكشاف الجادة..

حيث مثّل كلاهما تجسيداً واضحاً لفلسفتها التي نالت الاستحسان: «يجب ألا يكون هناك نهاية للتجريب»، وقد نجح فريق زها حديد في دمج روح وقيم أرادَ ضمن عملية التصميم الخاصة بهم.

التعرّف على مواقع مختلفة ومتنوعة مصدر عميق للإلهام بالنسبة لي وهي تجارب تضيف إلى مخزوني المعماري والثقافي.

يمثّل السفر حول العالم مصدراً للإلهام، ما الذي لفت انتباهك في المدن التي قمت بزيارتها؟

تمثّل كلّ مدينة في العالم جوهرة نفيسة رائعة من النسيج الحضري والثقافات والناس، لقد سمحت لي فرصة زيارة المدن المختلفة بالانغماس في تجارب حضرية متنوعة وأعاجيب معمارية متفرّدة، أنا دائماً ما أستلهم من تلك التجارب عند تنفيذ التصاميم خلال عملي في أرادَ.

ولنبدأ ببيروت، مسقط رأسي، فإن لديها روحاً عريقة، روحٌ ساحرة وضاربة بجذورها في عمق التاريخ، إنها مدينةٌ تتنوّع فيها الثقافات وتتواصل بشكل يعكس أصالتها الحضرية بعمق، بالنسبة للبلد الذي اعتبرته وطني الثاني بعد بضعة أعوام، أستراليا..

فقد وجدت فيه اختلافاً كبيراً؛ فمدينة سيدني، على سبيل المثال، كانت مكتظة بالسكان وديناميكية وفتيّة بشكل مختلف من حيث السياق والظروف.

أما بالنسبة لليابان، فقد قمت باستكشاف طوكيو وكيوتو، حيث تعدّ الأولى محطة تجارية مركزية، في حين تميزت الثانية بتراثها الثقافي العريق.

وقد تضمنت استكشافاتي للعالم الغربي زياراتي التي قمت بها إلى مدينة نيويورك، حيث أسرني مبنى سيجرام، والذي قام بتصميمه لودفيغ ميس فان دير روه خلال خمسينيات القرن العشرين، قد اطلعت خلال اكتشافي للمدن الأوروبية على السياقات عالية الكثافة والتي تتطلب حلولاً مبتكرة..

ففي لندن على سبيل المثال كان السياق عالي الكثافة يتطلّب إيجاد اتصالٍ حضري مباشر استجابة للواقع الذي تفرضه عوامل المكان والزمان.

وقد زودني العمل والعيش في جوبا جنوب السودان بتجربة جديدة لاكتشاف العمارة المحلية العاميّة للبلاد، وكيف يعكس ذلك بعمقٍ ممارستها الثقافية وهكذا فإن التقاليد تؤثر بعمقٍ في فنون العمارة وأساليب البناء وأنماط العيش وسط المساحات الداخلية في المنازل.

المهندس المعماري إيلي مراد: التقاليد تلهم فنون العمارة.. والاستدامة عنوان الاتجاهات المستقبلية

ما هي أبرز التصاميم التي ستواكب الاتجاهات السائدة في عام 2024؟

تعتبر العمارة الخاصة بكل فترة استجابة لتلك الفترة الزمنية التي وجدت فيها، وغالباً ما تمثّل البيئة المبنية تلك الاتجاهات السائدة فيها، وهذا موضوع شائع بشكل متزايد في عصرنا الحالي، حيث تكثر التعابير والمصطلحات الرنّانة والمزايا الجديدة التي تلقى رواجاً بشكلٍ كبير.

وفي الوقت الذي تكون فيه الاتجاهات -أو الترندات- المعاصرة حيوية وذات صلة عند استكشاف أنماطٍ جديدة، يبقى احترام السياق والاستجابة لاحتياجات ومتطلّبات المستخدم النهائي أمراً بالغ الأهمية..

ربما تتضمن الاتجاهات المعمارية والعمرانية والتصميمية المستقبلية مجالات جديدة تتفاعل مع الاكتشافات التكنولوجية وممارسات الاستدامة البيئية.

ومن وجهة نظري الشخصية، يكمن السرّ في البقاء فتياً ومعاصراً لمواكبة المتغيرات المتسارعة التي بتنا نشهدها كل يوم.

* الصور: من المصدر