"بيئة" في الشارقة.. استدامة وتكنولوجيا تحمل روح "زها حديد" وجغرافيا المكان
يجمع مبنى مجموعة «بيئة» في الشارقة بين ضفتيه جماليات استثنائية، ويعتبر نموذجاً بيئياً رائداً، حيث يزاوج بين إبداعات الهندسة وتناسق أهدافها مع مبادئ الاستدامة والتحول الرقمي.
المقر الذي يعتبر الأكثر استدامة في العالم يحمل توقيع زها حديد، المعمارية العراقية العالمية، ويتسم بجماليات هندسية استلهمتها حديد من تضاريس المكان إلى مواكبة المبنى بتفاصيله لتحولات العالم التكنولوجية وتزويده بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
مبنى «بيئة».. تصميم يحاكي الكثبان الرملية
يتسم المبنى الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، منذ نحو عام، بمجموعةٍ من التقنيات التي تضعه في طليعة المباني الحديثة في العالم، من اعتماده على الطاقة الشمسية، والخدمات الذكية، والمساحة الخضراء خارج المبنى، ومركز الزوار التفاعلي والمسرح المتطور، دون إغفال «إلهام» الجغرافيا حيث سطحه الخارجي يجسّد الكثبان الرملية التي تحيط بالمكان على طريق الذيد، في إبداع يحاكي أهدافه في «تحقيق صافي انبعاثات صفرية» وفي توظيف الطبيعة المحيطة به في هندسته.
وحرصاً على مواكبة العصر، يدمج المبنى بين الذكاء الاصطناعي والتقنيات في توازن بين الاستدامة والرقمنة وتحقيق مبدأ «الحياد الكربوني» من خلال هيكله الذي يراعي المعايير البيئية الدولية، بما ينسجم مع استراتيجية بيئة الثنائية: الاستدامة والتحول الرقمي.
برج "ذا أوبوس" في دبي يتشح بصورة المعمارية زها حديد بعد رحيلها.. وهي مصممة البرج
عبقرية المعمارية العراقية زها حديد
بصمات هندسية بخصوصية فارقة هي التي طبعت أعمال زها حديد المعمارية التي يعود لها الفضل في "تأنيث" صلابة العمارة كما يردّدون.
فالبشر يرحلون عن عالمنا تاركين آثارهم وبصماتهم التي تدل على مسيرتهم ومرورهم في الحياة، وما أبدعوه من أعمالٍ تعيش لتدل عليهم، وهذا ما جسدته مسيرة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، إحدى أمهر مهندسات العالم المعماريات اللواتي تركن بصمةً عالميةً في عواصم كثيرة من العالم، بلمساتها الفنية التي صارت بصمةً هندسيةً تُنسب إليها بمجرد رؤيتها بالعين، لما اتسمت به أعمالها من خصوصيةٍ فنيةٍ ذات سماتٍ مميزة وفارقة.
من دار أوبرا غواتزو في الصين، إلى مركز حيدر علييف بأذربيجان، إلى معرض سربنتين ساكلر في لندن، وإلى جسر الشيخ زايد في أبوظبي، الجسر الذي يعتبر «الأكثر تعقيداً على الإطلاق»، والفندق العائم في دبي.. تواصلت أعمال زها حديد المميزة، والتي حصدت جوائز معماريةً عالميةً لم يكن ليحصل عليها سوى الرجال في هذا الحقل، وتتابعت المسيرة وصولاً إلى الشارقة، الإمارة الباسمة، التي لمستها روح «حديد» من أفقها البعيد الآن، في مبنى مجموعة «بيئة» الرئيسي الذي يعد أحد أكثر المباني استدامةً وذكاءً في العالم، ليُمثل جوهر ومفهوم عمل «بيئة» في تبنيها فكرة الاستدامة والعمل الأخضر.
تجربة استثنائية
لا يمكن الإحاطة بالتفاصيل الكلية للمكان، إذ إن تصميماته الداخلية تخترقها أشعة الشمس، والواحة داخله توفر استراتيجية التهوية الطبيعية، إلى غرف اجتماعات ذكية وحتى معالجة المياه في الموقع لفلترة مياه الصرف وتقليل الاستهلاك.
«بيئة».. استدامة وحلول رقمية
والعمل على أهداف مجموعة «بيئة» يستكمل فصوله عبر الكثير من المشاريع والمبادرات، حيث تلفت المدير التنفيذي لشركة «بيئة للتعليم» هند الحويدي، إلى أن مبنى «بيئة» يجسّد مبادئ الاستدامة والتحول الرقمي من خلال تفاصيله والمميزات التقنية التي استخدمت في إنشائه، حيث تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المبنى وتم تشغيلها من قبل شركة «ايفوتيك»، إحدى شركات «بيئة للرقميات»، وشركة مايكروسوفت، و«جونسون كنترولز»، ويحتوي على عدد من المميزات الفريدة التي تجعل تجربة الموظفين والزوار تجربة ممتعة واستثنائية.
كمدير تنفيذي لـ«بيئة للتعليم»، تلفت إلى برامج إعادة التدوير «ففي مجال التثقيف البيئي، هناك برنامج «مدرستي» للتثقيف البيئي الذي تم طرحه منذ عام 2010 ويهدف إلى تعليم طلبة المدارس الحكومية والخاصة على مبادئ الاستدامة، واستهدف البرنامج نحو 250 ألف طالب إلى 7 آلاف معلم و700 مدرسة في جميع أنحاء الإمارات».
وفي مجال إعادة التدوير، تتوقّف الحويدي عند «إطلاق مبادرة «مدارس بلا نفايات» بالتعاون مع وزارة التغير المناخي والبيئة ومركز أبو ظبي لإدارة النفايات – تدوير، ومؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، واستهدف المشروع 63 مدرسة حكومية على مستوى الدولة، وركز على تقديم محتوى تثقيفي يعزز من مبادئ الاستدامة وإعادة التدوير وتوفير حاويات خاصة لفرز النفايات وتوظيف عدد من الحلول التكنولوجية لفرز النفايات بشكل صحيح ضمن نطاق المدارس المستهدفة بالمبادرة».
توجه الحويدي نصائحها للأسرة الإماراتية «نحن نشجع جميع أفراد المجتمع وخاصة السكان على فرز النفايات من المنزل، لأن إتمام عملية الفرز بالشكل الصحيح يعزّز ويرفع من كفاءة المواد التي تصل وتتجمع في إدارة النفايات، كما تتوافر حاويات إعادة التدوير في جميع الأحياء السكنية في إمارة الشارقة».
يستكمل مبنى «بيئة» حكايته الجميلة، فالتقنيات والذكاء الاصطناعي ومعايير التقييس البيئي العالمية لم تكن هي فقط الحاضرة في المبنى الذي صممته أنامل امرأةٍ مبدعةٍ، طوّعت الحديد فلانَ كإسمها، وإنما استمدت التصميم البديع من الطبيعة في تشكيلاتها، ومن الكثبان الرملية في منطقة الصجعة، ليكون جزءاً من المكان وحقيقته، نابعاً من عناصره الأولى والأصيلة، وقد أُسسَ ليبقى وليستكمل دوره في الحفاظ على البيئة والطاقة النظيفة وترسيخ الاستدامة.
* تصوير: السيد رمضان ومن المصدر