عدوى التصرفات والسلوك بكل أشكاله الجيدة والسيئة، تنتشر عبر الـ«سوشيال ميديا» بين المستخدمين بكل فئاتهم العمرية، فتأثير هذه المواقع ليس محصوراً في الأطفال والشباب، بل تعداه إلى الكبار الذين صاروا يتبنون ما يشاهدونه في الفيديوهات والنصوص الكثيرة التي تجتاح اليوم العقول كما لو أنها طوفان يهدد الحياة وأسلوب التفكير والتعامل، وصاروا يطبقونها كلها وبدون رقابة ذاتية كمنهج تربية وأسلوب حياة.
ومن الأطفال أصحاب النفوس الندية التي تتقولب مع المعطيات التي تردها، إلى المراهقين الذين ينتشون بما تقدم لهم مواقع التواصل ويعيشون حالة من الفوضى في السلوك والاعتقاد، إلى الآباء والأمهات وأطياف أخرى كثيرة في المجتمعات..
تلعب مواقع التواصل في النفوس والأرواح لعبة خطرة تنتهي بعدم الاستقرار العاطفي والنفسي وتنعكس سلوكاً نفسياً مضطرباً غير واضح المعالم.
تأثيرات الـ«سوشيال ميديا»
تلعب مواقع التواصل دوراً رئيسياً في اتخاذ القرارات، فهي تشكل اليوم المصدر الأساسي في تزويد المستخدمين الذين يعتمدون على أعضاء شبكاتهم بالمعلومات والتوصيات و الأخبار، ويعتمدونها للتواصل مع الآخرين وتلبية احتياجاتهم من منتجات وخدمات.
ولكن مقابل ما تقدمه مواقع التواصل من فوائد تتعلق بتسهيل المعاملات كافة، والتزويد بالمعلومات المختلفة، فإن لها تأثيراً كبيراً في السلوك والجوانب النفسية، وهذا التأثير هو أكثر عمقاً لدى الصغار والمراهقين..
ولكنه لا يستثني الكبار ولو حاولوا أن يقنعوا أنفسهم أنهم لا يتأثرون وأنهم أصحاب خبرة ومعرفة مبنيتيْن على مدى السنين، فتصرفاتهم اليومية، سواء مع أنفسهم أو مع الآخرين، تعكس ذلك بوضوح تام.
معلومات مضللة
لا شك في أن مواقع التواصل تشكل مصدر معلومات مفيدة أحياناً، لكن المعلومات الغزيرة التي يتزود بها الناس قد تكون أيضاً مضللة ومتناقضة بحيث يصعب تمييزها، خصوصاً أن الخوارزميات المستخدمة تعطي لهذه المعلومات وجهاً واحداً، لذا عندما يشك المستخدم بصحة معلومة ما، عليه إلا أن يلجأ إلى مصادر خارجية أكثر وثوقاً ودقة ووضوحاً.
تراجع الثقة بالذات
يوماً بعد يوم، يلاحظ خبراء الصحة النفسية تراجعاً في الثقة بالنفس لدى أولئك الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، خصوصاً الفتيات المراهقات اللاتي يقارنَّ أنفسهن بأشخاص يغزون مواقع التواصل ويُظهرون أنهم يتمتعون بحياة رائعة ونموذجية فينخفض معدل تقديرهن لأنفسهن وتتلاشى ثقتهن بما لديهن شيئاً فشيئاً.
اضطرابات الصحة النفسية
إلى جانب تراجع الثقة في النفس أو فقدانها، ثمة مشكلات نفسية قد تواجه مدمني الـ«سوشيال ميديا»، فقد دلّت الدراسات أنه منذ بدء استخدام مواقع التواصل، تبلورت وتفاقمت أنواع كثيرة من الاضطرابات النفسية؛ مثل القلق والاكتئاب والميل إلى العزلة، خصوصاً لدى أولئك الذين يستخدمون مواقع التواصل من 3 إلى 6 ساعات يومياً.
عزلة وتطرف
لم تحطم مواقع التواصل الاجتماعي حواجز العزلة بين الناس كما كان يُفترض أن تفعل، بل على العكس من ذلك، فقد جرّت هذه المواقع الكثير من المستخدمين إلى الانطواء والعزلة حيث يجدون راحتهم..
أو يظنون ذلك، بالتنقل عبر الشاشات، مفضلين التواصل في العالم الافتراضي على التواصل في عالم واقعي ملموس، بدأ يتضاءل شيئاً فشيئاً محدثاً شرخاً كبيراً في العلاقات وخللاً في الصحة النفسية قد يصل إلى مرض نفسي أو عزلة اجتماعية كاملة تؤدي إلى التطرف.
إدمان وتعلق
منذ سنوات والخبراء يتحدثون عن الإدمان السيبراني الذي حصلت فيه مواقع التواصل على الحصة الأكبر، خصوصاً أنها قد صُممت لخلق هذا النوع من الإدمان! ومن الملاحظ تماماً أن مستخدمي مواقع التواصل قد تجازوا مرحلة اللايكات والاطلاع على آخر المعلومات، ودخلوا مرحلة «الفومو»..
وهي ظاهرة باتت منتشرة بين الناس تتمثل في الخوف من تفويت شيء على الـ«سوشيال ميديا» (fear of missing out)، وفيها يحرص الشخص على إبقاء هاتفه في يده كي لا تفوته فائتة مما يجري على مواقع التواصل، فيلغي بذلك وجوده ولا يستمتع بحياته.
وفي الخاتمة، إذا كانت مواقع التواصل، مثل: X، إنستغرام، سناب شات، فيسبوك، يوتيوب، تيك توك، لينكدإن، (مع الاكتفاء بذكر هذه المواقع)، تتيح للناس والمهنيين والمتسوقين والمنتجين التقارب والتقرب، فإنها على الوجه الآخر، تخلق فجوة كبيرة بين العالميْن الواقعي والافتراضي بحيث ينعزل المستخدم عن عالمه الواقعي انعزالاً خطيراً يضر بصحته النفسية ووجوده الاجتماعي..
وإذا كانت هذه المواقع التي ستستمر طويلاً وتتطور أكثر فأكثر، تفيد في جوانب حياتية كثيرة، فلا يصح أن ننغمس فيها كلياً وننسى أننا نقف ونمشي على أرض حقيقية ونقابل أناساً حقيقيين، وهذا يعطي حياتنا متعة وجمالاً.