04 ديسمبر 2024

لا أفكار سلبية بعد اليوم.. الكلام مع النفس أوامر نوجهها لدماغنا

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

هل أنت متوتر أو منزعج؟ هل تتخيل سيناريوهات كارثية للمستقبل؟ هل تعيش على القلق والأفكار السوداء التي تظلّل حياتك وتحرمك النوم؟ قلْ كفى للأفكار السلبية، إذ من الممكن ملاحقتها وطردها، واختيار السكينة بدلاً منها. باختصار، التحوّل إلى الأفكار الإيجابية.

مجلة كل الأسرة

نستعرض معاً، كتاب "لا أفكار سلبية بعد اليوم" من تأليف سلافيكا بوغدانوف، التي تؤكد فيه على أن  الأفكار السلبية هي أفكار تكرارية وغير منتجة، بل هي تسبب مباشرة مشاعر سلبية تشكل انعكاساً جسدياً لها. ومتى تعرّفنا إلى نماذج هذه الأفكار كلما ساورتنا، أمكننا البدء باختيار الطريقة التي نتعامل بها معها.

نماذج الأفكار السلبية

إليكم نماذج للأفكار السلبية الأكثر رواجاً:

أفكار تشغل البال وتسبّب القلق: قد تتمثل الفكرة السلبية في تخيُّل، أو توقع حدوث أمور سيئة، أو القناعة بأن لا شيء جيداً سيحدث معكم. يمكنكم أن تقلقوا من إمكانية تدهور صحتكم، أو تعرّض حياتكم الزوجية للخطر، أو تعرّضكم لحادث سيارة، أو انهيار حياتكم المهنية، حتى لو لم يحصل شيء من كل هذا حقاً. حين يذهب الفكر إلى المستقبل، ويبني سيناريوهات على ما يمكن أن يحصل بناء على عبارة «ماذا لو...؟»، يدخل المرء في دوامة الأفكار السلبية.

الأسف والشعور بالذنب: اجترار الأخطاء التي وقعنا فيها في الماضي يولّد السلبية. مشاعر الذنب وعدم الفائدة قد تظهر حينما تستعيدون باستمرار في أذهانكم الخيارات «السيئة» التي قمتم بها في الماضي، أو الأعمال «الخاطئة» التي جئتم بها. لا يحمل مجرد التفكير في التجارب الماضية سلبية بحد ذاته. فنحن بإمكاننا أن نتعلّم، ونتطوّر كأشخاص، لكن السلبية تظهر حينما نركز على وضع معيّن مرّات عدة، من دون نية حقيقية في استخراج العِبر منه، أو إيجاد مخرج مختلف.

المشكلات: غالباً ما تدور الأفكار السلبية حول المسائل المتعثرة في حياتنا، حيث يتركز الاهتمام على المظاهر المسماة بالسلبية، ويضخمها في الذهن، بينما يقلل من أهمية المظاهر الإيجابية. على سبيل المثال، يمكن أن يكون لديك أسرة رائعة، وسبل عيش ميسّرة، لكن سيارتك معطلة، ولا يمكنك أن تفكر إلا في هذا الأمر طيلة الأسبوع. تترك وضع السيارة يسيطر على فكرك ما يولّد لديك أفكاراً ومشاعر سلبية.

عدم الرضى: التركيز على كل الأشياء التي تحتاج إليها حتى تكون سعيداً هو نموذج آخر من الفكر السلبي. من السهل أن ترهن قدرتك على أن تكون سعيداً بأشياء خارجية، كالحصول على سيارة سريعة، أو العثور على توأمك الروحي. ومن السهل كذلك أن ننسى أن هذه الرغبة تولّد مشاعر دائمة بالضيق، وعدم الرضى. ومن الطبيعي بالنسبة إلى الكثير من الناس، أن يظلوا غير راضين، وأن يطلبوا أكثر، فأكثر. لكن حين تركز دائماً على ما تريد، بدل أن تفرح بما لديك يزداد شعورك بالضيق.

تغيير طريقة الإدراك

من أجل تغيير أي وضع كان، يجب أن تغيّر طريقتك في إدراكه، أي طريقتك في النظر إلى الوضع. ومن أجل الوصول إلى هذه النقطة يجب أن نطرح السؤال التالي على أنفسنا: لماذا لا أملك ما أريده؟ أي اعتقاد قد ترسّخ في نفسي يحول دون هذا؟

رؤيتنا للأمور تعمل على طريقة الرادار. في اللحظة التي تشيرون إليها بما تريدون رؤيته تبدأون بالبحث من حولكم، ويقدمه لكم «واقعكم». إليكم بعض الأمثلة البسيطة على هذا: حين تشترون سيارة جديدة ترونها في كل مكان، لماذا؟ ليس لأن الجميع قد قرر أن يشتري السيارة ذاتها في الوقت ذاته، بل لأنكم أمرتم، من دون حتى أن تعلموا، عينيكم بالانتباه لهذا النوع من السيارات. أما إذا علمتِ بأنك حامل فلسوف ترين أطفالاً في كل مكان. وكذلك الأمر إذا ما حاولت أن تخسر بعض الوزن فستجبر نفسك على عدم التفكير في الحلوى لكنك ستراها في كل مكان، لأنك حينما تجبر نفسك على عدم الرؤية ستأمر عينيك بالبحث عما تسعى إلى تجنبه.

متى ما وجّهتم اهتمامكم نحو فكرة، أو شيء، أو مصدر خوف، أو همّ معين، أمرتم فوراً أعينكم بالبحث عن مثيله. إنه نظام التنشيط الشبكي الذي يقود أنظاركم حتى يبحث من حولكم عن كل ما سيفيدكم من أجل أن تؤكدوا أفكاركم ومعتقداتكم. وهو ينشط بإرادتكم الخاصة. أفكاركم هي أوامر تقود الدماغ. وعقلكم موجود من أجل أن «يفكر»، ومن أجل أن يبيّن لكم أنكم على حق، وهذه من أهم النقاط.

إذا ما أردتم أن تغيّروا «واقعكم» عليكم أن تبدّلوا أجهزة القيادة تلك، وعليكم التخلص من المعتقدات المتصلة بـ«الواقع» الذي تقرّرون تغييره.

مجلة كل الأسرة

التفكير الإيجابي ممكن

ثمة عنصران أساسيان يجب معرفتهما من أجل «حسن التحدث» مع دماغكم، فأنتم بمجرد أن تفكروا، فإنكم تصدرون أوامر لدماغكم، وهذه الأوامر إما أن تقربكم مما تريدون، وإما أن تبعدكم.

المفهوم الأول الذي ينبغي معرفته هو أن دماغكم لا يفهم صيغة النفي. أشخاص كثر يستخدمون النفي حتى يقولوا ما يرغبون فيه في الحياة، على سبيل المثال: «لا أريد الاستدانة»، «لا أريد العيش وحيداً»، «لا أريد أن أمرض بعد اليوم»... للأسف، لا يستطيع الدماغ أن يفهمكم، بل إن كل ما يفهمه هو «استدانة»، «وحيد»، «مرض». وهو يتبع هذه الأوامر وسيستخدم راداره من أن أجل يقدم لك مزيداً من الشواهد على ما تبحث عنه.

لذا من الضروري جداً أن تحرصوا على تغيير طريقة كلامكم، بقولكم مثلا: «أريد توفير المال»، «أنا سعيدة في حياتي الزوجية»، «أحب الاحساس بالصحة وأنا على طريق الشفاء».

إذا كنتم تظنون أنكم تتكلمون بشكل إيجابي، سجلوا ما تقولونه خلال أحاديثكم مع المحيطين بكم وستذهلون لكمية التعابير السلبية التي تستخدمونها. تذكروا أن ما تعيشونه هو انعكاس لأفكاركم الأكثر تكراراً. غيّروا أفكاركم، وستغيّرون معاشكم.

العنصر الثاني الذي يؤثر في الأوامر التي يتلقاها دماغكم متصل بانفعالاتكم. يتحرك الدماغ بواسطة انفعالَين أساسيين: انفعال إيجابي، أو انفعال سلبي. ونحن نعرف، بالفطرة، كيفية التمييز بينهما. فالأول يشعركم بالراحة، على عكس الثاني. وفي المجموعة الأولى يمكن أن نضع الحب، والامتنان، والفرح، والغفران، والأمل، والحماسة، والارتياح.. وفي الثاني يمكن أن نضع الكراهية، والغضب، والحقد، والحسد، والغيرة، والخوف...

ترسل الانفعالات السلبية أمراً فحواه «خطر»، أو «موت»، إلى الدماغ، في حين أن الانفعالات الإيجابية ترسل أمراً فحواه «حياة»، «تكاثر»، «أمان»... لا يقع التوتر والضغط في خارجكم، وحسب، بل هما في داخلكم أيضاً، وأنتم قادرون على السيطرة عليهما بتغيير ما تفكرون فيه. ضعوا قائمة بكل ما يجعلكم سعداء: أغنية، نزهة في الطبيعة، حمام ساخن، لمسة وقبلة من صغيركم... احفظوا محفزات السعادة هذه في داخلكم، وتذكروا كل ما أعطتكم إياه من فرح داخلي. ثم يمكنكم أن تستعينوا بهذه المشاعر بمجرد أن تشعروا بأنكم تنزلقون نحو السلبية.

يجب أن تنظروا في الاتجاه الذي تريدون لحياتكم أن تتوجه نحوه، لئلا تصطدموا بجدار، أو بطريق مسدود، وتخلقوا لأنفسكم مشاكل أكبر. الطريقة الأفضل لتحضير أنفسكم هي توقع ما ستواجهونه من عقبات، وهذا طبيعي، وحتى أنه ضروري، كما أن توقع الحلول التي يمكن أن تقدموها لتخطي هذه العقبات يقيكم من نوبات الهلع، والأفكار السلبية.

في المقابل، لا تسعوا إلى التفكير الإيجابي حين تكونون تعِبين، فحالتكم الذهنية ترتبط مباشرة بحالة الطاقة العامة التي تتمتعون بها. إذا كنتم تعِبين، أو تعانون مشكلات هضمية، أو سواها، سيكون من الصعب عليكم أن تفكروا بشكل إيجابي. بمجرد أن تشعروا بأن أفكاركم تنحو بعض الشيء نحو السلبية، اسألوا أنفسكم إن كنتم قد حظيتم براحة كافية.

أحياناً نميل إلى التخلّي عن هدفنا ليس لأن الهدف غير قابل للتحقيق، بل لأننا تعِبين ببساطة. يجب أن نتعلم ضرورة التوقف كل يوم والإصغاء لجسدنا. إذا ما طلب منّا أن نخلد إلى النوم في الساعة الثامنة مساء لفرط التعب، علينا أن نفعل، وألا نجبره على البقاء مستيقظاً لمجرد أن الساعة لا تزال مبكرة.

يسمح الفكر البنّاء لكم بأن تكونوا سعداء حينما يسير كل شيء على ما يرام، وبأن تضعوا المشكلات في إطارها حتى لا تطغى عليكم، ولتعالجوها بطريقة عملية. كلما مارستم هذا النوع من التفكير صرتم أكثر قدرة على العيش في الحاضر، من دون الاهتمام بمصائب المستقبل. أنا لا أقول لكم أن تضعوا رؤوسكم في الرمال كما النعامة، بل عليكم أن تواجهوا المشكلات، ثم تلتفتوا نحو الحلول، وليس نحو حالة من الخوف تصيبكم بالشلل.

وكما طريقة بناء عضلات قوية، عليكم أن تبدأوا، ببطء ومع الوقت، بتدريب دماغكم على التفكير بطريقة إيجابية، ليندثر معها التفكير السلبي.

اقرأ أيضاً: 4 علامات تدل على امتلاء عقلك بالطاقة السلبية