يظل الحب هو المحرك لمشاعر البشر والوقود الذي يدفعهم لإقامة جسور التواصل فيما بينهم، بل هو من يحدد قوة العلاقة بين الزوجين وصلابتها، ولكن دائماً ما يراود البعض تساؤل عن التوقيت الأنسب له، وهل عندما يأتي قبل الزواج يسهم في توثيق علاقة ناجحة قوامها الاستمرارية والديمومة؟ أم إذا جاء بالعشرة يكون أكثر صلابة ونضجاً وكافياً لتأسيس علاقة زوجية ناجحة ومتماسكة؟
طرحنا هذا الأمر على شريحة من أفراد المجتمع، ثم استعرضنا رأي المختصين في المجال النفسي والعلاقات الزوجية:
علا حامد في العقد الرابع من العمر، تقول «الحب هو مفتاح أي علاقة ناجحة وإذا كان قوياً فهو كفيل باستمرارها، ولكن أرى أن المشاعر التي تعقب الزواج تكون أكثر نضجاً لأنها جاءت بعد تفكير عميق، فبناء على تجربتي الشخصية تزوجت بعد أن جمعتني بشريك حياتي قصة حب قوية وظللنا نرسم في الأفق أحلاماً كثيرة عن حياتنا المستقبلية وبمجرد أن ارتبطنا تبدد كل شيء وأصبحت الحياة بيننا غير محتملة بسبب عدم قدرته على تحمل المسؤولية والقيام بواجباته تجاهي وطفليّ، وبعد مرور 4 أعوام فقط قرر أن ينفصل عنا، معللاً تسرعه في مسألة الارتباط وأنه غير سعيد في حياته وحينها أدركت أن الحب وحده غير كفيل بنجاحنا ولا يكفي لإقامة علاقة زوجية متينة».
أما راشد محمد، موظف، فيرى أن الزواج عن حب يضمن نجاحه، ويشير «العلاقة الزوجية الناجحة تتطلب وجود التفاهم، والاحترام، والإخلاص، ولكن دائماً ما يضمن الحب بقاءها لأنه يؤسس لعلاقة قوامها التفاهم بين طرفين، فعندما أفكر في الزواج سوف أبحث عنه حتى أضمن أن تشاركني الحياة زوجة تتفهم ظروفي كلها وتقبلها كما هي دون أن تثقل علي بشيء هي تدرك جيداً أنني لا أستطيع تحقيقه، فالزواج مسؤولية ويحتاج إلى أطراف تبحث عن الاستقرار وأرى أن ذلك يأتي بالحب».
سهام عبيد، في العقد الثالث من العمر، تقول «لا يوجد شيء يضمن ديمومة الزواج، فالأمر كله قدرياً ولا يرتبط بمشاعر أو اجتهادات بشر، فلا يضمن الزواج عن حب ارتباطاً ناجحاً أو التقليدي ذلك، فالأمر يتوقف على طرفي العلاقة ومدى جديتهما في نجاح العشرة واستمراريتها، فقد ارتبطت بشريك حياتي وكان زميلي في العمل ولم يكن يجمعنا شيء سوى التحدث في متطلبات العمل وفجأة وجدته يطلب يدي للزواج ووافقت، وها أنا أعيش معه حياة سعيدة ولا أطمح منها سوى أن يظل يجمعنا الحب والود الذي ولد يوم زواجنا».
لكي نقوي أواصر الحب علينا أولاً بتقوى الله عز وجل، ثم إخلاص وصدق النوايا وجعل التحاور الناضج والراقي جزءاً من أساسيات العلاقة
آسية القرشي، مستشارة نفسية ومطورة تدريب، توضح «أسس العالم روبرت ستيرنبرغ نظرية تجيب على عدد من الأسئلة التي تشغل عقول الكثيرين من الناس حول مفهوم الحب واستمرارية العلاقات وبقائها، اعتمد فيها على عناصر محددة منها الالتزام والمسؤولية والاحتواء العاطفي، والتي إذا ما توافرت في أي علاقة سوف تنجحها سواء بدأت قبل الزواج أو بعده، أما فيما يتعلق بمسألة الديمومة فالأمر يتوقف على توفيق الله عز وجل، فكم من علاقات زوجية بذل فيها الطرفان مجهوداً كبيراً لبقائها ولم يكتب لها النجاح، وهناك أخرى بدأت بسيطة واستمرت، بسبب المواقف التي مر بها الطرفان ومبادرتهما بتحمل المسؤولية وعدم التخلي عن اتخاذ القرارات التي تزيد من أواصر تلك العلاقة وتقويها، وهذا كله لا ينجح إلا إذا اجتهد قطبا العلاقة في ذلك وأدى كل واحد دوره على أكمل وجه».
وتضيف «لكي نقوي أواصر الود والحب في العلاقة الزوجية علينا أولاً بتقوى الله عز وجل، ثم إخلاص وصدق النوايا وجعل التحاور الناضج والراقي جزءاً من أساسيات العلاقة والتشاور في أمور الحياة كلها، بجانب التعاون والالتزام وإعطاء مساحة كافية من الحرية يتحرك فيها الشخص دون قلق من ردة فعل الطرف الثاني».
وتشير القرشي إلى أن «الحب هو أجمل إحساس يمكن أن يعطيه أو يأخذه الإنسان، ولا توجد أسرة مستقرة دون محبة، فهو ليس مجرد عاطفة تمر علينا مرور الكرام، بل هو حالة متكاملة من الرغبة في الحياة تساعدنا على أن نعيش ونكمل حياتنا، على الرغم من الألم والتعب الذي يمكن أن نتعرض إليه ونحن نعيش معترك الحياة، فلا يجوز أن نمنع حباً بين طرفين، فالحب ليس حراماً ولكن علينا أن نكلله بالأخلاق والالتزام، والأمثلة على الزواج الناجح كثيرة ومنها ما سبقه حب ساعد في تقوية تلك العلاقة وجعلتها قادرة على مواجهة أي عواصف تتعرض لها، وعلى الجانب الآخر هناك قلوب طرق بابها الحب بعد الزواج واستطاعت بفضل رغبتها في الاستمرارية وإقامة بيت تحيطه السكينة من جعل الزواج أكثر متانة وقوة».
الحب الحقيقي من وجهة نظري هو ما يأتي بعد الاختيار السليم
ناعمة الشامسي، خبيرة علاقات زوجية وأسرية، تقول «هناك من يعتقد أن الانجذاب وحده يكفي لإقامة علاقة متينة ويظن خطأ أنه أصيب بالحب فيشرع في إقامة علاقة سرعان ما تزول لأنها لم تكن حباً من الأساس، فالأهم من ذلك كله هو الاختيار الصحيح الذي يعتمد على البحث عن أوجه التقارب في أنماط الشخصيات المقبلة على الارتباط حتى لا يحدث تنافر فيما بينها بعد الزواج، فالحب الحقيقي من وجهة نظري هو ما يأتي بعد ذلك أي بعد الاختيار السليم، فكم من حالات عرضت علينا جمعها الحب ولم توفق في حياتها بسبب الغيرة والشك مثلاً والتي كانت معلومة مسبقاً عن تلك الشخصية ومع ذلك لم يستطع الطرف الثاني تحملها، وعلى الجانب الآخر توجد زوجات ارتبطن بشركاء حياتهن ولم يسبق ذلك سوى تعارف بسيط ودامت العشرة، والسبب تحليهن بالصبر وضبط النفس عند مواجهة المشاكل، وهناك من الرجال فضلوا زواج الصالونات وخاضوا معارك الحياة مع زوجاتهم بكل جلد وعبروا أزمات كثيرة حرصاً منهم على ألا تهدم بيوتهم ولم يكن هناك حب قبل الزواج».
وتتابع «الحب نعمة كبيرة ولكنني أفضله عندما يأتي في وقته الطبيعي وأقصد بعد نضج الطرفين فكرياً ونفسياً ووجود الرغبة الحقيقية لديهما في الارتباط وتكملة مشوار الحياة سوياً وبناء بيت مستقر يحيطه الود والتفاهم والاحترام، ونصيحتي عندما تتحرك مشاعر الشاب تجاه فتاة فليتقدم لخطبتها ويعيش معها أحاسيس الود في تلك الفترة لأنها وجدت لذلك، والحمد لله صارت العائلات أكثر وعياً لأهمية تلك المرحلة وتسمح بإعطاء الخطيبين مساحة التقاء كي يعرف كل واحد منهما طباع الآخر وهو شيء جيد لم يكن يحدث من قبل، إذ كانت الأسر تتحسس من زيارة الخطيب وتجعلها مقتصرة حتى يتم الزواج».