ربما هي حالات فردية لا ترقى إلى وصفها بالظاهرة، لكنها تثير الجدل بين أوساط النساء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كلما تطرح إحداها على الساحة، فها هي امرأة في إحدى الدول العربية تبحث عن زوجة لشريك حياتها رغبة في إسعاده معللة أن قلب الرجل يستطيع أن يحب أكثر من امرأة، عكس بنات حواء اللاتي لا يسع قلبهن إلا لرجل واحد.
أثارت تلك المسألة حفيظة البعض ممن رفض مثل هذا الفعل واعتبره شيئاً لا يرقى إلى مستوى الحقيقة التي تقر بأن غيرة المرأة قاتلة ولا تسمح بمثل ذلك، إلا أن الواقع جاء ليقر بوجود حالات أخرى بحثت عن شريكة أخرى للزوج وذلك على لسان بعض المختصين في مجال العلاقات الزوجية والأسرية.
نماذج حقيقية في المجتمع
يعقوب الحمادي، أخصائي اجتماعي وخبير علاقات أسرية، يقول «قد يتبادر إلى ذهن البعض أن طرح قصة لسيدة تبحث عن زوجة ثانية لشريك حياتها هو من درب الخيال وغير حقيقي، ولكن وبناء على دراسة الواقع أصبح ذلك شيئاً عادياً، بل ويحدث في أرقى العائلات والمجتمعات العربية، فلا عجب في العرض مادام الطلب موجوداً، وسأذكر واقعة مرت علي شخصياً، وهي لامرأة تعجبت وأنا أسمع قصتها بل وكذبت أذني للحظات وهي تكشف عن رغبتها والدوافع التي تقودها لذلك، فهي تنتسب لعائلة لها مكانتها في المجتمع وتشغل منصباً مرموقاً ومع ذلك لم تخش من تعرضها للإيذاء النفسي والمعنوي من المحيطين بها.
فقالت إن زوجها صرّح لها ما أسرّه في نفسه وأن لديه رغبة في الاقتران بامرأة أخرى ووافقت هي على طلبه دون تردد، ليس هذا فحسب بل وذهبت إلي إحدى النساء لطلب يدها لزوجها، ليقابل ذلك بالرفض معللة أنها لا تستطيع إسعاد زوج لم يكفه ما تقدمه شريكة حياته له، خاصة وأنها تتمتع بقوة وجمال قد لا يتوفران في غيرها، وقبل أن تنتهي الجلسة سألتها المرأة هل فعلت ذلك لتسعديه أم لتتخلصي منه، فقالت بل لأسعده ولو كان ذلك على حساب راحتي وسعادتي الشخصية، فكما يوجد من لديها حب التملك وتطلب من زوجها أن يفعل أي شيء حتى ولو ألقى بنفسه في طريق الضياع المهم ألا يتزوج بغيرها، توجد نماذج أخرى وصلت بها درجة التضحية لأن تفضل سعادة غيرها عليها».
ويضيف «أتذكر قصة أخرى مرت علي منذ فترة قصيرة لامرأة قامت بترشيح قريبة لها لزوجها كي يرتبط بها إلا أن الأخيرة رفضت، ولكن هذه الحالة لم تكن الزوجة راغبة في إسعاد شريك حياتها، بل كانت تريد السيطرة عليه من قبل عائلتها، فتكون هي من جانب وقريبتها من جانب آخر. فالنماذج والقصص كثيرة ودوافعها مختلفة، ولكن ما يهمني كتربوي ومعاصر للأحداث الأسرية هو سعي الإنسان لتحقيق السعادة الذاتية ولكن لا يكون ذلك على حساب إيذاء الآخرين، فلا يوجد شخص كامل أو خال من العيوب والأخطاء، وما علينا سوى التغاضي عنها وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية، فدائماً ما تأتي السعادة من النجاح في إسعاد الآخرين».
العلاقة الطبيعية تبنى بالحب والعطاء المتبادل، ولا يقبل فيها أحد أن يكون طرف ثانوي يهمش دوره
تؤكد الدكتورة آمال النمر، مستشار نفسي وأسري بإدارة مراكز التنمية الأسرية بالشارقة، «قد تكون فكرة إقدام الزوجة على البحث لشريك حياتها الذي تحبه وترغب في ألا تفقده عن امرأة تقاسمها قلبه ووقته وحياته أمراً مقبولاً إذا سبقه شيء مقنع يبرر فعلها دون مساس بكرامتها، مثل أن تكون مريضة مرضاً عضالاً أو لا تنجب ويرغب هو في أن يكون له أبناء يحملون اسمه، وكلها أمور قد تكون مقبولة ويمكن أن تجعلها تنحي غيرتها جانباً، بل وتساعدها في أن تتحمل فكرة مشاركة الزوجة الجديدة نفس المسكن وطاولة الطعام وتفاصيل الحياة اليومية، أما مسألة أن تقدم امرأة تحب شريك حياتها وتعيش معه حياة مستقرة يملؤها الدفء والحنان على البحث عن أخرى تقاسمها قلبه وعقله وفكره فهو شيء غير منطقي ولا يعقل، فكم من نساء فقدن عقلهن بعدما علمن بذهاب أزواجهن لعقد قرانهم على أخريات مثل تلك المرأة الخليجية التي أشعلت النيران في خيمة عرس زوجها قبل سنوات، وغيرها ممن لم يتحملن الفكرة من الأساس».
وتكمل «الحب الحقيقي يغلفه بعض التضحيات من جانب الزوجين كي تسير عجلة الحياة، أما مسألة أن تتخلى هي عن هدوء بيتها واستقراره بهدف إسعاد شريك الحياة فأرى أنه شيء غير منطقي، فلا تبنى سعادة طرف على حساب الآخر فالعلاقة الطبيعية تبنى بالحب والعطاء المتبادل، ولا يقبل فيها أحد أن يكون طرف ثانوي يهمش دوره».
النساء بطبيعتهن لا يتحملن مثل هذا الألم النفسي الذي يجعل المرأة تتساءل هل لدي شيء ينقصني؟ هل قصرت في واجباتي الزوجية؟ هل توجد من لديها شيء ليس عندي؟
تقول مريم ارحمه الحنطوبي، موجهة أسرية في دار القضاء بالفجيرة، «تكثر الحالات التي تطرق أبواب المحاكم لمجرد اكتشاف المرأة أن زوجها على علاقة بأخرى وليس الزواج بها، فالنساء بطبيعتهن لا يتحملن مثل هذا الألم النفسي الذي يجعل المرأة تتساءل: هل لدي شيء ينقصني؟ هل قصرت في واجباتي الزوجية؟ هل توجد من لديها شيء ليس عندي؟.. وغيرها من التساؤلات التي تكفي لأن تؤجج نار الغيرة بداخلها. وإذا كانت هذه حال من اكتشفت وجود علاقة فما بال من عرفت بزواجه بالفعل؟ وأتذكر حالات لنساء رفضن التراضي والصلح وباءت محاولاتنا بالفشل رغم تقديم الزوج لكثير من التنازلات، وتمسكن بإكمال إجراءات الطلاق، فهناك من اعتبرته إهانة لكرامتها، وأخرى أقرت بأنه حقه الشرعي ولكن من حقها هي أيضاً ألا تظل على ذمته، وثانية جاء إصرارها خوفاً من أن يصيبها مرض عضال بسبب قهر قلبها وفضلت أن تعيش لتربي أبناءها بعيداً عنه».
وتشير «أما من يقدمن على فعل غير ذلك فأرى أن المسألة ترقى إلى أنها قد تكون بهدف إثارة حفيظة الرجل وإيصال رسالة بأنها غير مبالية به وليفعل أي شيء المهم أنها تتخلص منه ، أو لتحقيق غرض ما في نفسها، فالأسباب كثيرة ولكنها بعيدة عن ناموس الكون الطبيعي، والذي يؤكد أن المرأة إذا أحبت رجلاً من قلبها لا تتحمل أن يشاركها أحد قلبه».