ارتفعت شكوى الزوجات من هجر الأزواج لهن، بل إن كثيرات يفضلن الطلاق ويفقدن حياة الأسرة لهذا السبب، وقد أظهرت دراسة جديدة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أن 87 % من حالات الطلاق كانت من بين أهم أسبابها هجر الأزواج لزوجاتهم، وأرجعت الدراسة ارتفاع معدلات الطلاق في الآونة الأخيرة إلى برود العلاقة العاطفية والمشاعر وتزايد المشاحنات بين الزوجين مما يؤدي بهما إلى هجر فراش الزوجية سواء من قبل الزوج أو الزوجة.
وأشارت الدراسة إلى أن الإهمال العاطفي لا يعني غياب الحب، فقد يكون موجوداً لكنه غير مترجم على أرض الواقع، ويشمل غياب اللمس والاحتضان والتقبيل والعلاقة الحميمة والإنصات والعناية والاهتمام بالمشكلات.
طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات حول الإهمال العاطفي والبرود الجنسي بين الزوجين على نخبة من خبراء العلاقات الزوجية والأسرية والطب النفسي وسألتهم حول الأسباب التي تقود الطرفين إلى برود المشاعر، وكيف نتجنبها ونتعامل معها:
1- الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والمسؤوليات
في البداية، تؤكد الدكتورة مي عيسى، أستاذة الأمراض النفسية والعصبية بالقاهرة، أن الإهمال العاطفي فخ يقع فيه الكثير من الأزواج والزوجات دون أن يشعروا أو يقصدوا لكنه يحدث بشكل تدريجي ويتسبب في بعض الأحيان في انتهاء العلاقة الزوجية بينهم لأن مشاعر الحب تختفي وتحل بدلاً منها مشاعر الإحباط.
وترجع أسباب ذلك إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وحجم المسؤوليات التي تحاصر أزواج وزوجات هذه الأيام مما يجعل الحياة وتفاصيلها صعبة.
وترى د. مي عيسى أن تلك الضغوط تكون سبباً مباشراً في الإهمال العاطفي المتبادل، فحين تنصرف الزوجة إلى أعبائها الأسرية والشخصية وحين ينصرف الزوج إلى أشغاله تتقلص مساحة الاهتمام بينهما وتكون النتيجة إهمال الزوجة لمظهرها ولزوجها مما يولد الشعور بالفراغ العاطفي لدى الزوج فيلجأ إلى إشباع رغباته بعيداً عن زوجته ويبادلها عدم الاهتمام، فيكون الهجر نتيجة طبيعية لذلك، وتصبح الزوجة لزوجها مجرد ديكور في البيت أو زوجة على الرف، بينما يصبح الزوج بالنسبة لزوجته مجرد رجل لكن خارج نطاق الخدمة.
ومن أجل إصلاح هذه الأمور مبكراً وقبل أن تدمر علاقة الزوجين، تنصح استشارية الصحة النفسية الشريكين بالانتباه عندما يصبح أحدهما أو كلاهما يشتكي من أقل الأشياء ودائماً في حالة توتر وعصبية، وهنا يجب على الطرف الآخر الحديث معه ومعرفة ما الشيء الذي أدى إلى تلك الحالة، كما يجب الانتباه إذا لاحظ أحد الطرفين أن الآخر لا يريد الحديث حتى في أبسط الأمور التي تواجهه خلال يومه، فهذا يعني أنه شعر بالإهمال لذلك توقف عن الحديث.
وتنبه الدكتورة مي عيسى الأزواج الذين يهملون زوجاتهم إلى خطورة ذلك، قائلة «على الزوج أن يخفف من وطأة الوحدة التي تعانيها زوجته، فلا يجوز له أن يستمتع بحياته مع أصدقائه ومعارفه بينما تجلس الزوجة في انتظاره في المنزل، فهي الأخرى روح ونفس وتحتاج إلى كثير من التعامل بهذا المنطق وليست مسؤوليته تجاهها هي توفير مستلزمات الحياة فقط بل هناك الجانب العاطفي والنفسي».
2- الرفض الداخلي للعلاقة الزوجية وعدم الاستمتاع بها
أما الدكتورة ولاء شبانة، استشارية الصحة النفسية وخبيرة التنمية البشرية بالقاهرة، فترى من جانبها أن الهجر بين الزوجين أو إهمال العلاقة الزوجية يبدأ عندما تحدث حالة من الرفض الداخلي للعلاقة الزوجية وعدم الاستمتاع بها سواء كان ذلك من جانب الطرفين أو من طرف تجاه الآخر، لكن الشائع أن يحدث الهجر من قبل الزوج أياً كانت الأسباب التي ربما تكون الزوجة السبب فيها.
وتشدد استشارية العلاقات الزوجية على أن إهمال الزوجة بمظهرها بعد الزواج من أكثر الأمور التي تسبب الملل والبرود الجنسي، وكذلك معاملة الزوج معاملة سيئة وعدم استجابتها لمتطلباته في الفراش.
يحتاج الطرفان إلى إظهار الحب وتجديده من فترة لأخرى لإعادة الرومانسية والرغبة فيما بينهما
وتشرح «فالبرود الجنسي للزوجة أحد أهم دوافع هجر الزوج لها، كما أن الضعف الجنسي لدى الشباب مع اختلاف أسبابه يجعل الخلافات تمتد بين الزوجين دون الإفصاح عن الأسباب، ويكون ذلك دافعاً للهجر المتبادل بينهما، فضلاً عن الإرهاق الذي يعطل الزوج عن إعطاء زوجته حقها الشرعي».
كيف يجدد الزوجان الحب؟
وتوضح د. ولاء شبانة أن شعلة الحب قد تبهت وتنطفئ مع مرور سنوات الزواج، لذلك يحتاج الطرفان إلى إظهار الحب وتجديده من فترة لأخرى لإعادة الرومانسية والرغبة فيما بينهما مرة أخرى، وهناك العديد من الطرق والوسائل التي تساعد في ذلك منها على سبيل المثال إنعاش الذاكرة بكلمات الحب والثناء والامتنان بين الزوجين حتى في أوقات الخلاف، ولنتذكر قول المولى عز وجل «لا تنسوا الفضل بينكم»، كما أن التأكيد على المشاعر الجميلة والترابط مطلوب أيضاً فذلك يكسر الحواجز ويزيد المودة.
وتنصح الاستشارية النفسية الزوجين بتجربة بعض الأشياء الجديدة معاً مثل ممارسة الهوايات وتشارك الألعاب وزيارة أماكن جديدة والخروج للتنزه معاً بمفردهما بعيداً عن جو البيت ومسؤوليات الأبناء، فكل ذلك يجدد العلاقة ويزيد من المتعة والفرح فيها.
3- توقعات خطأ عن الحياة الزوجية
ويلتقط الدكتور علاء الغندور، استشاري العلاج النفسي والسلوكي والعلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، خيط الحديث لافتاً إلى أن من أكثر المشاكل الزوجية التي تضيع الحب وتجعل العلاقة بين الزوجين باردة وباهتة هي عدم الانسجام بين الزوجين في العلاقة الزوجية والخجل فيها، «من الطبيعي أن يكون لدى الزوج والزوجة معاً توقعات خطأ عن الحياة الزوجية، ويزداد الأمر سوءاً مع قلة التواصل بين الزوجين وعدم وجود حوار بينهما إلا وقت الطعام أو النوم فقط، والمعاملة الجافة من الزوجة والتحدث بطريقة سيئة وإحساس الزوج بعدم الأمان مع الزوجة بسبب تقلباتها المزاجية، كل هذه الأسباب تسبب البرود العاطفي عند الزوج».
ويضيف «وللأسف لأسباب غير واضحة يتجنب أحياناً طرفا العلاقة الزوجية الحديث عن مشكلاتهما في العلاقة الخاصة وعن أي مطالب تتعلق بها، فلا يتحدثان مثلاً عن عدم الانسجام الحميمي أو الخجل سواء كان من الطرفين أو من أحدهما، وهي أمور سلبية يؤدي عدم التغلب عليها إلى عدم تحقيق علاقة زوجية ناجحة ومرضية للطرفين».
ويواصل «تمر العلاقة بين الزوجين بعوامل عديدة تغير من طبيعتها فيصاب الشريكين بالبرود العاطفي، وهذا الأمر لا يرتبط بسن معين بل يمكن أن يطرأ بعد سنوات قليلة أو سنوات طويلة من الزواج، وأحياناً يكون التقصير في الواجبات غير مقصود ولكنه يقابل بغير تفهم ووعي من الطرف الآخر».
4- الروتين
ويشير استشاري الطب النفسي إلى أن الروتين من أهم أسباب برود المشاعر بين الزوجين، فالزوج أو الزوجة يعتاد من الآخر تصرفاته اليومية فيمل منها وتفقد العلاقة الزوجية حيويتها وتوهجها فتختفي العواطف واللهفة والشوق وتظهر اللامبالاة والإهمال ويغرق الزوج في أشغاله خارج البيت وتنشغل الزوجة في شؤون بيتها وأولادها ورعايتهم، فتصبح الحياة الزوجية بلا قيمة وبلا معنى.
وأحياناً يتعرض الزوج لبعض الضغوط تجعله يشعر بالقلق والإحباط خاصة في ظل التفكير الدائم في كيفية الحصول على المال، وفي حالة عدم تمكن الزوج من تغطية كافة النفقات تزداد المشاكل فتؤثر سلباً في العلاقة الزوجية.
الإجازة الزوجية أحياناً ضرورية
ويرى استشاري العلاقات الزوجية أن الإجازة الزوجية أحياناً كثيرة تفيد في علاج بروز المشاعر، فالابتعاد الجسدي من آن لآخر يجدد الاشتياق، كأن تقضي الزوجة بضعة أيام عند الأهل أو أن يسافر الزوج في مهمة عمل وحده، مع الاهتمام باللقاء الزوجي والحرص على التناغم العاطفي الذي يحتاج لبعض التصرفات والمداعبات المرحة لإضفاء مزيد من الدفء على العلاقة.
لكن الاستشاري النفسي يشدد على الزوجين ويحذرهما من الاستهتار بمسألة إهمال العلاقة الحميمية، ويرى أنه يجب على الزوجين عدم التعامل معها كتأدية واجب أو لإنجاب الذرية فقط، ويجب أن يصلحا ويتعلما كل فنون العلاقة الخاصة بينهما، فهي وحدها قادرة على تدمير أو استقامة العلاقة بين الطرفين خاصة في سنوات الزواج الأولى.