26 سبتمبر 2022

د. باسمة يونس تكتب: الزواج.. حرية أم خيار؟

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: الزواج.. حرية أم خيار؟

يثير قرار الزواج أو الامتناع عنه الجدل بين مؤيدين لحرية اختياره ومعترضين بوصفه مطلباً قسرياً، ومن جهة أخرى فهو قرار يؤدي الامتناع عنه إلى مشكلات نفسية لا تحصى وتخلف المعاناة بسببه ضحايا أكثر من ضحايا أخطر الحوادث المميتة.

ومع اختلاف قوانين الزواج تبدو تجربة الدولة العثمانية لافتة بقصر حرية الخيار في الزواج على الشباب بين سن الثامنة عشرة حتى الخامسة والعشرين، ومن بينهم الطلاب المشغولين بالعلم حتى ينتهوا من الدراسة، وإجبار كل من تجاوزوا الخامسة والعشرين على الزواج ما عدا أصحاب الأمراض المانعة على أن يتزوجوا فور البرء منها.

ويمنح الفقراء المتزوجين قبل الخامسة والعشرين أرضاً حكومية، أما أصحاب الأعمال فتصرف لهم قروض بدون فوائد يسددونها خلال ثلاث سنوات، ويحظى ثلاثة من الأطفال بتعليم مجاني، ويمنح الباقون عشرة جنيهات لكل منهم حتى يبلغوا الثالثة عشرة، وتمنح المرأة التي تنجب أربعة ذكور أو أكثر إعانة مالية.

ويتوجب على الذين يتزوجون قبل بلوغهم الخامسة والعشرين خدمة أبويهم مع الإعفاء من التجنيد، بينما على الزوجة التي لم تبلغ الخامسة والعشرين خدمة أبويها إن لم يكن لديها شقيق يكبرها مع إعفاء زوجها من التجنيد.

ويكلف كل من تجاوز سن الخمسين ولديه زوجة واحدة بالزواج من الثانية، ما عدا من يملكون أعذاراً مقبولة فمن واجبهم رعاية طفل إلى ثلاثة من أبناء الفقراء أو اليتامى الذين لا عائل لهم.

وكل من يضطره عمله للسفر والإقامة في الخارج عليه اصطحاب زوجته معه وإن امتنع عن أخذها لأي عذر ولديه القدرة على الزواج من ثانية يجبر على ذلك على أن يجمعهما في منزله بعد عودته من السفر.

وإن أصر الشاب الذي يتجاوز الخامسة والعشرين على رفض الزواج سيتحتم عليه التنازل عن ربع ما يملكه من تجارة أو عقار أو مال وإيداعه في مصرف مخصص للصرف على الفقراء الراغبين في الزواج لتأمين احتياجاتهم. ويحرم الممتنع عن الزواج من شغل أية وظيفة حكومية ومن ترشيح نفسه في هيئة من أي نوع أو حتى من مجرد التفكير بالعمل في منصب حكومي مرموق.

وهذه القوانين وإن كانت صالحة في أوانها لتنظيم المجتمع وتحقيق غايات أعداد هائلة من الرجال والنساء من مختلف الفئات والشرائح والحالات، يصعب تطبيق معظمها وخصوصاً فيما يتعلق بالزواج من ثانية لأسباب مختلفة على رأسها عدم التزام الرجال بشروط وأسباب التعدد وصعوبة العدل بين اثنتين في عصر ازدادت فيه المتطلبات وجمحت الرغبات.

هدف الزواج

د. باسمة يونس تكتب: الزواج.. حرية أم خيار؟

إن هدف الزواج ترسيخ الروابط الأسرية وتمتينها لسلامة وأمن الشعوب من جرائم واعتداءات تثيرها أمراض الوحدة والشعور بعدم الاستقرار وفقدان الأمان والتعاطف مع الآخرين، ولكن مبالغة بعض المجتمعات بتعاطي الحرية دفعت الشباب لتأخير الزواج أو الامتناع عنه لتضل مراكبهم السادرة في بحر تتلاعب به أنواء الوحدة والضياع.

ويبقى للزواج أهميته وقيمته من ناحية كونه حقاً ورحمة للإنسان يحميه من أضرار الحرمان نفسياً وجسدياً. وبعض القوانين التي قد يراها البعض سلباً للحرية وتعدياً عليها هي بمثابة حبل نجاة ينقذ الشباب من تفويت الفرص والوقوع في بئر الندم حسرة على عدم تأسيس عائلة بسبب إساءة فهم الحرية الشخصية.