توجه الاتهامات دائماً إلى المرأة بأنها هي المسرفة في أمور ليست ضرورية، وهو ما يوقع ميزانية الأسرة في ورطة يدفع ثمنها باقي أفرادها، إلا أن محور حديثنا هنا هو الرجل الذي يتقمص هذا الدور ويوصم بصفة الإسراف والتبذير مما يدفع الزوجة لأن تلبس رداء ليس لها، نتيجة الخوف الشديد من تقلبات الزمن فتصبح أكثر حرصاً على المال، ليكون شغلها الشاغل هو لملمة ما يبعثره الزوج في محاولة لإنقاذ سفينة الأسرة، لتتحول دون أن تشعر إلى شخص يوصف بالبخل ينفر منه الجميع.
كيف تتعامل الزوجة مع الزوج المسرف؟
من جانب نفسي، يشير الدكتور جاسم المرزوقي، استشاري العلاج النفسي، «يمثل أي سلوك قناعات الفرد الذي تشكل نتيجة عوامل كثيرة أهمها المنهاج التربوي، الذي ترعرع فيه منذ نعومة أظفاره، ومن ثم العوامل الخارجية التي أثرت في قناعاته، ولا شك بأن الثورة الإعلامية والتسويقية أصبح لها دور مؤثر في ترسيخ المفاهيم والعادات التي تزيد بعض السلوكيات سوءاً. ومن هذا المنطلق فإننا نواجه أحياناً كثيرة بعض الرجال ممن يعانون هذه المشكلة التي ترهق ميزانية الأسرة وتعرضها لمشكلات كثيرة نظراً لضعف إدارة الأولويات المالية، وكما يقال بأن لكل فعل ردة فعل، فنجد أنه إذا كان الرجل غير مسؤول ولا يملك الإدارة المالية الصحيحة تكون المرأة على العكس، لأن المصيبة تتعاظم لو أن الطرفين يعانيان من ذات المشكلة».
ويردف «بما أن ردود الفعل مختلفة، فإن البعض يتعامل مع اللامسؤولية بنوع من الحرص المضاعف، الذي قد يفهم بأنه بخل، ولكن الواقع يدل على الخوف مما قد يخبئه المستقبل، فتتوجه بعض الزوجات إلى تطبيق ثقافة الادخار بطرق عدة. وأؤكد بأن كل سلوك يصبح عادة سيئة متى أصبح بعيداً عن المستوى المتعارف عليه، ولذا نقول أن من يعاني هذه المشكلة وجب عليه تعديل سلوكه من خلال المختصين في العلاج النفسي إن لم يستطع تعديل سلوكه بشكل ذاتي».
احتواء الزوج وعدم إلقاء اللوم
عن آلية التعامل مع الزوج المسرف، تبين نورة إبراهيم القصير، مستشار أسري ومدرب محترف معتمد في التنمية البشرية وتطوير الذات «أحد الأمور المهمة في آلية التعامل مع الزوج المسرف هو احتواؤه وعدم مواجهته بعيوبه، أي تجنب عمل نوع من الإسقاط على تبذيره وعدم اهتمامه بآلية الصرف، فإلقاء اللوم يؤدي إلى نتائج عكسية لا ترضي الزوجة، بل يجب أن تلجأ لأسلوب الود واللين لكيفية الإنفاق وتداعياته إذا ما زاد عن حده، بالإضافة إلى وضع التزامات الأسرة نصب عينيه وتوضيح احتياجاتها، والبدء بشرح دورها في ذلك قبل أن تتطرق لدوره هو، حتى لا يفسر حديثها بأنه نوع من الهجوم عليه بل يمكن استخدام بعض المصطلحات التي ترضي غروره مثل الإشارة لكونه كريماً ومعطاء ولديه إيثار ولكن لابد من أن يلتفت لما فيه مصلحة الأسرة. كما يمكن للزوجة أن تذكره بدخلهما والاستفاضة بتوضيح الالتزامات الشهرية والنصف سنوية والسنوية، حتى طلعات الأسرة ونفقاتها وقت العطل الأسبوعية، وغيرها من الالتزامات المفروضة. هنا يستوعب عقل الزوج تلك العملية ويحدث لديه نوع من الإدراك لقيمة المال الذي يهدره، فاستخدام المرأة أسلوب الصراحة والوضوح في الميزانية وطرق الصرف يعدل من حال الزوج، الذي ربما لا يكون مدركاً لحجم المسؤولية المنوطة به أو منتبهاً لها ولكنه لا يشارك بدوره فيها».
أقول للزوجة التي تفرط في الإمساك خشية العوز، إياك أن تأتي على حساب نفسك، فلك حقوق لابد أن تحصلي عليها حتى لا تضيع وسط ضغوط الحياة وتفقدينها إلى الأبد
وتلفت «أما بالنسبة للزوجة التي تفرط في الإمساك خشية العوز فأقول لها إياك أن تأتي على حساب نفسك، فلك حقوق لابد أن تحصلي عليها حتى لا تضيع وسط ضغوط الحياة وتفقدينها إلى الأبد. فالمرأة كما تحتاج للطعام والشراب، هي بحاجة لتلبية متطلباتها التي تشعرها بأنوثتها، ومخطئة من تترك نفسها لأن توصم بالبخل وتستخسر في نفسها الدرهم لمجرد أنها تخشى تصرفات زوجها، والذي قد يعيّرها بغيرها ممن تهتم بنفسها وتمتع ذاتها. كما يجب على شريك الحياة أن يساعدها في تهدئة بالها وأن يطمئنها على القادم بطريقة عملية وهي الاعتدال وعدم هدر المال، والتعامل معها باللين وأن يشعرها بأنوثتها التي فقدتها بسبب وصمها بالبخل».
النصيحة بلين دون غلظة
الدكتورة أسماء حمدان، محاضر بقسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، تعلق قائلة «أولى الإسلام الأسرة المسلمة عنايةً كبيرة، وحث على كل ما من شأنه أن يسهم في استقرارها وتماسكها والحفاظ على كيانها، ونهى عن كل ما يهدد ذلك الاستقرار ويعبث بذلك الكيان، وبلا شك يعد الإسراف صفة سيئة قد تكون سبباً في إلحاق أضرار بالغة بالأسرة، وإذا كانت الزوجة تتهم في غالب الأحيان باستئثارها بهذه الصفة، وبإنفاقها في غير الأمور الضرورية التي لا تعود على الأسرة إلا بإرهاق ميزانيتها، فإن الزوج ليس معصوماً هو الآخر من هذا الأمر، إذ إنه ربما أهدر الكثير من الأموال في غير احتياجات الأسرة، كالذهاب إلى المتنزهات باهظة الثمن مثلاً، ما يكون سبباً في وضع أسرته في مأزق يلي الآخر، وهو ما يدفع الزوجة التي تستشعر الخطر من جراء سلوكه إلى أن تمسك على يديها، خوفاً من الفقر والحاجة، ومعالجة ما كان من زوجها المسرف. والأحرى بالزوجة لكي تصلح من حال شريك حياتها أن تنصحه بلين من دون غلظة، وتشاركه المسؤولية، فتعرفه أضرار الإسراف على أبنائهما، وأن الدين حثنا على الوسطية في كل شيء، وأن الإسراف هو إهدار لنعم الله علينا، وسبب في تحمل الأسرة ديوناً كثيرة، ما يؤثر في سلوك الأبناء ويشعرهم بالإحباط، وقد تنشأ الخلافات الزوجية التي قد تكون مجالاً لهدم الأسرة، وعلى الزوج أن يتفكر في النتائج التي قد يوصله إليها الإسراف، ليعود إلى رشده متذكراً لنعم الله عليه».