يأتي عيد الحب ليعيد ذاكرة العشق إلى بداياتها عند البعض، أو ليرمّم بعض علاقات متشنّجة، أو يُحيي ملامح ميتة من حب عابر، فيعبر الرجل عن حبه لشريكة حياته بطرق مختلفة، بينما تنتظر هي فيض المشاعر بكثير من الشوق، وصور الحب وغراميات العشاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجتاح وعيها. فمع هذا الواقع، هل بات الرجل العربي أكثر تعبيراً عن الحب؟، وإلى أي مدى يعبر سراً بينه وبين زوجته؟ أو علناً أمام الأهل والمحيط؟
كل الأسرة تجيب عن السؤال وترصد بعض نماذج واعية في التعبير عن الحب ودلالاته، وتسأل المختصين الذين يقدّمون لنا خطوات تساعدنا على استثمار هذا التوقيت الرومانسي.
التعبير عن الحب واجب دعا إليه ديننا الحنيف
عيد الحب هو يوم مميز بالنسبة للدكتورة نعيمة الخوري؛ إذ يعبر زوجها السفير عبدالرضا الخوري عن مكنوناته ويقدّم لها هدية، ولا يقتصر هذا التعبير عليهما؛ بل «ينخرط الأبناء في مشاركتنا المناسبة». من منطلق هذه الأجواء، تجد د. الخوري أنه في الوقت الحالي بات الرجل أكثر انفتاحاً وأقل تحفظاً، «فزوجي مثلاً يعبر لي عن حبه أمام الآخرين ويوجّه لي عبارات التقدير كزوجة وأم». وتردف ضاحكة: «في هذا اليوم، يتكلم كثيراً (تضحك) ويقدم لي هدية وكذلك نخرج سوياً لقضاء سهرة معاً».
توجّه د. الخوري رسالة إلى الرجال المتحفظين: «لو استطعنا التعبير عن حبنا كل يوم وكل دقيقة لما توانينا، لكون الحياة قصيرة والتعبير عن الحب واجب دعا إليه ديننا الحنيف بالدعوة إلى الكلمة الطيبة».
من رسالة خطية إلى صوت وصورة وفيديو
يرصد الدكتور نزار الزبيدي (فنان تشكيلي وخزّاف)، تغير أساليب التعبير مع وسائل التواصل الاجتماعي «كانت الرسالة الخطية هي أقصى وسيلة للتعبير عن مكنونات الإنسان وتحوّلت اليوم إلى صورة وصوت وفيديو قصير وغيرها، إلا أن مقدار مشاركة هذه الأحاسيس يبقى مسألة شخصية تختلف بين جيل وآخر».
ويوضح: «اعتدنا على أقصى درجات الخصوصية، ما يتناقض مع المفاهيم الحديثة في التواصل ومشاركة أتفه الأشياء مع الغريب والقريب على حد سواء، فالموضوع ليس خجلاً بقدر ما هو احترام لخصوصية المناسبة». وفي ظل الاختلاف بين جيلين، يلفت إلى أن «الجيل الحالي أكثر أريحية في التعبير عن مشاعرهم لانحسار مفهوم الخصوصية لديهم، وهذا نراه في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف إذا كانت المناسبة عيد الحب الذي يبرع فيه الشباب للتسابق والتعبير عن حبهم بشتى الطرق»، ولو كان ادعاء.
ويوجز: «شخصياً، أنا أكثر ميلاً لأن تشمل هذه المناسبة الحبيبين فقط، وتعبيرهما الواحد للآخر هو أصدق من أي تعبير آخر».
علي أيوب مع زوجته ماغي
لا خجل من سرد عبارات التدليل والعشق
لدى علي أيوب (زوج وأب لطفلة)، وجهة نظر مختلفة، فهو لا يتوانى في أن يعبر عن حبه لزوجته في أي وقت وأي ظرف.. «التعبير عن مشاعري أمام الملأ لزوجتي، سواء أمام الأهل أو الأصدقاء، يزيدها ثقة بنفسها ويعزز تماسها مع اللقاءات الاجتماعية، وحتى يعزز الرابطة النفسية مع شريكتي».
هي عدوى الحب، كما يفسرها «فالحب الذي أترجم مشاعره لشريكة حياتي كفيل بأن ينقل عدواه إلى المحيطين، هي عدوى إيجابية تكرس الكثير من المشاعر مع المحيطين الذين يرون فينا نموذجاً جميلاً للمشاعر».
إذن لا شيء يمنعه من التغزل بزوجته أو نشر صورة تجمعه بها في المناسبة «هذا نوع آخر من التعبير وترجمة ملامح العلاقة؛ كون هذه الاحتفالات تعد جزءاً من حياتنا معاً، ومن تشاركنا الفرح. فلا أخجل من سرد عبارات التدليل والعشق التي أردّدها لزوجتي بيني وبينها أمام المحيطين، طالما أن ذلك نابع من القلب ولا يهّم المكان والزمان».
الرجال نوعان في التعبير عن الحب علانية
كيف يختار الرجل العربي التعبير عن حبّه لزوجته أمام الآخرين؟ ولماذا تفضل نسبة كبيرة التعبير في الخفاء (بينه وبين زوجته؟).
تجيب حوراء الغربي، مرشدة أسرية ومدربة علاقات وتنمية ذات من مملكة البحرين، «في المجتمع هناك اعتقاد خطأ، كبرمجة متناقلة دون وعي، بأن أغلب الرجال لا يميلون إلى إظهار حبهم لزوجاتهم علناً أمام الآخرين من أهل وأصدقاء، ولكن الحقيقة أن هناك من الرجال من يُظهر حبه صراحة وعلانية، وهناك من يتحفظ ويُبقي تعبيره بينه وبين زوجته، وهناك من يتحفظ على إظهار حبه حتى مع زوجته».
وتشرح الغربي العوامل العميقة لهذا السلوك:
- طبيعة الشخصية وسماتها «بعض الرجال يتسمون بشخصيات متحفظة والبعض الآخر ذوو شخصية منطلقة أكثر في التعبير عن مختلف المشاعر والانفعالات؛ إذ يتغزل بعضهم بزوجته في التجمعات كشاعر عراقي لدرجة تضطر الزوجة معها إلى إسكاته، في وقت تغلب على البعض الآخر سمة الخجل».
- المعتقدات التي يتبناها الرجل «بعض الرجال يعتقدون أن إظهار حبهم لزوجاتهم علانية أمام الآخرين انعدام للخصوصية، ويصوّرونه كأنه «عيب» وغير مقبول، وأن التعبير عن الحب يجب أن يكون فقط بين الرجل وزوجته».
- ثقافة المجتمع «بعض مجتمعاتنا العربية قد تستهجن إظهار زوج حبه لزوجته أمام أخواته وأمّه والرجال؛ كون ذلك ليس من العادات ولا «من السنع» ولا من الرجولة الصلبة».
- خوف الزوج من غيرة والدته أو أخواته «فنسبة من الأمهات يتألمن من فكرة انتقال» العهدة الغالية والأعز على القلب (أي الابن) لعهدة امرأة أخرى، ويقلقن من فكرة أن حب الزوجة قد يُبعد الابن عن حبّه لوالدته، أو قد تُنسيه الزوجة أمه، وتجنباً للمشاكل يتحفظ بعض الرجال في إظهار حبه لزوجته بحضور العائلة والأهل».
طرق التعبير عن الحب بين اللفظي والسلوكي
وتختلف طرق تعبير الرجل عن حبه لزوجته أمام الآخرين، كما توضحها المستشارة الأسرية حوراء الغربي:
- التعبير اللفظي: كأن يناديها بحبيبتي وعمري، أو يُثني عليها بحضور الآخرين أو أن يعبر عن إعجابه بصفاتها، أو أن يقول علانية إنه يحبها مثل: «أم عبدالله هي كل شيء.. هي دنيتي أنا أضيع بدونها.. ريم الحب هاذي الحب كله».
- التعبير بالسلوك: كأن يضع لها الطعام لو كانا مدعوّين إلى العشاء، يجلس بالقرب منها، يبتسم لها ويمازحها، ويمسك يدها في الأماكن العامة.
جوليا روبرتس وبرادلي كوبر في مشهد من فيلم "فالنتاين داي"
تأثير إظهار الحب أمام الآخرين
تتحدث الغربي عن مفاتيح القلوب. فهل يمكن للحب العلني أن يكون مفتاحاً أكثر تأثيراً من الحب الذي يعيش بين الجدران؟
الجواب «حتماً، كون إظهار الحب علانية له تأثير كبير في الزوجة، فذلك يؤدي إلى تعميق حبها لزوجها أكثر وتعلقها به أكثر، ويؤثر في مزاج العلاقة كلها كانعكاس لمزاج الزوجة الشعوري، كما يزيد من أداء الزوجة في العلاقة الحميمة، إلى جانب أن أغلب الأنفس البشرية في العمق تتعطش للتقدير العلني كنوع من أنواع تقدير الذات، مثل تكوين وعي مجتمعي وتقديم أمثلة صحية للشباب المقبلين على الزواج، بدل إظهار المشاكل والمشادات».
وما هي الصورة الأجمل للتعبير والأقرب إلى قلب المرأة؟
تؤكد الغربي أن «المرأة تغرم بكل أشكال طرق التعبير عن الحب، وهي تلتقط التعبير بحساسية كبيرة وسرعة وتفهم أن ما يقوم به الرجل الآن، هو تعبير عن الحب، ولكن يبقى للتعبير اللفظي التأثير الأقوى؛ لكون المرأة يهتاج قلبها بما تسمع».
رسالة للرجال «المنكمشين عاطفياً»
توجّه الغربي، مدربة العلاقات، رسالة للزوجة والزوج: «أقول للزوجة تقبّلي شخصية زوجك، وتعبيره عن حبه لك علانية ليس دلالة على عمق الحب لك، وأقول للزوج تحرّر من المعتقدات التي تجعلك تتحفظ على إظهار مودتك وحبك لزوجتك أمام الآخرين، فكما تحب أن تثني عليك زوجتك أمام أهلها ومحيطها، فهي أيضاً تحب أن تُظهر لها مودتك واهتمامك بها وحبك لها».
ولتعزيز البعد الرومانسي، توصي الزوج بالخطوات التالية:
- ابدأ بالسلوكيات التي تعبر عن حبك: اسحب لها الكرسي حينما تتقدم لتجلس، ضع لها الطعام في طبقها، احرص على الجلوس بقربها، بادلها الابتسامات.
- عبر عن مودّتك كلامياً وبالتدريج: ابدأ بالتعبير عن إعجابك بصفاتها إلى أن تتدرج نحو الغزل وهو الأحب والأكثر تأثيراً في قلب زوجتك ولو بجمل بسيطة راقية.
الكلمات تفرض على الرجل وعوداً
تؤكد نصرة الحبسي، مدربة في البرمجة اللغوية العصبية، أن «الرجل العربي غالباً ما يخجل من التعبير عن حبه علنياً بسبب العادات والتقاليد، وينظر إلى الكلام على أنه نوع من الوعد، ولهذا السبب يخشى من كلمات الحب والمغازلة، لئلا يفرض على نفسه التزامات قد لا يكون قادراً على الوفاء بها، وصدق القائل حين قال: «الرجل جيد بقدر ما يفي بوعوده»، لذلك عندما يعبر الرجل عن حبه بالكلمات، فإنه يعد بالارتقاء إلى مستوى توقع الحب هذا، وعندما تحتل المرأة مكاناً في قلبه يريد أن يحتفظ بهذا المنصب طوال حياته، لكن ليس هو الحال مع جميع الرجال».
كما أن صور التعبير عن الحب تتنوع «فيعبر بعض الرجال عن حبهم من خلال تقديم هدايا مثل الورود والشوكولاتة والمجوهرات وغيرها، في حين أن هذا النوع من التعبير ليس بالضرورة مقياساً للحب، فإن الهدايا الصغيرة والبسيطة تنقل ما لا تقوله الهدايا الثمينة».
وتلفت الحبسي إلى أنه «من الجميل أن يقتدي الرجل بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين يعامل نساءه، فمن جميل معاملته وعشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه حفظه لودهن، واعترافه بجميلهن، حتى بعد وفاتهن، فقد كان يُكثر من ذكر خديجة رضي الله عنها، ويُثني عليها، ويذبح الشاة ويبعث بها لصديقات خديجة.
علامات حب الرجل لشريكة حياته:
- الرجل يفضل قضاء الوقت معك على قضاء الوقت مع أصدقائه.
- عندما تزورك عائلتك يُظهر لك التقدير أمامهم، ويحرص على معاملتهم بلطف واحترام.
- يكون متنبهاً لاحتياجاتك ويحاول أن يعولك، فهو بالتأكيد يحبك حتى لو كان في حدود إمكانياته المالية.
- إخبارك بما يشغل قلبه، ولطفه، وفهمه دليل على حبه، فهو أكثر انفتاحاً معك من الآخرين، ويشاركك حياته وأفكاره ومشاعره، ويتبادل معك خبراته ومشاريعه المستقبلية.
- يحاول دمجك في حياته ويقدّم لك كل الأشياء التي يحبها.