يوصف البيت الذي يحترم كل من قطبيه خصوصيات الآخر وتجمع بينهما صداقة، بأنه أكثر سعادة، كونه مثل الكتاب الذي ينسج أحرف كلماته بالود والوفاق، إلا أن هناك من يخترق، باسم تلك العلاقة، خصوصيات الطرف الآخر مطالباً إياه بالاطلاع على أدق تفاصيل حياته اليومية ، وهو ما قد لا يلقى القبول والاستحسان لدى البعض.
وهنا نطرح تساؤلاً: هل تعني الصداقة التعمق في تفاصيل شريك الحياة دون قيود، أم يجب أن يترك له مساحة لتفاصيل مشروعة يحدث بها ذاته ولا يخبر بها أحد؟
توضح الدكتورة رقية حسين محمد، مستشارة تربوية وأسرية، «الصداقة بين الشريكين من أجمل وأعظم وأرقى الصور التي تسهم في بناء حياة زوجية وأسرية ناجحة وسعيدة تحكمها روابط وأواصر قوية، فهي بمثابة حلم جميل تتمناه كل امرأة تبحث عن الثقة والشفافية في حياتها الأسرية، فلا توجد زوجة سوية نفسياً وعقلياً إلا وتأمل باختيار شريك حياة تجد فيه كل احتياجاتها ورغباتها وتكتفي به وجدانياً عن العالم من حولها.
يجب تغيير النظرة لشكل العلاقة الزوجية التقليدية وتغليفها بالصداقة من أجل تحقيق الاستقرار والراحة والانتماء والسعادة الأسرية
وتكمل" للأسف يشكو معظم الأزواج من الفتور العاطفي الذي يفقدهم الشغف تجاه الحياة الأسرية، فلا يجدون دافعاً لتكملة مشوار الحياة سوى الشكل الاجتماعي أو وجود أطفال بينهم في حاجة لأن ينشأوا في مناخ أسري طبيعي. يدفعنا ذلك إلى وجوب تغيير النظرة لشكل العلاقة الزوجية التقليدية وأهمية تغليفها بالصداقة من أجل تحقيق الاستقرار والراحة والانتماء والسعادة الأسرية التي تعين قطبيها على تكملة مسيرة حياتهما بكل قوة ونجاح وإيجابية، فعندما نتكلم عن مفهوم الأزواج الأصدقاء نتحدث عن ثقة تامة وحب واستقرار نفسي وروحي وسعادة مطلقة، تحميهم من الوقوع في براثن العثرات والسقطات والتراجع النفسي، فالشخص في هذه الحالة يكون على علم ويقين بأن الطرف الآخر الذي يعيش معه تحت سقف واحد هو أقوى سند، وهو الذي يقف بجانبه بقوة وإصرار وتفهم وتضحية وعطاء".
التقدير أهم شرط لنجاح العلاقة الزوجية
تضيف د. رقية محمد "لتفعيل مفهوم الصداقة بين الزوجين وبما يضمن استمرار العلاقة في مسارها الصحيح لابد من وضع أهم شرط لنجاحها وهو تقدير مشاعر الطرف الآخر وعدم الاستهانة بها، وكذلك عدم الخوض في أدق التفاصيل التي تشعره بأنه مخترق مسلوب الحق في أن تكون له مساحة يتشارك فيها الحديث مع أقاربه على سبيل المثال أو حتى مع زميل أو صديق بعيداً عن شريك الحياة، حتى لا يضطر إلى إخفاء بعض التفاصيل تجنباً للوقوع في مشكلة تضارب وجهات النظر وخشية وقوع الخلافات".
الخصوصية تساعد في استمرار الود والمحبة بين الزوجين
أما الدكتورة نورا قنيفة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشارقة، فتؤكد «تسير العلاقات الإنسانية في اتجاهات كثيرة فمنها المؤقتة أو التي ترتبط بمنفعة ما، إلا أن أقوى العلاقات تلك التي تبنى على الصداقة لاسيما إذا كانت بين زوجين، كونها تفتح المجال لفهم طبيعة شخصية الآخر ومعرفة احتياجاته ونقاط ضعفه ومواطن قوته، وغيرها من الصفات الشخصية التي تساعد على تقبله كما هو وليس كما يجب أن يكون.
وتضيف د. نورا قنيفة "الزواج القائم على النمطية والتقليدية دائماً ما يبنى على التجمل وعدم الوضوح في العلاقة ويحاول كل طرف أن يظهر جانبه الإيجابي، ليصطدم الشريك بعد الزواج بشخص آخر لم يره من قبل وتستمر الحياة برتابتها وبمللها بين قطبيها، وربما يصل الأمر إلى الطلاق العاطفي نتيجة اختفاء الحوار وعدم التردد في إقامة جلسات نقاشية يتبادل فيها الطرفان مكنون دواخلهما والمنغصات التي تعكر صفو علاقتهما. ولأن العلاقة الزوجية مختلفة عن باقي العلاقات فتكون مساحة الأمور الخاصة بأحدهما دون الآخر أقل من غيرها، إلا أن هذه المساحة من الخصوصية تمنح علاقتهما الهدوء، وهي تساعد في استمرار الود والمحبة بينهما، وحينما يشعر كل منهما أن له مساحة أو استقلالية في أمور معينة، فهذا يجعله مرتاحاً للطرف الآخر أكثر، فلا يشعر بالضغط أو الإجبار أو المراقبة المستمرة. وليس بالطبع المقصود بالخصوصية هنا هو أن يفعل أحدهما أمراً يضر أو يسيء للطرف الآخر، فهو أمر مرفوض ويؤثر سلباً في استمرارية العلاقة الزوجية، إنما نقصد ترك مساحة لأمور لا خلاف عليها يتحدث فيها الزوجان مراراً وتكراراً ويعرف كل واحد منهما حدوده فيها وما يفعله وما يجب حتى ألا يفكر فيه".
الهوايات المشتركة تقتل الخرس الزوجي
تقول مريم القصير، مستشار أسري وتربوي "عندما تجمع الشريكين هوايات مشتركة وأنشطة مجتمعية واحدة يقتل ذلك الخرس الزوجي ويجعلهما دوماً في حالة انشغال ببعضهما البعض، ولكن من المهم الانتباه لنقطة مهمة وهي عدم اختراق الحد الفاصل للخصوصية. فهناك فرق بين التدخل في تفاصيل حياة شريك الحياة من باب إظهار الاهتمام وبين اختراق خصوصيته مع إخوته مثلاً أو من يرتاح للحديث معهم، فكم من خلافات نشبت بسبب رغبة الزوج في أن يعرف ما دار بين شريكة حياته ووالدتها أو أختها، وغيرها الكثير بسبب تفتيش المرأة حتى على ما يحدث به الزوج نفسه من أمور مشروعة لا يرغب في الإفصاح عنها، ونصيحتي للطرفين بأن يحترم كل طرف المساحة التي يرغب فيها الآخر وتترك له حرية في الاحتفاظ بما يراه خاصاً به ولا يريد الحديث عنه، وتكفي الطرفين الثقة التي تجمعهما".