يشكل إخفاء عمليات التجميل قبل الزواج تحدياً كبيراً للعلاقة الزوجية يؤثر بشكل مباشر على مستوى الثقة المتبادلة بين الزوجين. وسواء كانت هذه العمليات لأسباب تجميلية أو صحية يخلق غياب الشفافية بشأنها أحساساً بالخداع ويؤثر سلباً على التواصل ويعرض الاستقرار العاطفي بين الزوجين للخطر.
تزايد الإقبال على العمليات التجميلية بين النساء أصبح ظاهرة تحتاج إلى نتوقف عندها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالخلافات الزوجية التي قد تنشأ بسبب هذه العمليات. في هذا السياق، تؤكد المستشارة القانونية موزة مسعود المطروشي،على أهمية" التفرقة بين الحاجة الفعلية للتجميل والانجراف وراء المظاهر ووسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا على العديد من النساء، مما يدفعهن إلى اتخاذ قرارات تجميلية قد لا تكون ضرورية".
تشير المطروشي" إلى أن بعض الفتيات يلجأن إلى التجميل قبل مرحلة الخطوبة دون مصارحة الشريك المستقبلي بالأمر، وهنا تكمن المشكلة، إذ يشعر الزوج الذي يكتشف الأمر لاحقًا بأنه تعرض للغش والخداع عند معرفته بأن المظهر الخارجي قد تغير بفعل عمليات تجميلية، هذا الأمر، يمكن أن يكون يأخذ الزوج لتصورات غير واقعية تؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية، كحالة طلاق مثيرة للجدل أخفت فيها الزوجة على الزوج إجراءها عملية شفط ونحت للجسم قبل الزواج، ليتفاجأ الزوج ليلة الزفاف بوجود ندوب وجروح تشير إلى خضوعها لعمليات وهو ما لم يتوقعه وسبب له صدمة وبالتالي رفضه إتمام الزواج" . تروي المستشارة القانونية حالة طلاق أخرى كان سببها أخطاء طبية في عملية التجميل، موضحة، أن التسرع في اتخاذ قرارات تجميلية دون وجود حاجة ملحة لها، يمكن أن يكون سبباً في نتائج كارثية على الحياة الزوجية، في هذه الحالة، تقول المطروشي" كانت الزوجة قد أبلغت زوجها الذي نصحها بعدم وجود حاجة أو ضرورة ملحة لها، بعد إصرار الزوجة على إجراء العملية، جاءت النتائج عكسية، حيث لم تحقق العملية النتائج المتوقعة لها، وكانت سبباً لتشوهات أثرت على مظهرها وحالتها النفسية، وبالتأكيد رفض الزوج التغييرات، وبالتالي تفاقم الخلافات التي أدت إلى الطلاق".
وتوضح المطروشي دور القانون في مثل هذه القضايا" يلعب القانون دورًا حاسمًا في حالات الطلاق الناجم عن الغش أو إخفاء حقائق هامة قبل الزواج، فإذا ما اكتشف الزوج بعد الزواج أن زوجته قد خضعت لعمليات تجميلية أو أخفت تفاصيل مهمة عن مظهرها أو حالتها الصحية، أثر سلبًا على قدرته على التعايش معها نفسيًا أو عاطفيًا، يحق له اللجوء إلى المحكمة لطلب الطلاق، كما يمكنه المطالبة بتعويض عن تكاليف الزواج".
خرق للثقة وشعور بالخيانة
تعتبر الثقة حجر الأساس في بناء علاقة زوجية متينة، والعمود الفقري لاستدامة أي علاقة عاطفية طويلة الأمد، لذلك تعد مسألة إخفاء أحد الشريكين خضوعه لعمليات تجميل قبل الزواج. أحد التحديات التي تضع هذه الثقة على المحك، خاصةً في ظل وجود اهتمام كبير ومتزايد بالمظهر الخارجي وعمليات التجميل، تكشف استشاري الصحة النفسية وخبيرة العلاقات الأسرية والتربوية د. هالة سالم الأبلم" بينما يتعامل أحد الزوجين مع مسألة إخفاء خضوعه لعمليات تجميلية على أنه أمر لا يستحق الكشف عنه طالما أن النتائج غير مرئية. يمكن أن يكون هذا الأمر في الحقيقة بالنسبة للآخر يتجاوز مجرد التجميل، ويصبح مرتبطاً بفكرة الصدق والشفافية في العلاقة، فالزواج مبني على الثقة المتبادلة بين الطرفين، وأي خرق لهذه الثقة، سواء كان صغيراً أو كبيراً، يثير شعوراً بالخيانة، ويرسخ انطباعاً بأن الطرف الآخر غير صادق في جوانب أخرى غيرها ".
مشاكل يثيرها إخفاء عمليات التجميل
توضح د. الأبلم، على الرغم من شيوع عمليات التجميل بالمجتمعات، لكنها تثير خلافات كبيرة إذا ما تم إخفاءها قبل الزواج، فالشفافية بين الزوجين من الأسس التي تقوم عليها العلاقة الزوجية وغيابها يترتب عليه تداعيات مختلفة منها:
-مشكلات نفسية: إدراك وجود جانب خفي في العلاقة، يولد شعور بالخداع وفقدان الثقة بالطرف الآخر، وهي مشكلة نفسية تتسبب بتآكل الثقة بين الزوجين وهو ما يصعب إصلاحه في المستقبل.
-مشكلات عاطفية: الشفافية أساس أي تواصل صحي بين الزوجين، وإخفاء أحدهما حقيقة خضوعه لعمليات تجميل، يولد فجوة في التواصل، يمكن أن تزيد من جحم التوتر والخلافات في العلاقة.
-مشكلات قانونية: إخفاء عمليات التجميل قبل الزواج سبباً يتيح للزوج أو الزوجة التقدم برفع دعوى قضائية بداعي التعرض للغش.
تلفت د. الأبلم" يمكن أن تكون عمليات التجميل مقبولة إذا ما كان الغرض منها تحسين الصحة أو تصحيح عيوب تؤثر في حياة الشخص أو تخفيف ألم أو معاناة دون إحداث تغيير جذري في المظهر، حيث يمثل المظهر الخارجي جزءاً أساسياً من قرار الارتباط بالنسبة لبعض الأشخاص، وقد ينظر إلى إخفاء مثل هذه المعلومات على أنه هدم للثقة، في النهاية، حيث يعتبر الصدق والتواصل المفتوح بين الزوجين من أهم عناصر الحفاظ على الانسجام العاطفي، وإخفاء أمور شخصية مثل عمليات التجميل قد يبدو للبعض تفصيلاً بسيطًا، لكنه يمكن أن يترك آثارًا عميقة على العلاقة الزوجية ويعرقل توازنها واستقرارها".
رأي الشرع في مسألة إخفاء عمليات التجميل
من جانبه يشير، أستاذ الفقه وأصول الدين الدكتور إسماعيل كاظم العيساوي، أن الشريعة الإسلامية قائمة على مبادئ الوضوح والصراحة، وأي تعامل بين المسلمين يجب أن يكون قائماً على الشفافية، مستدلاً بالحديث النبوي الشريف(من غشنا فليس منا)، مؤكداً" أن الغش والخداع، بما في ذلك إخفاء الحقائق، ليست من صفات المسلم، خاصةً في العلاقات التي تعتمد على الاستمرارية والدوام، كالعلاقات الزوجية"، وفيما يتعلق بإخفاء المرأة عمليات التجميل التي أجرت قبل الزواج، يؤكد د. العيساوي على ضرورة الكشف عن هذا الأمر قبل الزواج" لأن إخفاء مثل هذه المعلومات يمكن أن يكون سبباً لفقدان ثقة الزوج، والغش والخداع في مثل هذه الحالات أمر ترفضه الشريعة الإسلامية، فتغرير المرأة لزوجها فيما يتعلق بمظهرها يمكن أن يتسبب بمشكلات أكبر تصل للتفريق بين الزوجين، وفقاً لما يشير له بعض الفقهاء".
عن الحالات التي يمكن أن تكون سبباً للتفريق بين الزوجين، يوضح د. العيساوي" أن الفقه الإسلامي تناول قضية العيوب التي قد تؤثر على الزواج، حيث يوجد هناك ما يعرف بالعيوب المشتركة بين الرجل والمرأة، والتي قد تُعتبر سبباً للتفريق إذا لم يتم الإفصاح عنها"، مشيراً إلى" أن عمليات التجميل تندرج تحت هذه الفئة من العيوب، خاصةً إذا ما كان لها تأثير مباشر على العلاقة الزوجية، لذلك يكون الوضوح والصدق أمرين ضروريين لضمان استقرار العلاقة ونجاحها".
يوضح د. إسماعيل، الرأي الفقهي في العمليات التجميلية" عمليات التجميل التي تعيد الإنسان إلى هيئته الطبيعية هي عمليات لا غبار، على سبيل المثال لو كانت المرأة تعاني من تشوه أو عيب خلقي في أنفها، فإن إجراء عملية تجميلية لتصحيح هذا العيب مشروع ولا حرج عليها في القيام بها أو الإفصاح عنها، فيما يجب الحذر من بعض العمليات التجميلية المنتشرة في الوقت الحاضر، مثل تكبير وتصغير بعض أجزاء الجسم أو الوجه أو قص الجفون وغيرها من العمليات التي تبدو في ظاهرها غير مهمة، لكنها في الحقيقة تضع المرأة في موقف محرج أمام زوجها"، يشير د. العيساوي، لإبداع الخالق في خلق الإنسان مستشهداً بالآية الكريمة( ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) "، مبيناً" أن الجمال الحقيقي هو في الهيئة التي خلق الله الإنسان عليها، لذا على المرأة الاعتزاز بجمالها الطبيعي وعدم الانجرار وراء عمليات التجميل غير الضرورية".
العمليات التجميلية لا تؤثر عقد الزواج إلا عند إخفاء معلومات جوهرية
في إطار القوانين الإماراتية المتعلقة بالزواج والطلاق، يؤكد المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف" لا يوجد نص قانوني صريح يتناول بشكل مباشر الإجراء القانوني لمسألة اكتشاف الزوج لعمليات تجميلية أجرتها الزوجة قبل الزواج أو بعده. ومع ذلك، فإن المبادئ العامة للقانون التي تتعلق بعقد الزواج، ومبدأ الشفافية، والتدليس، يمكن أن تُستخدم لتقديم حكم شامل في هذه المسألة"، يوضح" يعترف القانون الإماراتي، بأن الزواج هو عقد يستند إلى الرضا الكامل والوعي بالمعلومات الجوهرية. والتدليس، أو الغش، هو فعل يؤدي إلى خداع أحد الأطراف حول أمر جوهري في العقد. إذا أثبت الزوج أن العمليات التجميلية التي أجرتها الزوجة قبل الزواج كانت عاملًا مؤثرًا في قراره بالزواج، فإن هذا يمكن أن يُعتبر نوعًا من التدليس، مما يعطيه الحق في طلب فسخ العقد بناءً على هذا الأساس، في هذه الحالات، يمكن للزوج أن يعتبر نفسه متضررًا أو يلجأ إلى القانون لإثبات أن عدم الإفصاح عن تلك العمليات أثر على رضاه الكامل بالزواج، من ناحية أخرى، إذا لم تؤثر العمليات التجميلية على قدرة الزوج على الاستمتاع بعلاقته مع زوجته أو لم تؤثر على جوهر العلاقة الزوجية، فإن القانون لا يميل إلى إتاحة فسخ الزواج بناءً على مجرد إجراء هذه العمليات".