بات الهوس بتحسين المظهر هاجساً يلاحق الكثيرين، ولم تعد
عندما يتحول التجميل إلى تهديد صحي
من خلال تماسها مع هذا الواقع، ترصد الدكتورة نهى سمير عامر، أخصائية الجلدية والتجميل في المستشفى السعودي الألماني- الشارقة، هذه الحقيقة، قائلة «نلاحظ ومنذ فترة زيادة كبيرة في عدد الحالات التي تظهر نوعاً من الهوس غير الصحي بإجراءات التجميل بشكل مبالغ فيه، من دون مراعاة الفترات الزمنية بين جلسة وأخرى، أو إجراء وآخر، ما ينعكس سلباً على النتائج الصحية، والإجراءات نفسها، منها على سبيل المثال، حقن البوتوكس، الذي يوصى بأن تكون الفترة الفاصلة بين جلسة وأخرى ثلاثة أشهر، على الأقل، إلا أن هناك من يصر على العودة فور ظهور تجاعيد صغيرة، أو بالكاد يمكن لمحها، لإجراء جلسة أخرى، وحالات أخرى يظهر عليها عدم الرضى لمجرد ظهور بثرة صغيرة، تصر على استخدام علاجات قوية، رغم الحالة الجيدة للبشرة التي لا تتطلب أكثر من استعمال كريمات بسيطة».
توضح، د. نهى «جمال المرأة يكمن في أن تبدو جميلة من دون أن يكون واضحاً خضوعها لأي إجراء تجميلي، لكن الهوس بالتجميل يقود البعض إلى اتخاذ قرارات غير سليمة، وعوضاً عن أن يكون الهدف الحقيقي منه تحسين المظهر من دون مبالغة، يصبح ظاهرة لتهديد جمالها الطبيعي، أو تعرّضها لمشاكل صحية أخرى».
لماذا الهوس بالتجميل؟
ثمة أسباب مختلفة تقف وراء هذا الهوس، وتشير د. نهى إلى أن «المرضى الذين يتردّدون على عيادات التجميل هم في الأغلب ممن يتبعون صيحات الموضة من دون النظر إذا ما كانت تتناسب وملامح وجوههم، أو شديدي التأثر بالـ«سوشيال ميديا». على سبيل المثال، انتشار موضة الشفاه الممتلئة (الروسية) التي حرصت الكثير من النساء على اتباعها في الفترة الأخيرة، من دون وعي بكمية مادة الفيلر المحقون، ما يجعل مظهرها غير طبيعي»، تكمل «اتّباع الموضة بهذا الشكل لا يكون خياراً صحيحاً دائماً، فهناك أشكال وملامح لا تناسبها هذه الصيحات، وبالتالي يمكن أن يؤدي الهوس بها إلى نتائج عكسية تؤثر سلباً في المظهر»، وفي ما يتعلق بتأثير الجانب النفسي للدفع تجاه هوس التجميل، تكشف «تعرّض بعض النساء للانفصال، أو الفقد، يلعب دوراً كبيراً في زيادة الرغبة في إجراء تغيير جذري في المظهر، حتى لو لم يكن مناسباً كنوع للهروب من الواقع الذي تمرّ به».
ترصد د. نهى أسباباً أخرى «عزّزت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قضية الهوس بالتجميل، حتى بدأ البعض يشعر برغبة شديدة في إلى الوصول إلى الصورة المثالية التي يرونها على الشاشات، أو عبر حسابات المؤثرين، هذا الضغط يدفعهم لإجراء تغييرات جذرية، أو متكرّرة، ظناً منهم أنها ستجعلهم يصلون إلى هذه الصورة المثالية. إن الهدف من التجميل يجب أن يكون تعزيزاً لجمال الشخص الطبيعي، وليس تحويله إلى نسخة مكرّرة (كوبي)، من الآخرين، فالإجراءات التجميلية وجدت لتزيد من الجمال، ولا ينبغي أن تستخدم لتشويه الهوية الطبيعية للفرد».
وتضيف «توجيه المرضى نحو الإجراء التجميلي المناسب من أهم التحديات التي نواجهها في عملنا، عندما تأتي مريضة بطلب إجراء معين قد لا تكون بحاجة إليه، أحاول توجيهها بما يناسب ملامحها، وجمالها الطبيعي، وفي كثير من الحالات، أوضح عدم ملاءمته، وأقترح يعض البدائل المناسبة»، وتخلص أخصائية الجلدية والتجميل إلى «إن اتّباع الموضة ليس دائماً سلبياً، ويكون مقبولاً إذا ما أراد أي الشخص إحداث تغيير في مظهره من باب التجديد، لكن التحدّي يكمن في عدم المبالغة، فأي شيء يتجاوز حدوده يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية».
أسباب تكرار التجميل
إن البحث عن الجمال ليس بالأمر المعيب، إن كان في الحدود الطبيعية، والمقبولة، فالإسلام يشجّع على التجمل (أن الله جميل يحب الجمال)، لكنه يصبح مشكلة كبيرة عندما يتحول إلى «هوس»، من هذا المنطلق، تشير المستشارة النفسية نورة النقبي إلى «أهمية التفريق بين الإجراءات والعمليات التجميلية الضرورية التي تجرى لتصحيح، أو تعديل عيب يسبب الأذى، سواء كان نفسياً أو جسدياً، وبين الهوس الذي يدفع إلى السعي وراء الكمال الشكلي، من دون وجود حاجة حقيقية»، وترجع النقبي هذا الهوس لأسباب نفسية مختلفة، موضحة «يرتبط الأمر في كثير من الأحيان، بعدم تقبّل الذات (النفس، الفكر، الجسم)، فعندما يفقد الفرد القدرة على تقبّل ذاته، أو جسمه، غالباً ما يلجأ إلى الإجراءات التجميلية بشكل مفرط، في محاولة لتحسين مظهره، ليصل لمرحلة الرضى عن الشكل الخارجي ومحاولة إدراك الجمال الداخلي». تكمل «يبقى شعور المرأة بفقدان الأمان والخوف من الشيخوخة، أو خيانة الزوج، والطلاق، من الأسباب المهمة وراء هوسها بتكرار عمليات التجميل حفاظاً على مظهرها».
الأضرار النفسية والاجتماعية لعمليات التجميل
تشير إليها النقبي بالقول:
- انخفاض الثقة بالنفس: تعزّز الإجراءات والعمليات التجميلية شعوراً مستمراً بعدم الرضا عن الذات، بسبب التطلع إلى نتائج مثالية، هذا السعي المفرط للكمال يخلق شعوراً بعدم الأمان، يؤدي إلى اعتماد دائم على هذه الإجراءات لتعزيز الثقة بالنفس.
- الاستنزاف المادي: لا تتوقف أغلب الإجراءات التجميلية عند إجراء واحد، وغالباً ما تجد المرأة نفسها في دائرة لا تنتهي من العمليات التي تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة.
- الانعزال الاجتماعي: تحتاج العمليات، أو الإجراءات التجميلية، إلى وقت طويل للشفاء، ما يدفع الفرد للابتعاد عن المحيط الاجتماعي لفترات طويلة، ويكون سبباً للشعور بالحزن والاكتئاب.
- فقدان الهوية الذاتية: يعزّز تكرار عمليات التجميل من الشعور بالضياع، وفقدان الهوية، حيث يصبح الاهتمام بالمظهر الخارجي أكثر من الاهتمام بالشخصية، والسّمات الذاتية.
- اضطرابات نفسية: يعاني البعض اضطراب تشوّه الجسم، حيث تكون رؤيتهم لمظهرهم مشوّهة، والإجراءات التجميلية تصبح سبباً في تفاقم هذه المشكلة أحياناً، بدلاً من حلّها، ما يدفعهم إلى المزيد من الإجراءات والعمليات، من دون الوصول إلى الرضا المطلوب.
- ضغوط مجتمعية متزايدة: تسهم الإجراءات والعمليات التجميلية في تعزيز معايير جمالية غير واقعية، وتضع ضغوطاً على الأشخاص، بخاصة الشباب، لمحاكاة هذه المعايير، هذا الضغط يؤدي إلى شعور دائم بالقلق لمن لا يتمكن من الوصول إلى هذه المعايير.
- التأثير في العلاقات الشخصية: يؤدي الهوس بالتجميل إلى اضطرابات في العلاقات، الزوجية والأسرية، حيث يشعر الشريك، أو أفراد الأسرة، بأن الجاذبية والاهتمام قد أصبحا محصورين في المظهر الخارجي فقط، مسبباً تباعداً عاطفياً، وتوتراً في العلاقة.
توضح النقبي «عززت