حصريًا لكل الأسرة.. علماء الإسلام يحسمون الجدل حول قضايا مسلسل «فاتن أمل حربي»
مسلسل «فاتن أمل حربي»
أكد علماء الإسلام، أن الشريعة الإسلامية، نظمت العلاقات الأسرية على أفضل ما يكون التنظيم، ووضعت الضوابط والقواعد اللازمة لضمان حقوق الزوجين والأبناء فى حالة الطلاق، وكل ما هو مطلوب الاهتداء بهدى الإسلام واعتماد الرؤية الشرعية الموثقة فى قوانين الأحوال الشخصية المطبقة في البلاد العربية منعاً للنزاع وتحقيقاً للعدالة.
وشدد علماء الشريعة على أن كل القضايا الأسرية والاجتماعية والحقوقية، التي أثارها المسلسل الرمضاني (فاتن أمل حربي) لها حلول شرعية؛ حيث لم تترك شريعتنا الغراء أمراً يتعلق باستقرار الأسرة إلا وحسمته بما يحقق العدالة بين كل الأطراف.
وفيما يلي خلاصة ما قاله علماء الشريعة الإسلامية رداً على التساؤلات التي أثارها المسلسل، والتي حظيت بجدل واسع على مواقع الـ«سوشيال ميديا» في عالمنا العربي:
أولاً: الولاية التعليمية
مسلسل «فاتن أمل حربي»
الولاية التعليمية للصغير ينبغي أن تكون مشتركة بين الأب والأم؛ حيث يتفقان على نوع التعليم، ويكون على والده جميع تكاليفه بشرط ألا تقل نوعية مستوى التعليم عن مستوى تعليم نظائر المحضون
في البداية يؤكد العالم الأزهري د.عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث والمشرف العام على لجان ومواقع الفتوى بالأزهر، «لا توجد مشكلة أسرية أو اجتماعية إلا وتتعامل معها الشريعة الإسلامية بما يحقق العدل بين كل أفراد الأسرة، سواء أكان ذلك في حالة استقرار الأسرة واستمرار العلاقة بين كل أفرادها، أو تعرضها للتفرق نتيجة الطلاق. وكل القضايا الأسرية المثارة الآن في الدراما الأزهر الشريف تعامل معها من خلال مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قدمه للبرلمان المصري السابق، وتضمن حلاً عادلاً لكل مشكلة، وحسماً لكل خلاف».
ويضيف «في مسألة حق الولاية التعليمية للصغار في حالة وقوع الطلاق بين الزوجين واحتفاظ الأم- أو من يتبعها- بحضانة طفلها، سبق وأكد الأزهر أن «الولاية التعليمية المتمثلة في اختيار نوعية التعليم حق مشترك للأب والأم بالتراضي، فإن تنازعا فتكون للأب بشرط ألاّ تقل نوعية مستوى التعليم عن مستوى تعليم نظائر المحضون، وعلى الأب أداء تكاليفه، وما يلزم ذلك من نفقات انتقال وأدوات مدرسية ونحوها، بما يُعين على تلقي المحضون تعليمه بصورته المناسبة، فإن رَغب الحاضن في نوعية تعليم تزيد تكاليفه عما اختاره الأب، تحمّل الحاضن فرق التكاليف». فالولاية التعليمية للصغير ينبغي أن تكون مشتركة بين الأب والأم؛ حيث يتفقان على نوع التعليم، ويكون على والده جميع تكاليفه، ثم يكون للأم وحدها ما بقي من هذه الولاية، فإن اختلفا فهي للأب، بشرط ألاّ تقل عن درجة التعليم المناسب لأقرانه، وذلك حتى لا يتعنت الحاضن فيختار نوعاً من التعليم لا يستطيع والد المحضون تلبية نفقاته، لأن نفقة التعليم كاملة تكون على الوالد، وأعتقد بأنه لو جُعل اختيار نوع التعليم بيد الحاضنة لندر أن تختار حاضنة لولدها التعليم العام مثلاً، ولا تخفى تكاليف التعليم الخاص وتعدد مستوياته التي منها ما يرهق الأغنياء، فما بالك بالفقراء أو محدودي الدخل، وقد تختار الحاضنة أعلى مستويات هذا التعليم نكاية في والد الطفل لكي ترهقه مادياً، ومع ذلك فلا مانع من إلحاق المحضون بنوع التعليم الذي يختاره الحاضن، ويتحمل هو الفرق بين كلفة التعليم المناسب لأقرانه، التي يتحملها والد المحضون كاملة، ونفقات التعليم الذي اختاره الحاضن.. هذا هو العدل الذي تقره الشريعة الإسلامية والذي يسانده الأزهر الشريف».
ثانيًا: الإنفاق على الزوجة والأبناء
مسلسل «فاتن أمل حربي»
تعتبر نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع عن الإنفاق الواجب ديناً على الزوج بلا توقف على القضاء أو التراضي، ولا تسقط نفقة الزوجة إلا بالأداء أو الإبراء الموثقين
ويؤكد د.شومان، أن الشريعة الإسلامية تلزم الأب بأداء كل التزاماته المادية تجاه مطلقته وأولاده، فهو ملزم شرعاً بالإنفاق عليهم، فالله سبحانه وتعالى يقول:
«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»،
كما يقول عز وجل فى كتابه الحكيم:
«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا»،
ورسول اللَّه ﷺ يقول: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سبيلِ اللَّه، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في رقَبَةٍ، ودِينَارٌ تصدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذي أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ».. فهذه بعض النصوص القرآنية والنبوية في الحث على الإنفاق على الزوجة والأبناء سواء فى حالة استمرار العلاقة الزوجية أو انتهائها بالطلاق».
ويواصل «في حال امتناع الأب عن النفقة الواجبة عليه لزوجته وأولاده يلاحق قضائياً، وحتى ولو ترتب على هذه الملاحقة القضائية الحكم بحبس الممتنع، وقد أقر الأزهر التشدد مع الآباء الذين يسوفون ولا يؤدون التزاماتهم المادية تجاه أولادهم وذلك حرصاً على مصلحة الأولاد. والبعض أخذ على الأزهر التشدد في التعامل مع الآباء المتقاعسين عن أداء واجباتهم تجاه أولادهم، ويقولون إن حبس المتقاعس قد يؤدي إلى تعجيزه عن الوفاء بالنفقة الواجبة عليه لأولاده، وأنا أؤكد لهم ضرورة تقديم مصلحة الأولاد، لأنهم الجانب الأضعف، كما أن مبدأ الحبس في الديون مبدأ مطبق في الديون بصفة عامة، وليس خاصاً بدين النفقة».
"أنا مش هسيب حقي جايز ماخدوش بس مش هستسلم "
— Nelly karim (@NellyKarim) March 18, 2022
البرمو الرسمي لــ "فاتن أمل حربي" #رمضان2022 #العدل_جروب #نيللي_كريم pic.twitter.com/98i6eOBbG2
وفيما يتعلق بنفقة الزوجة المطلقة وضرورة الوفاء بها، يؤكد د.شومان، أن الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بنفقة زوجته التي تعيش في كنفه، والنفقة تشمل: الغذاء، والكسوة، والمسكن، ونفقات العلاج، وغير ذلك مما يقضي به الشرع أو العرف، مشيراً إلى أن هذه النفقة تجب للزوجة على زوجها من وقت الدخول، ولو كانت غنية، أو مختلفة معه في الدين، وموضحاً أن مرض الزوجة لا يسقط النفقة. وإذا امتنعت الزوجة، بدون حق، عما يجب عليها شرعاً نحو زوجها فتسقط نفقتها، وإذا أعسر الزوج وطلبت زوجته التفريق لتضررها من ذلك، وفرق القاضي بينهما، فلا تستحق نفقة. وتقدَر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت فرضها يسراً أو عسراً، أياً كانت حالة الزوجة يسراً أو عسراً، على ألاّ تقل النفقة في حال العسر عن حد الكفاية، وللقاضي أن يرجع إلى رأي الخبراء بالطريقة التي يراها، وتجوز زيادة النفقة ونقصها بتبدل حال الزوج، أو أسعار البلد، وتعتبر نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع عن الإنفاق الواجب ديناً على الزوج بلا توقف على القضاء أو التراضي، ولا تسقط نفقة الزوجة إلا بالأداء أو الإبراء الموثقين.
وإذا تعذر على الزوجة الحصول على نفقتها من الزوج بسبب الإعسار أو غيره، وكان لها مال يمكن النفقة منه، قدّر لها القاضي نفقة الكفاية، وأذن لها بأن تُنفق على نفسها، ويكون مجموع ما تنفقه ديناً على الزوج. أما إذا لم يكن لها مال، وجب على من تجب نفقتها عليه عند عدم الزواج إعطاؤها نفقة الكفاية المقدرة ويكون لها حق الرجوع على الزوج، وفرض النفقة للزوجة بالقضاء أو بالتراضي يبيح لها حق الاقتراض ممن تشاء عند الحاجة، ويكون للمقرض حق الرجوع على الزوج. وتُقدم نفقة الزوجة على غيرها من الديون، إذا لم يتسع مال الزوج لأكثر من نفقتها.
ثالثًا: إقامة النساء بالفنادق
مسلسل «فاتن أمل حربي»
لا يوجد تحفظ شرعي على عدم إقامة المرأة - أياً كان سنها - بمفردها في أي مكان سواء كان فندقاً أو مسكناً مستأجراً طالما تخضع تلك الأماكن وخاصة الفنادق للأمن الكافي
وحول رفض بعض الفنادق في بعض البلاد العربية إقامة النساء أقل من 40 عاماً بدون محرم معهن، توضح الفقيهة الأزهرية د.سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية والعميدة الأزهرية السابقة، «لا يوجد تحفظ شرعي على عدم إقامة المرأة - أياً كان سنها - بمفردها في أي مكان سواء كان فندقاً أو مسكناً مستأجراً طالما تخضع تلك الأماكن وخاصة الفنادق للأمن الكافي».
وتضيف «الشرع لا يمنع بالضوابط المشار إليها، وأبرزها توافر الأمن الذي يضمن سلامة المرأة، وبشرط ألاّ يصاحبها رجل أجنبي عنها، وطالما كانت أماكن الإقامة مؤمنة بأفراد أمن فلا محل للمنع وليس هناك شبهة. لكن لو كانت هناك إجراءات وقائية من أجهزة أمنية أو إدارية فينبغي احترامها طالما كانت هناك مبررات مقنعة لها».
وتؤكد د. سعاد صالح، ضرورة أن تكون مطالبات حرية المرأة في بلادنا العربية متفقة مع تعاليم الدين وما اتخذته الشريعة من تدابير كافية للحفاظ عليها؛ حيث لا توجد حرية بدون ضوابط، وتبين «هناك حوادث تؤكد وقوع جرائم أخلاقية في بعض الفنادق، ومواجهة مثل هذه الجرائم بإجراءات وقائية من الواجبات الشرعية».
وتناشد د. سعاد القائمين على الدراما في عالمنا العربي الاهتمام بالمشكلات الحقيقية التي تعانيها المرأة العربية بعيداً عن إثارة اللغط حول موقف الشريعة الإسلامية من المرأة، فكل ما جاء به الإسلام من تشريعات وضوابط لحركة المرأة ونشاطها في المجتمع هو لحماية المرأة واحترام جسدها وكيانها النفسي لتقوم برسالتها كشريكة للرجل في الحياة، وعنصر من أهم عناصر البناء الأخلاقي للمجتمع.
رابعًا: جريمة ترهيب الزوجة لتتنازل عن حقوقها
مسلسل «فاتن أمل حربي»
يساوم الزوج زوجته على التنازل عن حقوقها مقابل أن يحقق لها مطلبها وتنال الطلاق، وهنا يكون الحرام الذي يرفضه الإسلام، ولو وافقت الزوجة وكتبت إقرارا بالتنازل عن نفقتها أو حضانة أطفالها فعلى القاضي أن يعيد لها حقوقها
وختاماً يؤكد د.علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن الإسلام يدين كل صور الإكراه التي يمارسها بعض الأزواج ضد زوجاتهم للتنازل عن حقوقهن مقابل الطلاق، أو مقابل ترك الأولاد لها بعد الطلاق.. ويقول «في الواقع لا يوجد رجل كامل الرجولة يقوم بإكراه زوجته لكي توقع له على التنازل عن حقوقها الشرعية أو بعض حقوقها لكي تنال حريتها وتتخلص من حياتها معه، فالشريعة الإسلامية لا تقبل الضرر ولا الإضرار، وكما منحت الرجل حق تطليق زوجته الناشز الذي فشل في إصلاح شأنها أعطى المرأة كذلك حق طلب الطلاق عندما تصل العلاقة بينها وبين زوجها إلى طريق مسدود، فلو كانت غير راغبة في استمرار العشرة معه لعامل نفسي دون أن يهدر حقوقها أو يقصر في واجباته تجاهها، كان الطلاق (خلعاً) أي تطلب الطلاق مع إعفائه من حقوقها الشرعية لأنها الطرف الذي يريد هدم الحياة الزوجية دون تقصير من الزوج، وهذا هو العدل الذي تقره عدالة السماء، فالرجل هو الذي أنفق على بيت الزوجية وهو من يتحمل أعباء تكاليف زواج جديد. لكن لو كانت الزوجة راغبة في الطلاق لسوء خلق الزوج معها أو لإهدار حقوقها، فهنا يكون الطلاق للضرر فيحكم للزوجة بالطلاق وتنال كافة حقوقها الشرعية».
ويضيف «في حالات كثيرة يساوم الزوج زوجته على التنازل عن حقوقها مقابل أن يحقق لها مطلبها وتنال الطلاق، وهنا يكون الحرام الذي يرفضه الإسلام، ولو وافقت الزوجة وكتبت إقراراً بالتنازل عن نفقتها أو حضانة أطفالها فعلى القاضي أن يعيد لها حقوقها بعد الطلاق ولا اعتبار لما وقعت عليه لأنه جاء أولاً مخالفاً للشرع، وجاء نتيجة إكراه».
من هنا يؤكد مفتي مصر السابق، أن قيام بعض الأزواج بإكراه زوجاتهم على التنازل عن حقوقهن الشرعية مقابل الطلاق «جريمة يدينها الشرع ويعاقب عليها»، فالعلاقة بين الرجل وزوجته يجب أن يسودها الاحترام المتبادل والوفاء بالحقوق المشروعة حتى ولو وصلا إلى طريق مسدود ولم يكن هناك حل إلا الطلاق.
ويتعجب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر من محاولات إقحام الإسلام في كل مشكلة وكأنه المسؤول عن كل مشكلاتنا الاجتماعية والأسرية.. ويقول «الإسلام رسم طريق العلاقة المستقرة بين الزوجين، وبين الآباء والأبناء، وكل من يخالف تعاليم الإسلام يتعرض لمشكلات وأزمات، فلماذا نقحم الإسلام في كل مشكلة وكأنه السبب فيها؟».