تعددت المشكلات الزوجية بسبب المبالغة في الهجر بين الزوجين، ومعها حالات الطلاق بسبب التطبيق الخطأ لهذه العقوبة الشرعية التي فهمها بعض الأزواج والزوجات على غير أهدافها الشرعية، وتحولت في حياة البعض إلى وسيلة انتقام ضد شريك الحياة.
فما الحدود الشرعية للهجر في الفراش؟
وما ضوابطه وشروطه؟
ومتى يجوز للزوجة أن تهجر فراش زوجها عقاباً له على قسوته في التعامل معها؟
تساؤلات كثيرة عرضناها على عدد من كبار العلماء ورجال الفتوى، حتى يتضح الحلال من الحرام ويعرف كل من الزوجين حدود المباح له في علاقته النفسية مع شريك حياته.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به:
الإسلام كفل للمرأة حقها في الفراش
في البداية يؤكد العالم الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي مصر الأسبق، أن الإسلام نظم العلاقة الحسية أو العاطفية بين الزوجين تنظيماً دقيقاً، وجعل الاستمتاع حقاً للطرفين، لا سلطان لأحد فيه، فالمرأة من حقها الاستمتاع بزوجها، كما أن من حقه الاستمتاع بها.
قهر الزوجة في الفراش ومعاشرتها رغم أنفها دون النظر لاحتياجاتها النفسية، وأحوالها الجسدية.. أمر يرفضه الإسلام
ويضيف «للأسف بعض الرجال أو كثيراً منهم يسيئون استخدام هذا الحق، ويعتبرونه منحة يقدمها للزوجة إذا رضي عنها، ويمنعها إذا غضب منها، وهؤلاء لا يفهمون تعاليم دينهم فهماً صحيحاً ويفسرون الأحاديث النبوية، التي تحث المرأة على الاستجابة لزوجها لإشباع رغباته المشروعة وكفه عن الحرام، فهماً خاطئاً.. بل إن بعض الذين يتصدون للفتوى دون علم كامل بأبعاد وجوانب وتداعيات ما يتحدثون فيه أباحوا للرجل قهر زوجته في الفراش ومعاشرتها رغم أنفها ودون النظر لاحتياجاتها النفسية، وظروفها وأحوالها الجسدية.. أو حرمانها من هذا الحق بالهجر في الفراش لأسباب لا تستدعي هذا الهجر، وهذا أمر يرفضه الإسلام».
لذلك يحذر عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر كل زوج يهمل حقوق زوجته العاطفية، وينشغل عنها ويقصر في واجباته تجاهها، أو يستخدم معها أساليب قهر نفسي بحرمانها من أهم حقوقها.. ويقول «الإسلام كفل للمرأة حقها في الفراش كأحد أهم حقوقها الشرعية أولاً، وكحماية للمجتمع الإسلامي من كل أشكال العبث الأخلاقي».
ويؤكد د. واصل أن الحرمان من هذا الحق يؤدي إلى مفاسد كثيرة وقد يدفع بعض النسوة إلى الوقوع في براثن جريمة أخلاقية خطيرة مثل جريمة الزنا التي واجهها الإسلام بوسائل عديدة نظراً لمخاطرها الدينية والأخلاقية والصحية والاجتماعية.
حقوق الزوجة
من جانبها، توضح د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر «الإسلام دين واقعي يحترم رغبات الإنسان ويتجاوب مع احتياجاته الحسية والنفسية، ولذلك يعتبر الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية في تركيب الإنسان، يجب أن يتم تفريغها والانتفاع بها في إطار الدور المحدد لها، شأنها في ذلك شأن الغرائز الأخرى، ومن هنا فإن تفريغ هذه الطاقة من جسم الإنسان ضرورة كما أن اختزانها فيه أضرار كثيرة للإنسان».
ومن هنا حث الإسلام على الزواج لتفريغ هذه الطاقة بأسلوب يحقق الأهداف الشرعية والإنسانية بعيداً عن العبث الذي ينتشر في الغرب ويلحق بالإنسان بسببه أضرار بليغة. ولم يجامل الإسلام الرجل أو المرأة في هذا المطلب الفطري، فجعل لكل من الزوجين الحق في الحصول على إشباع حاجته الجسدية بصورة لا يمكن أن ترى إلا في هذا الدين الذي أحاط بدقائق النفس البشرية، فمن المقرر في أحكام الشريعة الإسلامية أن من العيوب التي يثبت بها فسخ النكاح وجود عيوب بالزوج أو الزوجة تمنع تحقيق الإشباع لأحد الطرفين، وكذلك إذا حلف الزوج ألا يجامع زوجته وهو ما يسمي بالإيلاء وعرفه الفقهاء بأنه حلف الزوج على ترك جماع زوجته قبل أربعة أشهر. هذا الزوج يعتبره الإسلام مضراً لزوجته ومسيئاً في استعمال حقه في القوامة، ومن ثم فإنه إما أن يحنث في يمينه قبل مضي أربعة أشهر وعليه كفارة يمين، وإلا فإن مضت هذه المدة قبل أن يعود إلى مباشرة زوجته فإنه يطالب بالطلاق فإن امتنع طلقها الحاكم قال تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
المعاشرة الزوجية حق للطرفين دون من أو أذى من الطرف الآخر
الحدود الشرعية للهجر في الفراش
وتواصل الدكتورة سعاد نصائحها قائلة «المقصد الشرعي من الهجر هو أن يكون وسيلة إصلاح، وتقويم لسلوك الزوجة الناشز، والزوجة الناشز هي التي تعصي زوجها فيما فرض الله عليها طاعته كأن تخرج من بيته دون إذنه، أو ترفض معاشرته دون عذر شرعي، أو تفعل ما يتناقض مع قوامته ويسيء إليه كأن تدخل في بيته أحداً من غير المحارم في غيابه، ولذلك تأتي عقوبة الهجر بعد فشل وسيلة النصح والإرشاد لعل الزوجة تعيد حساباتها وتعود إلى رشدها، ولا تستمر على عنادها وتمردها وتحديها لزوجها».
ولكن كم يهجر الزوج زوجته، وهل يجوز له التمادي في هذا الشهر لمدة شهور أو سنوات كما يفعل بعض الأزواج؟
تجيب د. سعاد «الهجر المشروع غايته ـ كما قال معظم العلماء ـ شهر، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى زوجته حفصة بأمر فأفشته إلى عائشة وتظاهرا عليه. والهجر يكون بترك المضاجعة فقط وليس هجراً في الكلام والتعامل داخل البيت وخارجه كما يفعل بعض الأزواج والزوجات أمام أولادهم».
وهنا تنصح د. سعاد كل زوجة تعاني سوء معاملة زوجها وحرمانه لها من حقوقها بما في ذلك حق الفراش، وتقول «الله سبحانه تعالى بين المنهج الذي تلتزم به الزوجة عند نشوز زوجها وعصيانه، حيث قال في سورة النساء: «وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خيرٌ وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً»، ففي الآية حث على الصلح المتكرر وعدم الانقياد وراء الغضب والخلاف والتهديد بالعقوبة أو بالهجر، كما يحدث من بعض الأزواج، أو التمرد والعصيان من بعض الزوجات نحو أزواجهن، وإنما يجب على الزوجة في هذه الحالة أن تتحلى بالصبر والحكمة والدعاء بالهداية للزوج». وتقول لكل زوج يحاول إهانة زوجته وإذلالها بالحرمان من الإشباع العاطفي «هذا سلوك لا يليق بالرجال. لا يجوز لك أن تفعل ذلك لأن الله سبحانه وتعالى جعل الأساس في بناء الأسرة السكن والمودة والرحمة وجعل أسلوب التعامل بين الزوجين هو (المعاشرة بالمعروف)، وليس من المعروف حرمان الزوجة من أهم حقوقها وإهانتها. فالمعاشرة الزوجية ليست منحة من طرف للطرف الآخر، فما دام كل من الزوجين قد ارتضيا أن يجمعهما عش الزوجية فعلى كل طرف منهما واجبات وله حقوق تجاه الآخر، والمعاشرة الزوجية حق للطرفين دون من أو أذى من الطرف الآخر.
أما عن حق المرأة في هجر فراش زوجها، فتؤكد د. سعاد «نعم من حقها أن تفعل ذلك لو حاول تحريضها على معصية، أو لو كان غير نظيف ولم يستجب لنصائحها، أو كان فظاً غليظاً في التعامل معها.. فالزوجة إنسانة ويجب على الزوج احترام مشاعرها».
الهجر بين الزوجين في الفراش له ضوابط وحدود
د. عبدالله النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد «الإسلام نظم العلاقة العاطفية بين كل زوجين، وجعل للرجل حق الاستمتاع بزوجته في أي وقت يشاء مادامت الزوجة خالية من الأعذار الشرعية، فالاستمتاع بالزوجة حق للزوج، واستمتاع الزوجة بزوجها هو حق لها أيضا، ولها أن تطلبه دون خجل في أي وقت، والهجر بين الزوجين في الفراش، له ضوابط وحدود لا ينبغي أن يحيد عنها حتى لا يكون سبباً في إفساد العلاقة الحميمة بين الزوجين».
ويشدد أستاذ الشريعة الإسلامية على أن الهجر في المضاجع من جانب الزوج لا ينبغي أن يتحول إلى وسيلة انتقام «هذا السلوك من جانب الزوج لا يستوجب الإيذاء البدني أو النفسي، وعلى كل زوج يرى في سلوك زوجته مالا يعجبه أن يحاول أولا إصلاحها بالمعروف، وإذا لم ينصلح حالها بعد النصيحة الصادقة أن يهجرها دون إساءة ويكفيها ما في الهجر من إساءة لأية امرأة ترتبط نفسيا ووجدانيا بزوجها».
اقرأ أيضاً: هل يجوز شرعًا أن يأخذ الرجل حقوقه الزوجية من زوجته بالإكراه؟