فماذا قدم الإسلام لحماية العلاقة بين الزوجين من التصدع والوصول إلى أبغض الحلال؟
ومتى يبيح الشرع لأحد الطرفين التفكير في الطلاق؟
وهل الطلاق عن طريق الإرادة المنفردة للزوجة عن طريق الخلع هو المسؤول فعلاً عن تزايد حالات الطريق في بلدان عربية وضعته في تشريعاتها؟ وهل يجوز وضع قيود على الطلاق عن طريق الخلع؟
تساؤلات عديدة عرضناها على عدد من علماء الشريعة الإسلامية.. وفيما يلي خلاصة ما قالوه ونصحوا به:
الخلع تشريع إسلامي هادف، ولا يجوز تجميده أو إلغائه لأن عواقب ذلك وخيمة على الأسرة كلها
في البداية، يؤكد د. محمد الضويني، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر الشريف، أن الإسلام اتخذ كل الوسائل الوقائية لحماية الأسرة من التصدع والانهيار، فحرص على حث الراغبين في الزواج من الطرفين على التدقيق في الاختيار، والانحياز لصاحب - أو صاحبة - الدين والخلق، وإعطاء الفرصة للطرفين للتعرف إلى بعضهما البعض عن طريق الخطبة، وذلك في ظل الالتزام بالآداب والضوابط الشرعية، وعندما يحدث خلاف أو نفور بين الطرفين بعد الزواج نلجأ إلى الحلول الشرعية، وهي حلول مثالية تحفظ كرامة كل من الرجل والمرأة، فإذا ما استحكم الخلاف ووصلت العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود، وفشلت جهود الإصلاح بين الزوجين، كان الفراق في ظل الضوابط والآداب الشرعية، فلا قهر، ولا استغلال، ولا إساءة، ولا انتقام، ولنا أن نتأمل عبارة القرآن الكريم هنا:«وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً عليماً».
ويشدد د. الضويني على أن تشريع الخلع المنصوص عليه في قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية، تشريع إسلامي هادف، ولا يجوز تجميده أو إلغائه لأن عواقب ذلك وخيمة على الأسرة كلها، وليس على المرأة وحدها، ويقول «ما يوجه الآن من ملاحظات على حالات الطلاق خلعاً سببها التجاوز في تطبيق هذا التشريع، فالإسلام يحث طرفي العلاقة الزوجية على الصبر والتعامل مع ما يعترض علاقتهما الزوجية بالتحمل واللجوء للحلول الودية، ويؤكد الإسلام دوماً أن العلاقة بين الزوجين هي أسمى علاقة بين رجل وامرأة.. ولذلك فالزوجة التي تلجأ للطلاق خلعاً مع أول خلاف مع الزوج هي إنسانة مخالفة لتعاليم الإسلام، ولو أصرت على الطلاق خلعاً دون وجود الأسباب التي تستدعى هذا الطلاق هي آثمة شرعاً».
فالمشكلة هنا، كما يقول وكيل الأزهر الشريف، هي مشكلة «سوء تطبيق وليست مشكلة فساد تشريع».. فالطلاق خلعاً تشريع إسلامي يخلص الأسرة كلها من صراعات ومشاحنات ومشاعر عداء وكراهية بين طرفين لم يعد لاستمرار علاقتهما معنى في ظل هذه الخلافات والمشاعر العدائية.
مطابق للنصوص الشرعية
والسؤال المهم هنا: هل الخلع بالفعل يؤدي إلى زيادة حالات الطلاق في بلادنا العربية والإسلامية، وهل هذا يبرر تجميده أو تقييد المباح كما يردد المطالبون بإلغائه حرصا على استقرار الأسرة؟
يجيب د. عبد الله النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، «المشكلة لا تكمن في التشريع، لكنها في سوء استغلال هذا التشريع العادل، وسوء الاستغلال موجود في حياتنا في كل المجالات، ولذلك لا يجوز أن نطالب بحظر تشريع سماوي يعطي المرأة حق إنهاء حياتها الزوجية الكارهة لاستمرارها عن طريق الخلع، ولا يجوز لأحد أن يرفض أو يتحفظ على أمر مشروع بنص القرآن الكريم، وطبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم».
الخلع وسيلة في يد المرأة المظلومة مهدرة الحقوق والتي تريد الخلاص من استبداد زوجها، والإسلام كان حكيماً وعادلاً عندما شرع للمرأة الكارهة لزوجها والرافض لتطليقها، أن تتخلص منه بهذه الوسيلة
ويواصل د. عبد الله النجار «تشريع الخلع الموجود في القانون المصري مطابق للشريعة الإسلامية، حيث تمت مراجعته داخل مجمع البحوث الإسلامية قبل إقراره، وإذا كان التطبيق العملي للقانون قد أظهر سلبيات وتجاوزات من جانب بعض النساء اللاتي لا يقدرن قيمة الحفاظ على الحياة الزوجية فهذا لا يعني إلغاء التشريع الإسلامي الذي يمنح المرأة حقاً مهماً من حقوقها المشروعة».
ويشدد د. النجار على أن الخلع لا يستهدف أبداً حض المرأة على التمرد على حياتها الزوجية، والانتقام من زوجها بالتخلي عنه والبحث عن غيره، ويبين «هذه أوهام عالقة بأذهان البعض، فالخلع وسيلة في يد المرأة المظلومة مهدرة الحقوق والتي تريد الخلاص من استبداد زوجها، والإسلام كان حكيماً وعادلاً عندما شرع للمرأة الكارهة لزوجها والرافض لتطليقها، أن تتخلص منه بهذه الوسيلة، فالحياة الزوجية لا يمكن أن تستمر ولا يكتب لها النجاح إلا إذا قامت على الحب والاحترام المتبادل والمودة والرحمة بين الزوجين».
ويحذر د. النجار من التمادي في توجيه اتهامات عشوائية لتشريعات سماوية «المطالبة بحظر الطلاق خلعاً إساءة بالغة للشريعة الإسلامية، لأن العمل بذلك سيظهرها في نظر الجميع على أنها شريعة غير عادلة، وأنها تفضل الرجل على المرأة، وتشجعه على التسلط والظلم حتى إلى أقرب الناس إليه وهي زوجته، ويقول «على الجميع أن يتأكد أن شريعة الإسلام عادلة ومنصفة ورافضة للظلم، وأنها شرعت للمرأة الكارهة لزوجها من الوسائل ما يساعدها على التخلص من حياة القهر والظلم التي تعيشها مع زوج لا يلتزم بحدود الحلال والحرام في علاقته بزوجته، فكما أباحت الشريعة للرجل أن يطلق زوجته التي لا يستريح لها متى شاء، فقد أعطت المرأة الكارهة لزوجها الوسيلة التي تتخلص بها منه دون ظلم أو عدوان أو قتل كما نرى في واقع الحياة أحياناً».
بعض الرجال في عالمنا العربي يتعاملون مع زوجاتهم على أنهن ملك خالص لهم، وهذا ظلم لا تقره شريعة الإسلام، فالمرأة إنسان لها إرادة و مشاعر وعواطف
د. أمنة نصير، أستاذة الثقافة الإسلامية والعميدة الأزهرية السابقة، تؤكد من جانبها أن تشريع الخلع من أبرز مظاهر عدل الشريعة الإسلامية، وإنصافها للمرأة، وتشرح «إهدار حق المرأة في التخلص من حياة زوجية لا تريدها ظلم يأباه الإسلام، ولو تم ذلك فنحن ندفع بالمرأة ولارتكاب ما يغضب الله سواء سلوكياً بممارسة العنف ضدها زوجها الذي يمسكها ضراراً، أو أخلاقياً بخيانته. فالخلع تشريع إلهي له مقاصد شرعية سامية أبرزها منع ما قد يحدث بين الزوجين من مشكلات أو جرائم نتيجة الكراهية واستحالة العشرة بالمعروف، ولذلك علينا أن نهتدى بهدي الإسلام في إرساء الحقوق الشرعية المتبادلة بين الزوجين».
وتشدد الأستاذة والداعية الأزهرية على أن العلاقة الزوجية إذا ما انعدمت فيها مشاعر الحب والمودة والرحمة، وأصبح كل من الزوجين لا يؤدي واجباته تجاه الآخر، وحلت الكراهية في قلبيهما، وأصبح من المستحيل طرق سبل الإصلاح بينهما، كان الفراق خيرا من العيش في نزاع وبغضاء، والله سبحانه وتعالى يرشدنا الى ذلك في قوله عز وجل: «وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته».
وتدين د. أمنة سلوك بعض الأزواج الذين يعاندون ويصرون على عدم تطليق زوجاتهم فتظل الزوجة مظلومة فهي ليست متزوجة وتعيش حياة مستقرة مع زوجها مثل غيرها من الزوجات، ولا هي مطلقة تعيش بعيداً عن جبروت ومضايقات زوجها وتلتقي برجل آخر تجد فيه زوجاً صالحاً.. لذلك جاءت شريعة الإسلام بهذا الحل الذي يخلص المرأة من زوجها الذي تكره الحياة معه، ولذلك كان الخلع وسيلة إنقاذ سريع لزوجة مقهورة من زوج لا يعرف الحرام في تعامله مع زوجته.
لذلك ترفض د. أمنة أي مساس بتشريع الخلع، وتؤكد أنه «تشريع إسلامي عادل يمنح المرأة بعض حقوقها، إذ إن بعض الرجال في عالمنا العربي يتعاملون مع زوجاتهم على أنهن ملك خالص لهم، وهذا ظلم لا تقره شريعة الإسلام، فالمرأة إنسان لها إرادة ولها مشاعر وعواطف ولا يجوز لا إنسانياً ولا دينياً ولا اجتماعياً إكراهها على العيش مع رجل أساء إليها، وأهدر حقوقها، ولم تعد تطيق الحياة معه، فالشريعة الإسلامية تقوم على قاعدة مهمة تقول (لا ضرر ولا ضرار)، فليس من العدل إجبار امرأة على معاشرة رجل لا تريده، ولو تم ذلك لكانت هذه عبودية، فالحياة الزوجية ليست كما يفهم البعض مكاناً تهدر فيه كرامة المرأة، ويستهان فيه بمشاعرها.. فالشريعة الإسلامية شريعة عادلة وقد جاءت لإقرار العدل بين الناس، بحيث يحظى كل من الزوج والزوجة بحقوق كاملة غير منقوصة دون أن يجور على حقوق غيره».
في ظروف كثيرة يحقق الافتراق بين الزوجين عن طريق الخلع مكاسب للطرفين، ويحميهما من جرائم وانحرافات كثيرة
حسن الختام مع العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، حيث يحث الجميع على الاحتماء بتشريعات الإسلام، ففيها الأمان والاستقرار والطمأنينة، والحماية من كل ما نشكو منه الآن.. ويقول «شريعتنا الإسلامية تحمي البيت الزوجي من كثير من المشكلات والأزمات، من خلال تشريعات تحقق العدل والإنصاف بين الطرفين، ومن هذه التشريعات (الخلع)، ففي ظروف كثيرة يحقق الافتراق بين الزوجين عن طريق الخلع مكاسب للطرفين، ويحميهما من جرائم وانحرافات كثيرة وبالتالي يحمي المجتمع من تداعيات علاقة متوترة تقوم على الإكراه».
ويحث عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر المشككين في تشريع الخلع على قراءة الآية الكريمة التي أجازت حق الخلع للمرأة مقابل العوض بـ «تدبر وفطرة نقية»
ويوضح «تأملوا قول الله تعالى: «فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به» فكلمة خفتم تتضمن أموراً لو أتت بها المرأة لوقعت في معصية عدم إقامتها حدود الله ومنها (أن تظهر سوء الخلق والعشرة لزوجها، وألا تطيع له أمراً ولا تبر له قسماً، وأن تصارحه بكراهيتها له، وأن يكره كل منهما الآخر).. وفي مثل هذه الحالة يكون من الأفضل للطرفين ـ الزوج والزوجة ـ أن تطلب الزوجة الطلاق خشية الوقوع في المعصية مقابل العوض للزوج الذي قد يتضرر. أيضا، علينا أن نتدبر الواقعة التي حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بالطلاق خلعاً، وفهمنا قول امرأة ثابت بن قيس لرسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكن أكره الكفر في الإسلام «لوجدنا خشية هذه المرأة الحريصة على دينها وعلى حقوق زوجها أن تقع في المعاصي والآثام بسبب عدم رغبتها في استمرار علاقتها الزوجية، وأيضاً ليس من العدل أن تكون هي السبب في الطلاق ثم تحمل زوجها تبعات ذلك».