05 أكتوبر 2023

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

محرر متعاون

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

كل ما تعانيه الأسرة العربية الآن من مشاحنات وخلافات، وإهدار حقوق متبادل بين الزوجين، ومن علاقة متوترة بين الآباء وأولادهم، يرجع إلى تجاهل تعاليم الدين في العلاقة الزوجية، وتجاهل السنن النبوية الكريمة التي تنشر المودة والتعاون والسكينة النفسية بين كل أفراد الأسرة.

هذا ما كشفت عنه العديد من الدراسات الاجتماعية والأسرية التي تقدم بها باحثون وباحثات في جامعة الأزهر وحصلوا بها على درجتي الماجستير والدكتوراه، وطالب المشرفون عليها والمناقشون لها من العلماء بنشر نتائجها بين الناس، للمساهمة في حل المشكلات والأزمات الأسرية القائمة.. فالإسلام جاء بتعاليم وأحكام شرعية واضحة تحدد الشكل الأمثل للعلاقة بين الزوجين.

رجعنا لعدد من علماء السنة النبوية والثقافة الإسلامية لكي يوضحوا لنا السنن النبوية المهجورة في بيت الزوجية، وما يترتب على هجرها من مشكلات وأزمات نعانيها في واقعنا المعاصر.. وهنا خلاصة ما قاله العلماء ونصحوا به:

الوصايا النبوية سلوك داخل الأسرة

في البداية، يؤكد عالم السنة النبوية د. أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ضرورة أن تهتدي الأسرة في علاقات كل أفرادها بهدي الدين، وما جاء به من تعاليم وأحكام، وأن يقتدي صاحب القوامة في الأسرة بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في علاقته بأهل بيته من زوجة وأولاد.

ويضيف «ما أكثر الوصايا النبوية التي تجاهلها الكثيرون في محيط الأسرة، وفي علاقات كل أفرادها، وهذا سبب مباشر لكثير من النزاعات الأسرية التي نعانيها في واقعنا المعاصر، ولذلك نحن نحث الجميع على العمل بسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وإحيائها في نفوسنا، وترجمتها إلى سلوك عملي داخل الأسرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة فعمل بها كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً». ومثل هذه النصوص وغيرها تبرز حاجتنا جميعاً في هذا العصر الذي كثرت وتعددت وتنوعت فيه المشكلات والأزمات الأسرية إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بسنته والحرص عليها لضبط إيقاع حياتهم العامة والخاصة بكل ما يحقق لهم الاستقامة والصلاح والحماية من الضلالات العقدية والفكرية والانحرافات السلوكية والأخلاقية».

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

السنن النبوية لكل العصور

ويؤكد العالم الأزهري أن كثيراً من توجيهات ووصايا الرسول صلى الله عليه وسلم قد تلاشت من حياتنا، فهناك سنن هجرت، إما لسوء الفهم وقصور في التعرف إلى أهدافها والوقوف على مقاصدها، وإما لقلة الوعي بأهميتها، أو ضعف الوازع الديني بشكل عام، وهذه السنن المهجورة كثيرة ومتنوعة ونحتاج إلى استعادتها لأهميتها لحياتنا بوجه عام، وللعلاقات الأسرية بوجه خاص، فكل ما نطق به الرسول وحث عليه ووجه إليه يمثل أهمية في حياة المسلمين، وليس هناك سنة تصلح للعصر وأخرى عفى عليها الزمن، فهذا اعتقاد باطل، وكلام جهلاء لا ينبغي أن يسير خلفه أي مسلم.

وقد تسابق العلماء في رصد السنن المهجورة في حياة المسلمين اليوم فعد بعضهم منها 50 سنة، وأكدوا أن إهمال هذه السنن وهجرها يحرم المسلمين من خيرها، حيث رسم لنا رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم طريق الحياة المستقيمة في مختلف أمور الحياة، وشرح للمسلم ما خفي عليه من تعاليم القرآن، وفصل ما أجمل من أحكامه، ولا يستطيع المسلم أن يعيش حياة مستقرة دون الاهتداء بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين.

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

المودة والرحمة أساس استقرار البيوت

د. علي عثمان شحاتة، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، يضم صوته لصوت د. معبد ويؤكد حاجة الأسرة الماسة إلى هدي رسول الله وتوجيهاته ووصاياه وكيفية تعامله مع المشكلات الزوجية، ويقول «النبي صلى الله عليه وسلم هو المعلم والقدوة، فكما كانت حياته العامة وسلوكه فيه هداية ونبراساً لأمته، كذلك كانت حياته الخاصة في بيته ومع أزواجه وبناته رضي الله عنهن، يجمع كل ذلك التوجيه الرباني في قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً».

ويضيف ليس بخاف على أحد الأهمية الكبيرة التي أولاها الإسلام لاستقرار الأسرة وهدوئها، وراحة وسعادة مكوناتها، لأنها في النهاية هي التي تمد المجتمع بأعظم مورد لقوة الأمم ورفعتها، وعمادها في حاضرها ومستقبلها، ألا وهم الأبناء والذرية، التي يصلح بصلاحهم الحاضر والمستقبل، وعليهم تعتمد الأمم، لذلك لفت القرآن الكريم انتباهنا إلى نعمة الزوجية ونعمة استقرارها، وإقامتها على المودة والرحمة، قال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً عملياً لتطبيق هذه المودة والرحمة في البيوت، فهو الذي وجه أصحابه إلى ذلك أيضاً بقوله: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». ولا شك أن كثيراً من أوجه القصور في العلاقة بين الزوجين والأبناء داخل البيوت أننا هجرنا أو تناسينا أو غفلنا عن رصد الكيفية التي كان يتعامل بها صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وبناته رضي الله عنهن».

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

البيت شراكة وتعاون بين الزوجين

ويوضح أستاذ الثقافة الإسلامية بالأزهر أن من أهم السنن التي هجرها كثير من الرجال الآن عدم معاونة الزوجة في الأعمال المنزلية ونظرة بعض الأزواج لها إلى أنها مجرد (خادمة) في المنزل، ويؤكد «على كل الرجال أن يتعلموا من رسول الله كيف كان يخدم نفسه بنفسه، وكيف كان يعاون زوجاته، فهذه هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وصفت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل بيته، فقالت: كان صلى الله عليه وسلم «يخصف نعله (أي يصلحها) ويرقع ثوبه (أي يسد ما به من ثقوب أو خلل)»، هكذا كان عليه الصلاة والسلام بكل بساطة ويسر، لم يجد صلى الله عليه وسلم غضاضة في أن يساعد أهل بيته بما يحسنه وما يستطيعه، ولم تكن هناك حساسية للتعامل بين الزوجين، لا كما يثيره البعض اليوم من حزازات حول من يساعد من، ومن يفعل ومن عليه فعل كذا وكذا، ولو عرف الجميع معنى الشراكة والتعاون وقبلهما التراحم والمودة والمحبة التي تغلف هذا البيت لما بدر من البعض هذا الحديث أو صدرت هذه المشكلات».

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

مواساة وتطييب خاطر الزوجة

ويشدد د. شحاتة على أن العلاقة الزوجية تستدعي المواساة وتطييب الخاطر، «هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيب خاطر السيدة صفية رضي الله عنها، حين بلغها أن حفصة قالت إنها: بنت يهودي. فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال لها: «ما يبكيك؟» فقالت: «قالت لي حفصة: إني بنت يهودي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت (أي زوجة) نبي، ففيم تفخر عليك؟..». فالمحبة والاحترام بين الزوجين يذيب كل مظاهر وأسباب الخلاف، ولا أدل على هذا الاحترام والمودة والمحبة المتبادلة من أنه صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يمتدح زوجاته، فكان -مثلاً- يقول عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد (المرق مع الخبز واللحم) على سائر الطعام».

لا قسوة.. ولا عنف

أيضاً من السنن النبوية التي تلاشت في حياتنا الزوجية التعامل مع الزوجة برفق ورحمة.. يشرح د. على عثمان «مع أن الحياة الزوجية لا تخلو من بعض الخلافات أو الاختلاف في وجهات النظر، مما يترتب عليه بعض المشكلات، إلا أنه لم يثبت أن ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط، وذلك بشهادة السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له قط».. ولذلك ينبغي الاقتداء بالرسول الكريم في اعتماد الحوار وسيلة لحل كل الخلافات والنزاعات بين الزوجين، فهو يمثل أهمية كبيرة داخل كل بيت، ومن أهم مكاسبه: تثبيت القلب وتهدئة النفس عند الاضطراب».

المناداة بأحب الأسماء

ومن مظاهر الحوار بين الزوجين- كما يقول د. شحاتة- المناداة بأحب الأسماء «فذلك مما يهيئ الجو للحوار ويزيد من فرص نجاحه. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينادي على عائشة بأسلوب الترخيم، الذي فيه ما فيه من معاني الحب والتلطف والمودة مما يعين على الانسجام بين الزوجين، قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً «يا عائش..........».. كذلك حفظ كل من الزوجين سر صاحبه: يقول صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها»، ولا يمكن أبداً أن ينجح حوار بين الزوجين إذا لم يأمن كل منهما على سره عند صاحبه، وهذا مبدأ إسلامي عظيم».

سنن نبوية مهجورة في بيت الزوجية.. والنتيجة مشاكل وأزمات

المرح داخل الأسرة ولا تصنع للجدية

ومن السنن النبوية المهجورة (إشاعة روح المرح داخل الأسرة وتصنع جدية لا لزوم لها)، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيع روح المرح والدعابة في بيوته، لأن هذا مما يقوي أواصر الروابط بين مكونات الأسرة، فيزيد من تماسك الأسرة وسعادتها، فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني، فقال: «هذه بتلك».

الإحسان إلى الزوجة.. من السنن النبوية

د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، تؤكد أن معظم بيوتنا في أمس الحاجة الآن إلى وصايا وتوجيهات رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه.. وتقول «وصايا الرسول تحيط بيت الزوجية بقدر كبير من المشاعر الإنسانية الفياضة، والرعاية الاجتماعية والاقتصادية الكاملة خاصة المرأة في بيت زوجها. فالزوجة- كما أوضح لنا ديننا وكما أرشدنا رسولنا صلوات الله وسلامه عليه- هي شريكة الرجل، ومصدر عفته، وسكنه النفسي، وحافظة أسراره، ومن تعينه على متاعب الحياة وهمومها.. ولذلك يجب أن يعاملها معاملة كريمة وأن يبر بها ويحسن إليها، ويعمل بوصية رسول الله بها.. وقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهن، ويضاحك نساءه. وكان صلوات الله وسلامه عليه إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلاً قبل أن ينام، يؤنسهن بذلك».