قصص ومآسي تثبت أن المغالاة في المهر ومؤخر الصداق تحدّ من استقرار الأسرة
كثيراً ما تغالي بعض العائلات في قيمة المهر ومؤخر الصداق ظناً منها أن ذلك يضمن استقرار الأسرة بعد الزواج، ولكن هناك قصصاً كثيرة تثبت عكس ذلك وتؤكد أن ارتفاع قيمة هذه الأشياء من الممكن أن تكون عائقاً أمام تكوين أسرة مستقرة، ومن ضمن الأمثلة ما حدث مؤخراً مع «يوتيوبر» عربي شهير انفصل عن زوجته بعد أسبوعين رغم أنه قدم مهراً كيلو جرام من الذهب ومؤخراً مليار يورو.
ترى هل يمكن أن تؤثر مثل تلك الحالات في تفكير بعض الشباب وتجعلهم يقبلون على تقليدها، أم هي حالات فردية لا ترقى لأن تتحول إلى ظاهرة تعيق الاستقرار الأسري المنشود؟
آراء مضللة ومعتقدات خطأ
أميرة محمد، ربة منزل، تقول «تؤدي مثل تلك الأخبار حول المغالاة في المهور إلى إرباك البعض ظناً منهم أن ذلك هو ما يضمن بقاء الحياة الزوجية، وأتذكر أنني سمعت ذات يوم والدة صديقتي وهي تنصحنا بأنه لابد وأن يدفع العريس كل ما يمتلكه للفوز بالزواج من ابنتها، وعندما استفسرت منها عن السبب أخبرتني أنه سيفكر ألف مرة قبل أن يهدم بيته بنفسه، والحقيقة أن انتشار أخبار المشاهير المتعلقة بهذا الأمر يرسخ في الأذهان لصحة ما يعتقدونه متغافلين عن باقي الخبر وهو وقوع الطلاق».
ليس كل ما تراه على «السوشيال ميديا» حقيقة
وتضيف موزة سعيد، ربة منزل، «أتابع أخبار المشاهير بشغف فمنهم من يقدم محتوى يستحق المتابعة ومنهم من يهدف من وراء ما يبثه من أخبار للحصول على «لايك» و«شير»، ودائماً ما أحاول أن أمرر من خلال هؤلاء رسائل لأبنائي كي يستوعبوا الحياة على حقيقتها، وأتذكر عندما تابعت «بلوجر» أهدى خطيبته سيارة فارهة علقت ابنتي الكبرى (20 عاماً) عن أمنيتها في أن تجد من يشبه هذا الشاب وما هي إلا أشهر قليلة ووجدنا هذا الثنائي الحالم ينفصل دون مقدمات، لتعلق ابنتي مستغربة: كيف يتحول الحب الذي كنا نراه عبر ما يبثوه من مقاطع فيديو إلى كره ونفور؟ لأخبرها أن ما يسير وراء الكاميرا ولا يسلط الضوء عليه هو الحقيقة المخفية عن عيون المتابعين».
قواعد السنة الأولى من الزواج
يبين أحمد ياسين، موظف، «لدي 3 بنات تزوجن جميعهن بمهر معقول ولم أحدد قيمته وتركت المسألة في يد الخطيب كونه أقدر الناس بوضعه وإمكاناته، ولكني في الحقيقة تمسكت بمؤخر صداق مرتفع نسبياً حتى أجنب بناتي الانفصال الطائش الذي يأتي دون دراسة وتعقل، ففي أحيان كثيرة تكون السنة الأولى في الزواج غير ما يتوقع الزوجان وقد يكثر الخلاف بينهما وهناك من يستسهل الحلول وإنهاء العلاقة دون تردد، وفي تلك اللحظة قد يوقف الزوج مسألة مؤخر الصداق فيتمهل في قراره ويعيد حساباته مرة أخرى، فما هي إلا حيلة لتثبيت أركان الزوج ليس أكثر».
لا تعتمدوا على مواقع التواصل في أمور الزواج
الدكتورة لميس أبوحليقة، مدربة دولية معتمدة في مجال الكوتشنج، تقول الزواج من أقوى الروابط التي أوجدها الله تعالى بين البشر، وبنجاح تكوين الأسرة وتماسك بنائها يصح ما بعده، ولذلك لابد وأن يعي المقدمون على الزواج من الشباب والشابات لقيمة هذا الكيان ويحددون أهدافهم منه، فالإقدام عليه خطوة يتبعها مسؤولية وحقوق وواجبات، وأن يستمدوا معلوماتهم من المختصين في أمور العلاقات الزوجية وليس من مواقع التواصل الاجتماعي وما يحدث فيها من لغط لكثير من قواعد الحياة الثابتة».
أرست مواقع التواصل في نفوس الشباب أركان المقارنة والتقليد الأعمى
وتضيف الدكتورة لميس أبو حليقة «الارتباط الناجح هو ما يبنى على المرونة والتضحية وعدم الوقوف أمام الصغائر، وللأسف أدى كثير من متغيرات الحياة إلى تثبيت أركان المقارنات والتقليد، دعم ذلك وبشدة وسائل التواصل الحديثة وما تمتلكه من سرعة انتشار، فبات الخبر ينتشر بسرعة الصاروخ أي في ثوان معدودة، ليقتنع بعض الشباب أن ما يروج له المؤثرون، كما يطلقون على أنفسهم، من أفكار ومعتقدات أنه هو الجدير باتباعه واتخاذ أفكارهم نهج حياة. وبالحديث عن المهر ومؤخر الصداق موضوع النقاش فأرى أن المبالغة فيها غير صحيحة، والمقارنة أسوأ شيء ممكن أن يقع فيه الشاب أو الفتاة، فلا يجوز الانسياق وراء هؤلاء وما يبثونه فهم يظهرون بعض الحقائق ويخفون أموراً أخرى بغرض التجمل ونيل إعجاب المتابعين وعلينا أن نتصدى لهذا الفكر المدمر، الذي طال أبناءنا ورسخ بداخلهم معتقدات مغلوطة عن الزواج وديمومته».
ما رأي ديننا الحنيف في المغالاة بالمهر والمؤخر؟
أما حصة خلفان بن حضيبة، كبير مفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، فتستعرض وجهة نظر الشرع، قائلة «الاعتدال والتيسير أساس ديننا الحنيف، والتباهي بالمهر والمغالاة الفاحشة فيه ليس من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولا من سيرة قدواتنا زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان مهر إحداهن 500 درهم من الفضة، وهن الطاهرات المتطهرات، ولو كانت زيادة المهر فيه رفعة للمرأة لكن هن أولى به، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال:«سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشاً، قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمئة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه».
أعطى الإسلام للمرأة حقها في المهر والنفقة ولكن دون بذخ
وتضيف حصة بن حضيبة «نرى بعض الآباء يهضم حق ابنته وكأن المهر حق له، فيزوجها بريال أو درهم، مدعياً أنه يريد الرجل لابنته، وهذا فيه تقليل من شأنها، كما قال أحد السلف: لو لم يعطها مهرها لهانت عليه. كقصة الرجل الذي زوج ابنته بريال واحد فأصبح الزوج يعيرها أن قيمتها زجاجة مشروب غازي، والله سبحانه وتعالى أعلم بنفوس البشر لما ألزم الرجل بدفع المهر، فأعطى المرأة حقها في المهر والنفقة لكن دون بذخ، قال تعالى: «لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً»، أما ما ينتشر في الشبكة العنكبوتية مما فيه هدم للبيوت الآمنة من مقاطع أو كاريكاتور يصورون فيه كل معاني الهدم من مباهاة في الأعراس والبذخ فيها والمشاجرات بين الأزواج واستهزاء الرجل بشريكة حياته، فذلك ينعكس أثره على النفوس بشكل سلبي».
كيف يمكن التصدي للمبالغات عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
تكمل حصة بن حضيبة «يهتم المجتمع الإماراتي بمبدأ «مهر المثل»، بمعنى أن يكون مهر البنت قريب من مهر أخواتها يزيد قليلاً أو يقل، أما ما نسمع عنه أو نراه من مبالغات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيجب عدم اتخاذه نموذجاً ناجحاً لأن ما خفي كان أعظم، وللتصدي لهذه الإشكالية لابد من:
- مواجهة العادات السيئة بتصحيحها من خلال نصح الأزواج.
- قيام الوعاظ والعلماء بدورهم في توجيه الشباب والفتيات لقيمة الأسرة والبيت.
- تنظيم ورش عمل للطلبة والطالبات في المدارس للتعريف بأحكام الزواج قبل الدخول في هذا الميثاق الغليظ ومعرفة الحقوق والواجبات الزوجية.
- تصدي وسائل الإعلام المختلفة لما يبث من أفكار لا تساعد على استقرار الأسرة، وكشف أن ما يروج له البعض من المغالاة في المهور إنما هو لأسباب خاصة بهم».