لسنوات طويلة كانا يوصفان بالثنائي الأكثر ثراء في العالم، إلى أن سطع نجم الزوجين بيزوس، مالكي شركة «أمازون»، اللذين احتلا صدارة القائمة في عام 2018. وها هو بيل جيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، وزوجته مليندا يعلنان انفصالهما بعد علاقة دامت ثلاثين سنة وأثمرت ولدا وابنتين في سن الشباب.
أي شرخ تسلل إلى جدار جرى تشييده بمئات المليارات من الدولارات؟
بدأت الحكاية أوائل ثمانينات القرن الماضي، مع ظهور أولى بوادر التقنيات الجديدة للحواسيب وأنظمة المعلوماتية. فقد كانت مليندا فرينتش في ربيعها الثالث والعشرين حين انتسبت إلى قسم التسويق في شركة «مايكروسوفت». أما بيل فكان أكبر منها بتسع سنوات. إنه أحد مؤسسي الشركة العابرة للقارات وأحد العباقرة في ميدان الاتصالات الرقمية. وهما قد تعارفا في أحد الصالونات المتعلقة بالعمل في نيويورك لكن التقارب الأول بينهما جرى في موقف السيارات الخاص بالشركة. كان قد استلطفها وكانت تشعر باهتمامها به. ولعلها توقعت منه شيئا من الغزل الروانسي لكنه فتح مفكرته واقترح عليها أن يلتقيا في أول موعد شاغر في برنامج مواعيده.
كان ذلك الموعد بعد أسبوعين. لكن الشابة القادمة من تكساس لم يعجبها ذلك النمط البارد والعملي في التعامل، فاعتذرت منه بلطف لافتقاره إلى العفوية ورفضت لقاءه على انفراد. ولم تكد تمر ساعتان حتى كان هاتفها يرن وصوت بيل يدعونها للقاء في المساء نفسه. قال لها: «هل تكفيك هذه التلقائية؟». ومن تلك اللحظة بدأت قصة حبها مع الرجل الذي ستتزوجه وتنجب منه ثلاثة أبناء وتدعمه في نشاطه المهني وستسير معه فوق أرض مفروشة بمليارات الدولارات. وفي فيلم بعنوان «داخل عقل بيل جيتس» جرى بثه على منصة «نيتفليكس» في عام 2019، قال جيتس: «كان لمليندا عدة أصدقاء وكنت لا أعرف سوى مايكروسوفت».
يوم الزفاف
في بداية تعارفهما، لم يتصورا أن الأمور ستتطور بينهما بشكل جدي. إن العبقري يزن قراراته المالية والعملية بميزان الذهب. فهل يستطيع التعامل مع عواطفه بالسيطرة نفسها؟ لقد تناول ورقة ورسم في وسطها خطا طوليا وسجل في جانب منها ما هو إيجابي في هذه العلاقة وكتب في الجانب الآخر ما هو سلبي، برأيه. ويبدو أن الكفة مالت لصالح الإيجابيات. وهكذا طلب بيل مليندا للزواج وجرى العرس في إحدى جزر هاواي في اليوم الأخير من عام 1994. وكانت العروس ترتدي فستانا أبيض بياقة من الطراز المسمى باردو، نسبة إلى ما اشتهرت به الممثلة الفرنسية بريجيت باردو. أما العريس فكانت عيناه تبتسمان من وراء زجاج «عويناته»، وارتدى بدلة «سموكينج» بيضاء. وما زال المدعوون يتذكرون أنه قام بقص كعكة العرس إلى قطع متساوية تماما بخبرة عاشق للرياضيات بينما وقفت العروس مشدوهة وهي تتفرج على ما كان عريسها يقوم به.
حياة عائلية بعيدة عن الإعلام
بعد سنتين ولدت جنيفر، الطفلة البكر للزوجين. وقد غادرت مليندا موقعها كمديرة عامة لإنتاج الوسائط المتعددة في الشركة، لكي تتفرغ لابنتها. ثم جاء الولد روري في عام 1999 والبنت الثانية فيبي في عام 2002. ومنذ ذلك الحين لم يعد يتسرب الكثير حول الحياة العائلية للثنائي الثري. لقد عمل الوالدان كل ما في وسعهما لحماية أبنائهم الثلاثة وإبعادهم عن مطاردة وضغوط وسائل الإعلام. وللتمويه على الصحافيين حمل الأبناء لقب عائلة والدتهما «فرينتش» عند تسجيلهم في المدارس. ورغم نشأتهم في منزل يتمتع بكل تجهيزات الاتصالات فقد منع جيتس أيا من أبنائه من الحصول على هاتف نقال قبل بلوغ سن الرابعة عشرة.
منزل العائلة على ضفاف بحيرة واشنطن
ترعرع الأبناء بمنأى عن الحساد في المنزل العائلي. وكان المنزل أشبه بمدينة صغيرة مشيدة على ضفة بحيرة واشنطن، بمواجهة مدينة سياتل حيث يقع مقر الشركة. وقد أطلق جيتس على منزله اسم «زانادو» نسبة إلى بيت بطل فيلم «المواطن كين» للممثل والمخرج العملاق أورسون ويلز. واشتهر المنزل الذي يشغل مساحة 4500 متر بأنه يضم أحدث منتجات التقنيات الرقمية. وفيه 6 مطابخ و24 حماما وملعبين لكرة المضرب. وقد كانت مليندا هي ربة المنزل المسيطرة على المكان، وفيه ملأت رأس زوجها بقضايا العدالة ونصرة النساء والمساواة بين الجنسين، بعيدا عن الجو العملي الرهيب للشركة. وهناك من يتصور أن بيل غارق حتى رأسه بقضايا الإدارة. لكن زوجته أكدت في مقابلة معها بأنهما متساويان في كل شيء، حتى في المهارات الإدارية والحسابية، بل إنها غلبته في حل مشكلة رياضية ذات يوم. وجاء ذلك التصريح بمناسبة صدور كتابها «الطيران منفردة».
ومن منطلق المساواة، كان على ثالث أغنى رجل في العالم، بعد إلون ماسك وجيف بيزوس، أن يقوم بنصيبه من أعمال المنزل وشؤون الأسرة. ولما دخلت البنت البكر إلى المدرسة كان على أبيها أن يصطحبها إلى هناك ويقود سيارته لمدة ساعتين ذهابا وإيابا مرتين في الأسبوع، بالتقاسم مع الأم. وتعتقد مليندا أن ما قام به بيل ساهم في تغيير الوضع لدى العائلات الصديقة. وكانت أمهات التلاميذ يشاهدن بيل يأخذ أطفاله إلى باب المدرسة فيرجعن إلى بيوتهن ويطالبن أزواجهن بالاقتداء به: «إذا كان هذا الملياردير يفعلها فأنت أيضا تستطيع إيصال الصغار إلى المدارس».
في هذه الأثناء، لم يتشاجر أطفال مليندا وبيل الثلاثة بشأن ميراث والديهم. لقد حرمهم الأب منها لفترة طويلة. قال بيل جيتس على منصة Reddit في عام 2015: «لا أعتقد أنك تقدم معروفا لشخص ما من خلال منحه ميراثا من المليارات. وليس من الجيد أن تكبر دون الحاجة إلى العمل». لذلك درست جنيفر، البنت الكبرى البالغة من العمر 25 عاما، علم الأحياء في جامعة ستانفورد، قبل متابعة الدراسات الطبية في مدرسة «إيكان» في مستشفى «ماونت سيناي» في نيويورك. وبين المرحلتين، أخذت إجازة لمدة عام لتكرس نفسها لشغفها بالفروسية، ومارست هواية ركوب الخيل مع أقرب صديقاتها اللواتي يشبهنها باعتبارهن من بنات الأثرياء والمشاهير، مثل ديستري ابنة المخرج ستيفن سبيلبرج، وجيسيكا ابنة بروس سبرينجستين، أو حتى حواء ابنة الراحل ستيف جوبز. وقبل عام من إعلان طلاق والديها، أعلنت جنيفر جيتس خطوبتها على الفارس المصري نائل نصار، البالغ من العمر 30 عاما. ولا أحد يعرف الكثير عن ولدي بيل جيتس الآخرين، روري وفيبي. وهما يبلغان من العمر 21 و18 عاما. وباستثناء صورهما القليلة التي نشرتها مليندا على حسابها في «إنستجرام» فإن المعلومات لا تزيد على كون فيبي من أنصار النسوية.
متحدان في الخير
في عام 2000، أطلق الزوجان مؤسسة تحمل اسميهما بهدف توفير الرعاية الصحية والتعليم للمحتاجين، والحد من الفقر المدقع في العالم. وحتى في بيان الطلاق، أكد الزوجان أنهما سيظلان متحدين على رأس المؤسسة الخيرية. وفي عام 2005 لدى اختيار مجلة «تايم» لهما كأفضل شخصيات العالم، قال الزوجان للصحافة: «نعلم أننا كنا محظوظين للغاية من الناحية المهنية، ونريد أن نعطي بدورنا وبأفضل طريقة ممكنة شيئا مما حظينا به، ولأكبر عدد من الأشخاص».
مع إعلان الانفصال المفاجئ، يتنبأ بعض المراقبين بتألق مليندا كنجمة كبيرة في فضاء العمل الخيري على مدى العقود المقبلة. وهذا يذكرنا بماكنزي سكوت الزوجة السابقة لمالك شركة «أمازون» جيف بيزوس. فهي قد أصبحت، بعد طلاقها منه في عام 2019، واحدة من أغنى النساء في العالم وأكثرهن سخاء في التبرعات ببعض ملياراتها. وكان جيتس قد أطلق مع صديقه وارن بافيت برنامج The Giving Pledge. وهو البرنامج الذي يتعهد فيه كل واحد من الأعضاء بالغي الثراء بالتبرع بنصف ثروته للأعمال الخيرية، خلال حياته وليس بعد مماته. فهل تكون مليندا جيتس واحدة من هؤلاء وتمنح جانبا من الثروة التي ستنالها بحكم الطلاق، إلى مؤسستها الخيرية؟
لماذا إذن تطلق الزوجان بعد 30 عاما من الحب والتعاون؟
السؤال الذي شغل العالم: لماذا تطلق الزوجان بعد 30 عاما من الحب والتعاون؟ من المؤكد أن مليندا ليست مهتمة برجل غير زوجها. فهل يكون بيل قد خانها؟ الحقيقة أن لا وقت لديه للخيانة لكنها امتعضت كثيرا ولم تحتمل الشبهات التي أشارت إلى وجود روابط بين زوجها وجيفري إبستين، المتحرش الشهير ومغتصب النساء الذي انتحر في السجن. ومنذ اندلاع فضيحة أبستين قبل 3 سنوات، باشرت زوجة جيتس الاجتماع مع محامين متخصصين في الطلاق، وتم كل شيء بسرية ولم يعلن عنه إلا بعد الاتفاق على كل الأمور. إن تقاسم ثروة وأملاك بهذا الحجم يتطلب جيشا من أبرع المحامين وأغلاهم. والمثل يقول: مصائب قوم عند قوم فوائد.