24 يونيو 2021

إنعام كجه جي تكتب: خبز ضد العنف

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.

إنعام كجه جي تكتب: خبز ضد العنف

حين ذهبت مارتين لشراء رغيف الخبز الفرنسي من خباز الحي، كعادتها كل صباح، لاحظت أن الخبازة وضعت لها الرغيف في كيس لا يشبه الأكياس الورقية السمراء التي تستخدم لدى الباعة في عموم فرنسا. كانت هناك كتابات مطبوعة عليه، تشرح للنساء معاني العنف الزوجي وأنواعه.

«هل يفتش في رسائلك الهاتفية؟ هل يمنعك من الخروج؟ هل يراقب ثيابك؟ هل ينعتك بالمجنونة حين تلومينه على تصرف من تصرفاته؟ هل يسخر منك أمام الآخرين؟ هل يمد يده إلى مواضع منك رغماً عنك وبدون رضاك؟ هل يهددك بأنه سيكسر رأسك ذات يوم؟».

قائمة طويلة من الأفعال والتصرفات التي تستطيع الزوجة وضع علامة بالقلم على ما يخصها منها. إن كثرة العلامات دليل على أن هناك أشياء غير صحيحة في العلاقة مع الزوج.

طبعت خبازات مدينة كومبيين، إلى الشمال من باريس، ثلاثين ألف كيس تحمل تلك القائمة. صار كيس الخبز بمثابة الترمومتر الذي تقيس به المرأة درجة علاقتها بالرجل.

إن سوء المعاملة ظاهرة تنتشر في البلاد وهي تبدأ بالشتائم، أي العنف اللفظي، وتتطور إلى الضرب المبرح، وكثيراً ما تنتهي بالقتل. وقد نشرنا في هذه المجلة تحقيقات كثيرة حول مئات الفرنسيات اللواتي يفقدن حياتهن، كل عام، بلكمة من شريك الحياة أو بطعنة من سكينه أو طلقة من بندقيته.

لا يكفي أن تعرف الزوجة أنها ضحية سوء المعاملة، بل تسعى الجمعيات النسائية إلى تحرير الزوجات من الخوف وتشجيعهن على رفض العنف والإبلاغ عمن يرتكبه. فالحياة الزوجية مودّة ورحمة، وليس من الطبيعي أن تكون زجراً يومياً، وإهانات مستمرة، وصفعات تنزل على الشريكة بشكل أعمى.

في مدينة كومبيين وحدها تلقت الشرطة، خلال العام الماضي، 145 شكوى من حالات عنف زوجي. هذا مع العلم أنها مدينة صغيرة يقطنها 40 ألف شخص. والزوجة قد تحتمي بأهلها، أو قد تتجرأ وتلجأ إلى مركز الشرطة، لكنها لا تفعل هذا في الغالب، بل يصل البلاغ من الطبيب أو من المستشفى الذي يعالج حالات جروح وكسور متعددة ومتتالية تقع على مريضة واحدة.

لكن الضرب العنيف ومحاولات الخنق والركلات في البطن ليست وحدها ما يستحق الشكوى. هناك كلمات أشد إيذاء من اللطمات. وغالباً ما تعاني الزوجات سخرية أزواجهن، والتقليل من قدرهن أمام الأبناء والأهل، وتسفيه آرائهن، ووصفهن بالبقرات السمينات وغير ذلك من صفات مهينة. وما يحدث في فرنسا نجد مثله في إسبانيا، وأمريكا، والعالم كله. وهناك دول تنشر الحقائق وأرقام الضحايا ودول تتغاضى وتتستر.

إن ما يجري في العالم اليوم من انتفاضات للمقموعين هي ثورات اجتماعية قبل أن تكون سياسية. والعنصرية لا تقتصر على احتقار الرجل الأبيض للرجل الأسود بل تشمل الاستهانة بالنساء واستغلالهن واعتبارهن بضاعة يقتنيها الزوج مثلما يشتري سيارة أو ساعة. لا أنسى تنهيدة جارتي وهي تصارحني بالهموم التي تطوي عليها قلبها. قالت بالحرف الواحد «ليته يعتني بي بنصف ما يعتني بسيارته».

 

مقالات ذات صلة