25 أكتوبر 2021

صاحبة مصنع فرنسية دفعت 70 ألف يورو لقتل عامل عربي

كاتبة صحافية

كاتبة صحافية

صاحبة مصنع فرنسية دفعت 70 ألف يورو لقتل عامل عربي

في غضون أيام قلائل انقلب حلم الرفاهية الذي راود هذه الأسرة العربية المقيمة في فرنسا إلى كابوس من القلق والفزع. فقد قبضت الشرطة الفرنسية على صحفي متورط بإدارة شبكة للقتلة المأجورين، كان من بين أهدافها اغتيال عامل في مصنع للمواد البلاستيكية بتحريض من مديرته الفرنسية التي دفعت للقاتل 70 ألف يورو مسبقاً.

الزوجة ما زالت تخشى الانتقام

كيف يمكن لربة أسرة أن ترى جدران بيتها تتزعزع بين ليلة وضحاها؟ هذه هي حال فتحية، زوجة حسن، العامل الذي كان مقدراً له أن يموت غرقاً في النهر حسب مخطط رسمته مديرته في العمل. وإذا كانت الجريمة قد تعرقلت في الساعات الأخيرة فإن فتحية وزوجها وابنهما الوحيد كريم لم يستعيدوا شعورهم بالأمن لأن هناك من لا يزال طليقاً من المشاركين في التخطيط للجريمة.

لابد من التوضيح، في البداية، من أن الأسماء المنشورة هنا لأفراد العائلة هي أسماء مستعارة. إن الزوجة ما زالت تخشى الانتقام. وسبب الخوف أن شبكة القتلة تضم ضباطاً سابقين في الأجهزة الفرنسية الخاصة عدا عن أعضاء في الحركة الماسونية. وإذا كانت المتهمة الرئيسة قيد الاعتقال، حالياً، فإن المحققين قد أطلقوا سراح زوجها الذي هو شريكها في إدارة المصنع الذي يعمل فيه حسن بمنتهى الهمة والأمانة. وها هو حسن يخرج عن صمته للمرة الأولى منذ تسرب القضية إلى وسائل الإعلام. وها هي زوجته فتحية تحكي عن تحطم حلمها بحياة آمنة ومستقبل زاهر لولدها كريم.

صاحبة مصنع فرنسية دفعت 70 ألف يورو لقتل عامل عربي
مدينة عمالية هادئة وجميلة

تصور حسن أن الشرطة استدعته بسبب مخالفة مرورية

بدأ كل شيء حين طرق أحد المحررين باب الأسرة وتحدث للزوج عن قائمة للاغتيالات ورد اسمه فيها. وللوهلة الأولى تصور حسن أن في الأمر اشتباهاً أو هو مجرد مزحة. ولما انفرد بزوجته لم يجد أن من المناسب التوقف عند الموضوع. وقد استعرضت فتحية تفاصيل علاقاتهما مع الجيران والمعارف ولم تجد من يمكن أن يعادي زوجها إلى الحد الذي يتمنى فيه موته. لكن حسن ذهب إلى عمله، في الثامنة والنصف من صباح الرابع من أيار الماضي ووجد أفراداً من الشرطة في انتظاره، يطلبون منه مرافقتهم إلى المركز. وقد تصور العامل المسكين أن الأمر يتعلق بمخالفة مرورية أو التأخر في تسديد فاتورة من الفواتير العادية، لكنه عندما وصل إلى مركز الشرطة أدرك أن الأمر أخطر من ذلك بكثير. لقد وجد نفسه أمام ضابطين من وحدة مكافحة الجريمة جاءا خصيصاً من باريس. عندها أدرك أن الأمر لا يتعلق بحماقة عابرة ارتكبها أو بغرامة مرورية تأخر في تسديدها.

فالضباط لا يتنقلون من العاصمة إلى منطقة جبلية نائية شرق البلاد من أجل حماقة عادية.

لماذا أرادت المديرة تصفيته؟

يبلغ حسن الخمسين من العمر، وهو يعمل في مصنع للمواد البلاستيكية في مقاطعة «لين»، وسط شرقي البلاد، وهي منطقة جبلية يخترقها نهر يحمل الاسم نفسه. وبفضل خبرته في المهنة وحب زملائه له فإنه فاز بعضوية النقابة العامة للعمل، وهي أقوى نقابات العمال في فرنسا. وإلى جانب سمعته الطيبة بين زملائه فإنه كان يظن أن صاحبة المصنع، مدام مورييل، وزوجها جيرالد يحبانه ويعتمدان عليه. وقد روى لزوجته فتحية كيف أنه كان يجتهد في واجباته اليومية لكي يساعد المديرة ويعزز موقع المصنع الذي كان يمرّ بضائقة مالية. ولكن لماذا أرادت المديرة تصفيته؟

عاد حسن من مركز الشرطة وهو مصاب بالرعب. حكى لفتحية عن المعلومات التي كشفها التحقيق مع العصابة التي كانت مكلفة بقتله. وانتقل الرعب إلى الزوجة حالما سمعت تلك التفاصيل. فالمجرم لم يكتف بمراقبة زوجها وتتبع مساراته وتصوير سيارته وضبط أوقات خروجه من البيت وعودته إليه، بل كان يراقب الأسرة كلها ويعرف تحركات فتحية ويقوم بتصويرها في نزهاتها العائلية وفي الأماكن التي اعتادت أن ترتادها مع زوجها في عطلة نهاية الأسبوع.

وكان السؤال الذي ما انفك الزوجان يطرحانه هو: لماذا؟ وحتى عندما قرر حسن أن يستجيب لطلب أحد المحررين ويتحدث عن الكابوس الذي يعيشه فإنه كان خائفاً وقام بتغيير مكان اللقاء وموعده أكثر من مرة. إنه لا يخاف من مدام مورييل بل من أولئك المنتسبين السابقين لجهاز أمن الدولة ممن ثبت ضلوعهم في حماية العصابة والتستر عليها.

يقع المصنع في منطقة صناعية تضم قرابة 600 مصنع صغير من النوع ذاته، ولهذا يطلق عليها تسمية «وادي البلاستيك»، على غرار «وادي السليكون» الأميركي المتخصص في الصناعات الإلكترونية. إن العمال بالآلاف، فلماذا أرادوا قتل حسن بالذات؟ إنه يخشى، حالياً، أن يعود إلى الدائرة الصناعية لأنه لا يريد أن يلتقي بأي من زملائه السابقين. فالمنطقة صغيرة نسبياً وهو يشعر بأن الأنظار تتجه إليه وأن العمال يشيرون له بأصابعهم يتقولون عليه ويخترعون الحكايات. لقد ورد اسمه في القضية بالصدفة، حين كانت أجهزة التحقيق تتتبع عصابة من الموظفين الفاسدين والمجرمين المحترفين ووضعت اليد على قائمة بأسماء يراد التخلص منها. وتبعاً لذلك، تم استدعاؤه لسماع أقواله. فما الذي يجعل من عامل مهاجر بسيط هدفاً للقتل؟

صاحبة مصنع فرنسية دفعت 70 ألف يورو لقتل عامل عربي

عداء غير مفهوم

كان الجواب يشبه سيناريو فيلم من الأفلام البوليسية. لم تصدق فتحية أن مديرة المصنع دفعت للعصابة 70 ألف يورو للتخلص من زوجها. وقد تم إلقاء القبض على المديرة وزوجها بتهمة الاشتراك في جريمة قتل وأعمال خارجة على القانون. وكانت الخطة تقضي بأن يقوم عنصر سابق في الأمن الوطني بقتل حسن ثم إلقاء جثته في النهر القريب.

كما سبق للعصابة التورط بقتل سائق من أبطال سباق السيارات وحاولت اغتيال مدرب رياضي آخر. وهكذا وجدت الأسرة الهادئة نفسها في خضم عمليات تقشعر لها الأبدان. وكان الزوجان يسألان المحققين بكل براءة «هل تقتل العصابة رجلاً بدون سبب؟». ولأن السؤال يبدو معلقاً، وبدون جواب منطقي، فإن فتحية ما زالت تعيش في خوف مستمر على زوجها. لقد احتفظت العصابة بمعلومات تفصيلية عن الأسرة، وهم يعرفون عنها وعن عملها كل شيء، وهي تقول إن المجرم لم يصب حسن في جسمه لكنه أصابه في روحه، بل أصاب الأسرة كلها وألزمها البيت وحبسها في دائرة الخوف.

منذ بدء القضية وحسن لا يغادر بيته ولا يستطيع نسيان الخطة التي كانت مدبرة له لقتله ورمي جثته في النهر. تراه فتحية يسهر طيلة الليل يتقلب في سريره ولا يغمض له جفن، وفي النهار يقفز لدى سماعه أي حركة في الخارج، ويدور في مرأب السيارة ولا يتجاوز العتبة بدون أن يحمل ساطوراً معه. إن الساطور الذي يقطعون به اللحمة هو سلاحه الوحيد المتاح. كما أنها لم تطمئن لمجرد علمها بأن مدام مورييل وزوجها يقبعان وراء القضبان، إن من أفراد العصابة من لا زال طليقاً.

وقد أفرجت الشرطة عن زوج صاحبة المصنع، أي عن الرجل الذي كان طرفاً في التحريض على قتل زوجها. وهي لا تستطيع أن تفهم سبب عداء المديرة لحسن، وتعتبر تصرفها يتجاوز الحقد لأنه خيانة للجهود التي كان يبذلها العامل العربي لدفع العمل في المصنع. كما أن حسن كان دائم الدفاع عن صاحبة المصنع أمام العمال ويتلقى غضبهم بالنيابة عنها، وتقول «كان زوجي يذهب كل يوم إلى المصنع ويقف مع المديرة بكل قوته لأنه يشعر بأنها تحتاجه في وقت صعب. فقد كانت هناك مشكلات تعرقل العمل. وزاد منها توقف نشاطات كثيرة بسبب «كورونا».

هل استهدفوا حسن لأسباب عنصرية؟

لكن ثقة حسن بمديرته كانت في غير محلها. فقد كشفت التحقيقات عن علاقة ربطت مدام مورييل بصحفي يدعى فريديريك، ترك المهنة وتحول إلى سمسار للراغبين بالحصول على خدمات قاتل مأجور، وقد اعترفت أثناء التحقيق معها بأن حسن أثار مخاوفها بسبب نشاطه النقابي وأن رئيس العصابة فريدريك ضغط عليها لكي توافق على تصفيته. وهو يرد بأنه لم يسع للنقابة بل كان هناك زملاء اتصلوا به وطلبوا منه فتح فرع للنقابة في المصنع الذي يعمل فيه، ولم يفكر إطلاقاً بخلق المشكلات للمصنع الذي يأكل منه لقمة عيشه. كما لم يحدث أن تظاهر العمال أو اعتصموا في المشغل أو عرقلوا سير العمل.

وفي الحقيقة فإن العمال ينتمون للنقابات في فرنسا لكي تحميهم من الطرد أو الاستغناء عن خدماتهم. لكن من الواضح أن فريدريك ورفاقه استهدفوا حسن لأسباب عنصرية. ومن المعروف أن العنصرية موجودة في أوساط العديد من وحدات الشرطة. فكر حسن أكثر من مرة بأن يغادر مقاطعة «لين» وأن يبحث عن عمل جديد لكي يحمي عائلته. ولكن أين يذهب؟ ولمن يترك زوجته وابنه؟ تقول فتحية إن زوجها لا يتوقف عن تشغيل فيلم الرعب الخاص به في مخيلته وإعادته مرة بعد مرة. لذلك فإنه في حاجة لعلاج نفسي ولأن ينتهي التحقيق لكي يفهم ويستفيق من الكابوس.

 

مقالات ذات صلة