28 فبراير 2022

إنعام كجه جي تكتب: من تصادق الأميرة؟

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: من تصادق الأميرة؟
الأميرة شارلوت

بحكم المهنة، تابعت خلال حياتي الصحفية حكايات كل فئات البشر. من كناسي الشوارع وحتى الملوك. لكن أصحاب الصحف كانوا يميلون، والقراء أيضاً، إلى أخبار الأميرات.

ولا يهم ما نوع الخبر. كل شيء قابل لإثارة الاهتمام، لاسيما فضول القارئات. وطبعاً فإن ليس في حياة الأميرات ما يصنع أحداثاً كبرى.

إنهن مستبعدات عن السياسة وقضايا الحكم، لا دخل لهن بالنزاعات والسلاح النووي والحرب الباردة التي ما زالت تسخن كل يوم.

ما نوع أناقتهن ومجوهراتهن. كيف يحفلن بأعياد ميلادهن؟ وأسرار القلب؟ ما جديد قصص الحب والزواج؟

وهنا لابد من فتح قوس للقول إن بعض البلدان شحيحة في أميراتها وأخبارهن. ومثلها أمريكا وكندا وأستراليا والهند والصين، وهي دول شاسعة بدون أميرات.

لذلك فإن السيل الجارف يأتي من أوروبا، القارة العجوز التي تحتفي بعائلاتها المالكة وتلاحق أخبار أفرادها حتى ولو نزعت عن رؤوسهم التيجان. إن أخبار الأميرات مثل معامل تفريخ الدواجن. صناعة مجزية تدور توربيناتها ليل نهار وبدون توقف.

وما إن تكبر أميرة وتذبل ملامحها حتى يستنبط لنا سحرة الميديا أميرة جديدة صغيرة ذات وجه نضر. رحلت جريس أميرة موناكو وانشغل القوم بابنتها كارولين. وكبرت كارولين فتلقفت المجلات ابنتها شارلوت.

غابت ديانا سبنسر فاحتلت الأغلفة كيت ميدلتون. وها هي كيت تقدم للعالم آخر العنقود في سلسلة أميرات أوروبا الشهيرات... ابنتها شارلوت. طفلة تطاردها الكاميرات رغم أن عمرها لا يزيد على الست سنوات. ذلك لأن ماكينة الأخبار تحتاج باستمرار إلى أخبار طازجة.

فالأميرة شارلوت هي ابنة الأمير وليام، نجل ولي العهد البريطاني وحفيد الملكة إليزابيث. كما أنها تحمل، على صغر سنها، لقب دوقة كامبريج، وهو لقب يبدو لي أثقل من كتفيها الرقيقتين. لكن ما هو أصعب حرمانها من أن ترتبط بصداقة وطيدة مع رفيقة من رفيقات المدرسة لكيلا تشعر باقي الرفيقات بالغيرة.

هذا ما سمعناه من الصحفية جين مور في برنامجها التلفزيوني الشهير «لوز وومن» قبل أيام.

قبل ثلاث سنوات، دخلت الأميرة شارلوت مدرسة توماس باترسي في لندن. وبما أنها لطيفة وذات طبع اجتماعي فقد وجدت مكاناً في قلوب بقية التلميذات. لكن معلمات المدرسة لا يشجعن الأطفال على الصداقات الثنائية، أي أن فكرة «صديقتي الأقرب» غير مستساغة. إن على كل واحدة أن تكون صديقة للكل، لكيلا تشعر أي تلميذة بأنها مستبعدة، أو خارج الحلقات الثنائية أو الثلاثية.

ممنوع على التلميذات في المدرسة توزيع بطاقات الدعوة لأعياد ميلادهن. فإما أن يكون الصف كله مدعواً وإما فلا! ليست هناك تفضيلات ولا محاباة بين الطفلات، والقانون يسري حتى على الحفيدة الصغرى لملكة البلاد.

من يتجول في تلك المدرسة يلاحظ وجود لافتات معلقة على جدران الصفوف وفي الممرات، تحمل عبارة: «كوني لطيفة». فاللطف لا يورث في الجينات لكنه يُكتسب بالتربية، مثله مثل الصدق والكرم والتواضع. وشارلوت طفلة بريئة مثل غيرها لكنها ستكبر في ظروف بالغة التعقيد.

وهي لا تفهم، بعد، سبب عيشها في قصور تاريخية وسط العديد من المربيات والحراس، ولا سبب كل تلك الفلاشات التي تلمع في عينيها كلما ظهرت في مكان عام.

ستكون مُراقبة في كل خطوة، مسموعة في كل همسة، وستكبر وتكبر معها الشائعات التي تغذي عجلة وسائل الإعلام.

هل يتوقف النهم الشعبي لأخبار الأميرات؟